تناولت وسائل الإعلام ظهور عدد من حالات الإصابة بفيروس بونيا في الصين، وتخلل الإصابات عدداً من الوفيات، وسارعت بعض وسائل الإعلام بإضفاء جانبٍ مخيفٍ في القصة؛ مثل كون الفيروس قاتلاً وأشد فتكاً من فيروس كورونا، بينما ذهب آخرون إلى أن الفيروس جديد، وأنه الوباء المقبل. في الحقيقة الأمر أبسط مما تصوره صفحات التواصل الإجتماعي وبعض وسائل الإعلام، إليك كل ما تريد معرفته عن فيروس بونيا.
نبذة عن فيروس بونيا
فيروسات بونيا هي جزيئات كروية مغلفة قطرها 90 إلى 100 نانومتر. وتنتمي إلى الفيروسات ذات الحمض النووي الريبي أحادية السلسلة سالبة الإتجاه، وتشمل فيروسات بونيا بجانب 3 أجناس فيروسات أخرى؛ 35 سلالة مصلية مع 304 أنواعا فرعية على الأقل.
تتكاثر فيروسات بونيا في السيتوبلازم. يتم نسخ جينوم الرنا الخاص بهم إلى الرنا الرسول، ويؤدي تسلسل الرنا للمضيف في بعض الفيروسات إلى تخليق الرنا الرسول الفيروسي، ببساطة ينتقل الفيروس إلى الخلايا ليغزوها، ومن ثم يتكاثر وينتقل إلى الخلايا الأخرى.
تحتوي فيروسات بونيا على جينومات مجزأة، مما يجعلها قادرة على إعادة التركيب السريع وزيادة خطر تفشي المرض. وبشكل عام تسبب فيروسات بونيا الحمى وهي حمى محدودة تستمر من 1 إلى 4 أيام ويصاحبها صداع وآلام في العضلات وغثيان وضعف عام. وتختلف الأعراض وفقاً لأنواع الفيروسات داخل نفس العائلة، هناك سلالات تسبب النزيف؛ والتهاب الكبد أو التهاب الدماغ وتتأثر الكلى لاحقاً في العدوى بعد تكوين الأجسام المضادة.
التشخيص والانتقال إلى البشر
تنتقل فيروسات بونيا إلى البشر عن طريق المفصليات، يتم الانتقال البيولوجي عن طريق حشرة القراد أو البعوض وبعض أنواع الذباب. على سبيل المثال؛ الفيروس الذي أعلن عنه مؤخراً في الصين ينتقل عن طريق القراد، لكن أغلب هذه الفيروسات مدة حضانتها تصل إلى 48 ساعة فقط.
يمكن تشخيص الإصابة بمعرفة الموقع الجغرافي للشخص المصاب، ووجود المفصليات، وبالتالي يمكن تشخيصه افتراضياً في حالات الحمى، لكن يتم تأكيد التشخيص عن طريق تحليل IgM محدد، أو الكشف عن الحمض النووي الريبي عن طريق تحليل البي سي آر.
المواجهة واللقاح
يواجه الجسم فيروس بونيا عبر آلية الدفاع المبكرة التي يصنعها؛ تفرز الخلايا الإنترفيرون وهي بروتينات صغيرة ذات أنواع عدة تنتجها الخلايا، يرتبط الإنترفيون بأغشية الخلايا السليمة ويحفزها لإنتاج بروتين خاص ضد الفيروس، وبالتالي يمنع تكاثر الفيروس داخل الخلايا؛ مما يقلل انتشار العدوى الفيروسية.
يمكن الوقاية من فيروسات بونيا عن طريق التحكم في انتقال فيروس أو بالأحرى عن طريق مكافحة المفصليات وناقلات المرض، وأيضاً تلعب إجراءات الوقاية الشخصية دوراً مهماً، مثل استخدام الملابس الواقية المناسبة، واستخدام المواد الطاردة للحشرات في المنزل، وفي مواقع تكاثر المفصليات، وتُستخدم لقاحات حمى في إفريقيا لتحصين الأغنام والماشية وهي مضيف المرض قبل المفصليات، وبهدف إيقاف دورة انتقال العدوى إلى البشر، وتنجح هذه الاستراتيجية في بعض أنواع فيروسات بونيا، وليس جميعها.
عادة ما تقتصر أمراض فيروس بونيا على المناطق الجغرافية البؤرية بسبب التوزيع المحدود لنواقلها ومضيفيها من الفقاريات. ومع ذلك يمكن أن ينتقل الفيروس من شخص لأخر عن طريق لمس دم المصاب في بعض أنواع عائلة فيروس بونيا. وفي أنواع أخرى يمكن أن ينتقل عن طريق الهباء الجوي، أو السعال وقطرات الرذاذ من الفم.
فيروس بونيا الصيني
الفيروس الذي ظهر في الصين هو من نوع «SFTS» وأحد أفراد عائلة فيروس بونيا، وهو يسبب الحمى الشديدة مع متلازمة قلة الصفيحات -حالة ينخفض فيها عدد الصفيحات الدموية-. هذا النوع من الفيروس يستوطن في وسط وشمال شرق الصين بشكل أساسي، وهو مرض معدٍ؛ مع معدل إماتة يصل إلى 12%، وينتقل هذا الفيروس من إنسان إلى آخر من خلال الاتصال الوثيق بدم المصاب، مع أو إفرازات الجسم المختلفة للمرضى المصابين، ولا ينتشر عن طريق الهباء الجوي.
ورغم أن عائلة فيروس بونيا قديمة الاكتشاف إلا أن هذا النوع أبلغ عنه لأول مرة في اليابان عام 2012، واكتشف في امرأة تتمتع بصحة جيدة تتراوح أعمارها بين 50 و 59 عاماً وتوفيت بفشل أعضاء متعددة، وفي عام 2013 استطاع الباحثون في اليابان من تحديد 10 أشخاص مصابين بالفيروس بأثر رجعي، وحددوا تاريخ إصابتهم بالمرض في عام 2005.
على الرغم من كل ما سبق يمكن القول أن عائلة فيروسات بونيا موجودة وتعيش بيننا منذ زمن، وفيروس «SFTS» الذي ظهر في الصين، عادة ما يظهر في تلك المناطق، مثل العديد من الفيروسات التي تستوطن مناطق دون غيرها، ويمكن مكافحتها واحتوائها من قبل مقدمي الرعاية الصحية في تلك المناطق، ولا يوجد ما يدعو للذعر وبالأخص أن القراد الذي يحمل الفيروس -ليس كل القراد- لم ينتشر في كل العالم بعد، ناهيك أن الفيروس لا ينتقل عبر الهباء الجوي مثل فيروس كورونا، لذا لنطمئن.