الخلايا المناعية المعدلة وراثياً: أمل جديد لمرضى السرطان

4 دقائق
خلايا تائية, خلايا مناعية, علاج السرطان, السرطان, أمراض, الحمض النووي
خلايا مناعية (خلايا تائية) — مصدر الصورة: Zappys Technology Solutions/ فليكر

في الحقيقة أنا أستمتع كثيراً بالتسوّق عبر الإنترنت، إلا أنني غالباً ما أجد نفسي مربكاً بشأن خيارات التسليم عند طلب منتجٍ ما، نظراً لأنّ خدمات التوصيل ليس جميعها بنفس المستوى من الجودة أو لا ينبغي القلق بشأنها.

ألهمتني هذه التجربة الشخصية بالقيام ببحثي أيضاً. بصفتي باحثاً ما بعد الدكتوراه في جامعة ستانفورد، صممت مواد نانوية صغيرة جداً- حبيبات أصغر بنحو 10 آلاف مرّة من حبّة الرز- تعمل على توصيل الحمض النووي إلى خلايا الدم البيضاء التي تُدعى الخلايا التائية «الخلايا التائية - T-Cells»، وتلعب دور أساسي في محاربة الخلايا السرطانية. تعتمد طريقتي، والتي تشبه طريقة شركات التوصيل مثل «فيدكس» و«UPS» كما أعتقد، على توصيل الحمض النووي إلى الخلايا التائية بكفاءة، ويعمل الحمض النووي على تحويلها إلى جنود خارقين يتتبعون الخلايا السرطانية ويقضون عليها.

مستقبل الطب المناعي

رغم مرور عقود من الأبحاث حول مرض السرطان، لا يزال هذا المرض صعب العلاج؛ نظراً لأن الخلايا السرطانية تتطور وتتحوّر بسرعة لتصبح مقاومةً لمختلف علاجات السرطان مثل العلاج الكيميائي والاشعاعي. قدّرت منظمة الصحة العالمية عدد الذين تُوفوا بسبب السرطان عام 2018 بما يقرب من 10 ملايين شخص، بينما بلغت الكلفة التقديرية الناجمة عن النفقات العلاجية وانخفاض المقدرة الإنتاجية للعمال المصابين بنحو 1.2 تريليون دولار أميركي، وتذهب التقديرات إلى أنّ هذا العدد آخذٌ في الارتفاع مع ازدياد معدّل أعمار السكان حول العالم.

خلايا تائية, خلايا مناعية, علاج السرطان, السرطان, أمراض, الحمض النووي

اكتشف كلٌّ من «جيمس أليسون» و«تاسوكو هونجو»، والحائزان على جائزة نوبل في الطب مناصفةً عام 2018 عن بحثهما المُتعلّق بالعلاج المناعي للسرطان، اكتشفا في تسعينيات القرن المنصرم أن الخلايا السرطانية يمكنها أن تثبّط عمل الخلايا التائية وتمنعها من اكتشافها. كانوا روّاد استراتيجية استخدام بروتيناتٍ تُدعى الأجسام المضادة لترتبط بالخلايا السرطانية وبالتالي منعها من تثبيط الخلايا التائية وبالتالي قمعها.

النوع الثاني من علاج السرطان المناعي، والذي أدرسه، يتضمن تصميم الخلايا التائية جينياً مع حمضٍ نووي مصمم خصيصاً لهذا الغرض. يعمل الحمض النووي المُدخل على الخلايا التائية على تشفير بروتيناته لتعمل كأسلحة تقتل الخلايا السرطانية بشكل أسرع قبل أن تتاح لها الفرصة لتطوير طفرات جديدة.

لسوء الحظ، ليس من السهل إيصال الحمض النووي إلى الخلايا التائية، والطرق الحالية غير كافية لإيصاله، وقد تعرّض وظائف الخلايا التائية المحاربة للسرطان للخطر. وقد تصبح بعض الخلايا التائية مفرطة النشاط بعد نقل الحمض النووي إليها وتهاجم أعضاء المرضى.

الطريقة الأفضل لنقل الحمض النووي

هناك طريقتان معروفتان لنقل الحمض النووي إلى الخلايا التائية. الأولى؛ استخدام الفيروسات. والثانية استخدام تقنية التثقيب الكهربائي، وهو تقنيةٌ تعتمد على التيار الكهربائي لإحداث ثقوبٍ في الأغشية الخلوية تسمح من خلالها للحمض النووي بالدخول إليها. لكن كلا الطريقتين غير فعّال وتشوبهما العديد من العيوب.

في الطريقة الأولى، تُحقن الفيروسات بالحمض النووي العلاجي؛ بجانب حمضها النووي، وتنقله إلى الخلايا التائية، ونتائج هذه العملية خطيرة، لأن الأثر الطويل الأمد لوجود جيناتٍ فيروسية في أجسامنا غير معروف النتائج. فقد تُحدثُ الفيروسات ردّة فعل مناعية سامة مثل الحُمّى المستمرة وربما تصل إلى الموت. من العيوب الأخرى لهذه الطريقة هي أن الفيروس ليس باستطاعته حمل سوى كميات ضئيلة فقط من الحمض النووي المراد توصيله، مما يُصعب إقحام أحدث أدوات التعديل الجيني داخلها.

أدت هذه العيوب إلى اللجوء لطريقة التثقيب الكهربي، وتعمل هذه الطريقة عن طريق تعريض الخلايا لحقول كهربائية قوية تخلق ثقوباً في غشاء الخلايا وتسمح للحمض النووي بالمرور. إلا أنّ هذه الطريقة كانت أقرب للقنبلة الموقوتة التي تنفجر بمجرّد وصول الطرد إلى المكان المُستهدف، وأظهرتُ أنا وآخرون بأن هذه الطريقة ليست عملية وتُضر بقدرة الخلايا التائية ويضعفها في مواجهة الخلايا السرطانية.

قوّة تقنية النانو

لتجاوز هذه الفجوة التقنية، قمت بتطوير تقنية جديدة تُسمّى الحقن الكهرومغناطيسي النانوي، أو «MagNEI»، والتي يمكنها نقل الحمض النووي إلى الخلايا التائية بكفاءة تعادل أربع أضعاف الطريقتين السابقتين، وبالتالي يسمح لنا بإنتاج أعداد كبيرة من تلك الخلايا التائية الخارقة المُعدلة وراثياً- نحو مليار خلايا أو أكثر- واللازمة لمحاربة السرطان.

لتبسيط آلية عمل طريقة «MagNEI»، أقوم أولاً بنشر حبيباتٍ مغناطيسية (معتمدة من إدارة الأغذية والعقاقير FDA) على غشاء الخلايا التائية لتنشيطها وجعلها أكثر تقبّلاً لتوصيل الحمض النووي. ثم أستخدم أنابيب مغناطيسية نانونية لإحداث ثقوب مجوفة في الخلايا، ويبلغ قطر هذه الأنابيب أصغر 10 آلاف مرّة من حبّة الرز. وفي الخطوة التالية، أقوم بتسليط حقل كهربائي من خلال الأنابيب النانوية على الخلايا لتحفيز نشوء مسام أو ثقوب مسامية صغيرة في أغشيتها الخلوية؛ ليتمكن الحمض النووي من العبور إلى داخل الخلايا، ثم تقوم القوى المغناطيسية بتوجيه الحمض النووي نحو نواة الخلية التائية. هذا الإجراء ألطف أكثر حفاظاً على سلامة الخلايا بكثير مقارنةً باستخدام تقنية التثقيب الكهربائي.

تقييم تقنيات توصيل الحمض النووي

إلى جانب النظر في معيار كفاءة توصيل الحمض النووي (النسبة المئوية للخلايا التي يتم تعديلها وراثياً بنجاح باستخدام الحمض النووي)، ينبغي أخذ عواقب طرق التوصيل المختلفة وآثارها الجانبية بعين الاعتبار أيضاً. على سبيل المثال، وجدت أن قدرة الخلايا التائية المعدّلة جينياً على الانتقال والبحث عن الخلايا السرطانية قد تكون أضعف بعد نقل الحمض النووي إليها.

يحتاج مجتمع مؤيدي العلاج المناعي للسرطان برأيي النظر إلى ما هو أبعد من التقييمات البسيطة مثل الكفاءة وعدد الخلايا التي تبقى على قيد الحياة بعد نقل الحمض النووي إليها لتقييم فائدة تقنيات إيصال الحمض النووي الجديدة.

الحمض النووي ما هو إلا جزء منك فقط.
حقوق الصورة: بيكساباي

لذلك، وفي مراجعةٍ حديثة، قدمت إطاراً جديداً لمعاييرَ جديدة لتقييم طرق توصيل الحمض النووي الأكثر كفاءة. أحد الطرق التي اقترحتها لتقييم أثر طريقة توصيل الحمص النووي تتمثّل في قياس كيفية تغيّر نشاط جينات معينة باستبدالها بجينات غريبة.

على سبيل المثال، وجدت أن تقنية التثقيب الكهربائي تسبب تغيرات مهمة في نشاط الجينات المرتبطة بنشاط الخلية الأيضي. قد يفسّر ذلك سبب بطئ نمو الخلايا المُعاملة بهذه الطريقة، والذي يؤدي بدوره إلى زيادة كلفة تصنيع هذه الخلايا التائية المُعدلة وبالتالي إطالة وقت علاج المرضى.

بينما توفر الطرق النانوية التي تعتمد على الجذب المغناطيسي -مثل طريقتي- مزايا أكثر من طريقتي الفيروسات، والتثقيب الكهربي في توصيل الحمض النووي، لكنني حتى الآن، لم أقم بهذه التجارب إلا في الإطار المخبري وعلى الحيوانات. وآمل في المستقبل تطوير استخدام تقنية المواد النانوية لإيصال الحمض النووي لإيجاد علاجات تعتمد على الخلايا المناعية المُعدلة.

تم نشر المقال في موقع ذا كونفيرسيش

المحتوى محمي