في أكتوبر/ تشرين الأول 2019، ضربت 3 زلازل قوية بلدية تولونان في مقاطعة كوتاباتو جنوب الفلبين. ونظراً لوجود العديد من الفوالق الزلزالية النشطة التي تنتشر حول الجزيرة الجنوبية، شعر السكان على بعد مئات الكيلومترات في مدينة دافاو بالزلزال. ومن شدة خوفي، بقيت مستيقظة طوال الليل تحسباً من موجة الهزات الأرضية الارتدادية الأولى، ثم حدثت موجة ثانية من الزلازل بعد أسبوعين، ثم حدثت الثالثة بعد يومين فقط. بعدها لم أعد أتذكر كم مرة تكررت الهزّات الأرضية.
صدمتني الصور ومقاطع الفيديو للدمار الواسع التي بدأت تظهر على وسائل التواصل الاجتماعي من تولونان، واجتاحتني مشاعر القلق لأني لم أكن أعلم ما عليّ فعله أو ما سيحدث بعد ذلك. في الواقع، لم أكن قادرةً على تحديد مشاعري، كانت مخاوفي قد بدأت للتو.
تقول «مورجان بيج»، عالمة الجيوفيزياء في هيئة المسح الجيولوجي الأميركية: «تنجم الغالبية العظمى من الزلازل عن التفريغ المفاجئ للضغط المتراكم في الأرض بفعل حركات الصفائح التكتونية. في الحقيقة لا يمكن التنبؤ بالهزات الارتدادية، وغالباً ما تستمر لشهورٍ وحتى سنوات». وذلك هو ما حدث في تولونان بالضبط، لقد عانينا من مئات الهزات الارتدادية طوال شهر نوفمبر/ تشرين الثاني. تضيف بيج قائلة: «القاعدة العامة عموماً هي أنه بعد حدوث زلزالٍ كبير هناك فإن احتمال 5% تقريباً سيتبعه حدوث زلزال كبير آخر. لذلك في معظم الحالات، تظل الهزات الارتدادية أصغر من الهزة الرئيسية الأقوى. ولكن على الجميع إدراك أنه في بعض الأحيان يمكن أن يحدث زلزال أكبر في أعقاب الزلزال الكبير الأول».
ووفقاً لـ «جيمس جهيرتي»، الأستاذ في كلية الأرض والاستدامة في جامعة شمال أريزونا، فإن جميع الزلازل في الفلبين ربما لا تكون طبيعية المنشأ. في الواقع، هناك نشاطٌ كبير لصناعة التعدين في المنطقة المحيطة بتولونان، وربما تقف وراء «الزلازل المُستحثة». يقول جهيرتي موضحاً: «يمكن أن تكون الزلازل المسحثة ضعيفة جداً لا نشعر بها، ونادراً ما تكون قوية أو مدمرة، لكن يمكن أن تمهّد وتعزز حدوث زلازل مدمرة جداً». في 18 نوفمبر/ تشرين الثاني، ضرب زلزال بقوة 5.9 درجة بلدية كيباوي في بوكيدنون التي تقع على بعد حوالي 110 كيلومترات من مدينة دافاو. كان النوم هذه المرة أقرب إلى المستحيل.
تأثير الزلازل على الصحة النفسية
مثلما تؤثر الهزات الارتدادية المستمرة على البنية التحتية، فإنها يمكن أن تلحق ضرراً فادحاً بالصحة النفسية للأشخاص أيضاً. في الواقع تتسبب الزلازل بإصابة العديد باضطراب ما بعد الصدمة، وهو مرضٌ نفسي يتطوّر بمرور الوقت وتشير الاحصائيات إلى أنه يؤثّر على ما يزيد عن 7% من سكان العالم. على سبيل المثال، كنت أعاني شخصياً من القلق منذ عقدٍ من الزمن، وقد فاقمت الزلازل الأخيرة حالتي وأصبحت أكثر سوءاً. بتّ أشعر بالارتباك دائماً، إذ يجب أن أكون على مستعدة دائماً، ولدي الخطط الاحتياطية لأي طارئ محتمل. اتخيل أن لدي استجابة القتال أو الهروب، ولكن من الدرجة التاسعة.
وفقاً لما يقوله الخبراء الطبيين، ربما لا يكون وصفي لحالتي بعيداً عن الواقع. تقول «مولي أنصاري»، الأستاذة المساعدة في الاستشارات بجامعة برادلي في بيوريا بولاية إلينوي: «يُعد القلق استجابة طبيعية تماماً لموقف غير طبيعي، وبشكلٍ أكثر تحديداً، لموقفٍ مخيف. يُعتبر القلق الذي يتطور بعد حدوث شيء مثل الزلزال بمثابة إشارة تحذير تصدرها أجسادنا كي نتصرّف لحماية أنفسنا من خطرٍ ما في المستقبل. على سبيل المثال، القلق الإيجابي قد يدفع الأفراد لصنع أدوات الأمان ليستخدموها في حالة الزلازل، وإدخال تحسيناتٍ على المنزل تجعله أكثر مقاومة للزلازل، أو الاشتراك بالتامين ضد الأخطار وغير ذلك من الإجراءات».
في الحقيقة، من الصعب التنبؤ بكيفية تأثير القلق الناجم عن توقّع الزلازل على استجابة الفرد، أو كيف يمكن لشخصٍ ما ليس لديه الخبرة الكافية للتعامل مع القلق التأقلم مع احتمال حدوث الزلازل. بالنسبة لي، وبعد 4 هزاتٍ قوية، لم أعد أشعر بأن القلق الذي ينتابني إيجابي. لقد أصبح اعاني من صعوبة النوم الشديدة، بالإضافة إلى العديد من الأعراض الأخرى؛ مثل القلق المفرط، والعصبية وفقدان السيطرة، واسترجاع ذكريات الماضي والخوف المستمر من الكارثة التالية.
تقول أنصاري، وهي مستشارة سريرية متخصصة باضطراب الصدمات: «يمكن أن تتسبب الزلازل بالقلق والخوف، حتى لدى من نجوا وتحسّنت أحوالهم بعد الزلازل». ولكن أنصاري تشير إلى أنه من الصعب معرفة ما إذا كان هذا القلق والخوف ناجم عن اضطراب القلق أم بسبب اضطراب ما بعد الصدمة الذي يُعدّ حالةً أكثر تحديداً من القلق. تقول موضحة: «غالباً ما تتداخل الأعراض، ويمكن الخلط بينها وبين الآخر. من الشائع جداً أن يعاني شخص مصاب باضطراب ما بعد الصدمة من القلق».
كيف يمكن التمييز بين الحالتين؟
تقول أنصاري في هذا الصدد: «سينظر الطبيب في المسببات أو في مجموعة من أسباب الأعراض. عند تشخيص اضطراب ما بعد الصدمة عادة، يكون لدى الفرد شعور شديد بالقلق استجابة لحدث ما، مثل كارثة طبيعية. أما في حالة اضطراب القلق العام، من المحتمل أن تكون الأعراض قد ظهرت بسبب ظروفٍ مختلفة، ولها تاريخٌ طويل».
باختصار، إذا كان القلق نتيجة مباشرة لتجربة مؤلمة وأدى إلى ظهور أعراض سلوكية ونفسية شديدة، مثل العصبية وفقدان السيطرة، وحالة اليقظة المفرطة والعزلة الاجتماعية وتذكّر الماضي، فقد يُشخّص على أنه اضطراب ما بعد الصدمة. وتؤكد أنصاري أيضاً على أن الشخص الذي يعاني من قلق موجود مسبقاً ولم يتلق العلاج أو الدعم قد يكون أكثر عرضة للإصابة باضطراب ما بعد الصدمة بعد حدث مؤلم.
بينما تندرج الزلازل في فئة الأحداث الصادمة، إلا أن هناك القليل من الأبحاث حول دورها بالتسبب باضطراب ما بعد الصدمة، أو باضطراب القلق العام. في العام الماضي، نشرت دورية «آسيان جورنال سايكولوجي» دراسة تُظهر ارتباطاً بين زلزال آتشيه في إندونيسيا الذي حدث عام 2016، وبين زيادة ذات دلالة إحصائية في معدلات المراضة المشتركة الناتجة عن اضطراب ما بعد الصدمة والاكتئاب والقلق. وقد أجرى باحث في الصحة العامة في جامعة ميامي بحثاً مشابهاً تناول الأعراض التي أصابت البورتوريكيين الذين تعرضوا لفقدان منازلهم بعد أن ضرب إعصار ماريا جزيرتهم، ويدرس حالياً سلوك سكّان الجزيرة الذين تعرّضت منازلهم لمئات الهزات الارتدادية في وقتٍ سابقة من هذا العام.
تقول أنصاري: «لا يزال أمامنا الكثير من البحث حول اضطراب ما بعد الصدمة التي تنجم عن الكوارث الطبيعية، أو الكوارث التي يتسبب بها البشر. في الواقع، ما نزال حتى الآن غير قادرين على الإجابة على سؤال ما إذا كان المرء سيُصاب باضطراب ما بعد الصدمة أم لا. لكن من المهم دائماً معرفة العوامل المشتركة بين من يصابون بهذا الاضطراب والذين لا يصابون به، وينطبق الأمر نفسه على اضطراب القلق العام».
كيف نتعامل مع القلق بسبب الزلازل؟
بالنسبة لسكّان منطقة جنوب الفلبين -التي تقع فوق فوالق زلزالية لم تدرس جيداً بعد؛ وفقاً لجهيرتي- فإن السكان ما زالوا قلقون ويتسائلون بشأن ما إذا كان بإمكانهم النوم بسهولةٍ وأمان أم لا. ولكن، وكما تُشير أنصاري، هناك وسائل وطرق للحصول على المساعدة والتعامل مع القلق العام واضطراب ما بعد الصدمة.
تقترح أنصاري، بالإضافة للحصول على الاستشارة الطبية النفسية ونصيحتها باستخدام دواء «بوسبيرون» المضاد للقلق، فإن الإنضمام إلى مجموعات دعم الناجين من الكوارث، وممارسة تقنيات الاسترخاء مثل التأمل ومتابعة روتين الحياة اليومي مع اتخاذ الاحتياطات اللازمة؛ سيفيد كثيراً. تضيف: «من الحكمة الانخراط في الأنشطة التي تعزز الشعور بالتمكين والتحكم، بما في الفنون وكتابة المذكرات أيضاً». في الواقع -الكلام هنا لكاتبة المقال- لقد استفدت كثيراً من الفكرة الأخيرة، في كل مرّة أستطيع فيها ترجمة كيف يؤثّر فيّ القلق عبر الكلمات، أشعر بالقوة فعلاً.
لقد مرت 8 أشهر حتى الآن منذ أول هزة قوية في مدينة دافاو، وبضعة أسابيع منذ أن هدأت الهزات الارتدادية، فإن القلق ما زال يتسلل إليّ بين حين وآخر، لكنني أتعلم كيف أهدئ عقلي والاستمرار في الحياة. قد لا ينطبق ذلك على جاري أو على الشخص الذي فقد منزله في تلال تولونان هذه الحيل. كل شخص يعاني من اضطرابات الصحة النفسية بشكل مختلف، ولذلك، يتعين على كل منا أن يجد طريقته الخاصة في التعامل مع الكارثة. الجزء المهم هو أن نعترف بالصعوبات ونكون صادقين مع أنفسنا بغض النظر عن حجم الكارثة.
هذا المقال محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً