ما معنى الشخصية الإدمانية؟ وهل الإدمان سمة موجودة في أشخاص دون آخرين؟
لن أنسى أبداً إدماني الأول: «رون سكيب» (RuneScape)؛ وهي لعبة خيالية ضخمة على الإنترنت. كان ذلك عام 2004، وكنت ألعب هذه اللعبة على مدار الساعة. في المدرسة، حلمت بذبح التنانين، وفي عطلات نهاية الأسبوع، حاربت العفاريت حتى شروق الشمس. لم يكن لدي وقت أضيّعه على الواجبات المنزلية لأنه كان لدي العديد من الأنشطة.
كان عمري 12 عاماً فقط؛ لكن والدتي كانت تحذرني من واحدة حتى.
مع ذلك؛ كان لدي دائماً ذلك الشعور بأن هناك ميولاً هوسيّاً لدي - شيء ما لا أستطيع أن أتغلّب عليه. هذا ما اعتقدت أن والدتي كانت تحاول أن تقوله لي على أية حال.
لقد تعلمت بالطريقة الصعبة أنها لم تكن مخطئة. بعد 10 سنوات، كنت أشرب الكحول بنهم من يوم الجمعة إلى الأحد دون أن أنام لدقيقة، وعادةً ما كنت أحتاج الأدوية المنومة لأنام، وأحاول (غالباً دون جدوى) شرب ما لا يزيد عن زجاجتين من الجعة في وقت الغداء خلال الأسبوع. استغرق الأمر 5 سنوات والعديد من الأخطاء حتى أُجبرت لاحقاً على الإقلاع عن شرب الكحول للأبد.
هل الشخصية الإدمانية سمة حقيقية؟
ولكن كان هناك دائماً شيء ما لا يمكنني الاكتفاء منه - سواء كان ذلك الماريغوانا أو القهوة أو مقاطع فيديو لجرائم حقيقية على يوتيوب. قد يقول البعض أن شخصيتي هي «الشخصية الإدمانية»، أو شرهة بطبيعتها. شخصياً، فكّرت كثيراً بأن هذه الميزة هي تلك التي حذرتني أمي بشأنها عندما كنت مجرد طفل ألعب حتى أنام على الحاسوب.
الكثير من الذين يعانون من الإدمان يقبلون بهذه الصورة الهمجية عن أنفسهم. نحن المدمنون نشعر كما لو أننا مختلفون، ولدينا رغبة قوية في الحصول على المزيد والمزيد من شيء ما. تقول لوز؛ مبتكرة «بروتال ريكوفيري» (brutalrecovery@)؛ وهي صفحة على موقع إنستغرام مخصصة لتصوير تجربة إعادة التأهيل من الإدمان على هيئة ميمات الإنترنت: «كل ما أريد فعله هو الضغط على زر الدوبامين لأشعر بالرضا»، وتضيف: «يمكن أن أدمن أي شيء حرفياً». في البداية كان الأمر يتعلق بالمخدرات والكحول؛ لكنها الآن تقول إنها تدمن «التدخين والنوتيلا والتمارين الرياضية والهوايات الجديدة والكتب والطعام والطهي وشراء الأشياء التي لست بحاجة إليها».
لكن حقيقة الإدمان هي أكثر تعقيداً بكثير من أن تتلخّص بـ «البعض مدمنون والبعض الآخر ليسوا كذلك». لا يمكن اختزال الإدمان في سمة شخصية واحدة، وفي الواقع؛ لا توجد سمات عامة يشترك فيها جميع المدمنين. يعاني البعض من نوع واحد من الإدمان، بينما يعاني آخرون من عدة أنواع. بعض المدمنين يفضّلون العزلة، وبعضهم الآخر منفتحين. يعاني البعض منهم من اضطرابات الشخصية، والبعض الآخر لا يعاني منها.
لا يوجد شيء اسمه «الشخصية الإدمانية»
حول ما إذا كان الإدمان السلوكي؛ مثل إدمان القمار، يعتبر إدماناً «حقيقياً» كما يعتبر الاعتماد الجسدي على المخدرات إدماناً).
مع ذلك، فنحن نعلم أن بعض السمات الشخصية يمكن أن تجعل البعض أكثر عرضةً لخطر الإصابة بالإدمان. تقول «كيلي غرين»؛ عالمة نفس ومؤلفة كتاب «العلاقات في مرحلة التعافي»، أن الاندفاعية، والرغبة في الإثارة، وعدم الالتزام، والتحمل المنخفض للمصاعب، كلها سمات «قريبة من الاستعدادت للإدمان».
يقول «دان ميغر»؛ مؤلف كتاب «جمع شتات النفس مطلوب: نهج متوازن للتعافي من الإدمان»، أن مشاعر الفراغ والحساسية المفرطة شائعة أيضاً بين الأشخاص الذين يصابون بالإدمان. وبالمثل؛ في حين أن الأشخاص الذين يعانون من الإدمان لا يمكن التعرف عليهم من خلال ظروف الصحة العقلية وحدها، فإن الأشخاص الذين يعانون من القلق هم أكثر عرضة لإدمان المخدرات. يقول ميغر: «إن تعاطي المخدرات هو وسيلة لتخدير أو تخفيف وطأة تلك المشاعر». لسبب ما؛ نعلم أيضاً أن الأطفال الذين لديهم معدل ذكاء أعلى هم أكثر عرضةً لتعاطي المخدرات غير المشروعة في وقت لاحق من حياتهم.
يعتمد ما إذا كانت هذه السمات تؤدي إلى الإدمان على مجموعة متنوعة من العوامل الأخرى. تقول غرين أنه يمكن ربط حوالي 50% من استعداد الشخص للإدمان بعوامل وراثية، لكننا لسنا متأكدين تماماً كيف تُظهر هذه العوامل الوراثية نفسها. تشرح غرين قائلة: «هذا يعني أن الـ 50% المتبقية تتبع لجميع أنواع العوامل النفسية والاجتماعية والثقافية الأخرى». تلعب بيئتك دوراً أيضاً، وكذلك الأمر بالنسبة للطريقة التي تتعامل بها مع ميّزات الشخصية الخاصة وكيف يتعامل معها الآخرون. حتى التوتر يمكن أن يؤثّر على آليات توليد الشعور بالمكافأة في الدماغ، لذلك يمكن للشخص الذي يعيش حياة موتّرة للغاية (لأي سبب) أن يكون أكثر عرضةً للإدمان.
يقول ميغر: «الإدمان ينتج عن مزيج من الصفات الطبيعية والتنشئة»؛ ولكن هناك الكثير من التعقيدات، وما زلنا نتعلم ما هي العوامل التي تُعتبر ناتجةً عن الصفات الطبيعية وما هي تلك التي تُعتبر ناتجةً عن التنشئة عندما يتعلق الأمر بظهور ميول الإدمان. يضيف ميغر: «من المستحيل استخلاص الحد الذي يفصل بين الصفات الطبيعية والتنشئة في هذا السياق».
اقرأ أيضاً: أفكار مزعجة تتربص بك: تعرف إلى الوسواس القهري وعلاجه
من وجهة نظر الطبيعة؛ تقول غرين: «لقد بدأنا نكتشف أن الإدمان قد يكون مرتبطاً ببعض الاختلافات العصبية في أشياء مثل كثافة مستقبلات الدوبامين في الدماغ. لذلك إذا كان لدى شخص ما عدد أقل من مستقبلات الدوبامين، فسيحتاج إلى كميات أكبر من الدوبامين ليشعر بنفس المشاعر الجيدة التي يشعر بها الآخرون بشكل طبيعي». هذا الأمر يمكن تحقيقه بتعاطي المخدّرات.
بعد ذلك؛ بمجرد أن تبدأ في تعاطي نوع من المخدرات، فإن هذا يغير التفاعلات الكيميائية الحيوية في دماغك بطريقة تجعلك ترغب في تعاطي المزيد.
في المقابل؛ يمكن أن تشمل التنشئة أنواعاً مختلفة من الظروف، من التواجد حول أفراد الأسرة الذين يتعاطون المخدرات علانيةً، إلى العيش في ثقافة تحث على تعاطي مواد معينة لعلاج كل المشاكل. تقول غرين: «الثقافة الأميركية على وجه الخصوص خبيثة جداً من ناحية الإدمان، وذلك لأننا نُلقّن من صغرنا تلك الفكرة التي تنص على أننا يفترض أن نشعر بالسعادة، وإذا لم نشعر بالسعادة، فهناك مشكلة فينا»، وتضيف: «لقضاء وقت ممتع، فيجب أن تتناول هذا النوع من المشروبات أو أن تدخّن هذا النوع من السجائر. نحن نُقصف بهذه الأفكار التي فحواها هو أننا بحاجة لأن نستغل الوسائل الخارجية بدلاً من أن تعلم مهارات التأقلم».
«لوز» هي مثال جيد لشخص نشأ وسط مدمنين واكتسب سلوكياتهم؛ إذ تقول: «لم يكن هناك الكثير من الاعتدال من حولي، لذلك لم أتعلمه كمفهوم»، وتضيف: «ثم سنحت الفرصة لذلك الدافع الصغير داخلي؛ والذي كان يجعلني أرغب دائماً بالمزيد وبأشياء مختلفة، لأن يسيطر».
اجمع كل هذه العوامل، وستخلق بيئةً مثاليةً لظهور السلوك الإدماني. ولكن مرةً أخرى، فهناك الكثير ممن يواجهون هذه الظروف المحفزة للإدمان ولا يقعون فيه؛ مما يشير إلى التعقيد الهائل لموضوع الإدمان. تقول لوز: «أختي التي مرت بنفس الظروف في الطفولة؛ والتي تنتمي لنفس مجموعة المورثات الذي أنتمي إليها، ليست مدمنة بأي معنىً للكلمة»، وتضيف: «إنها لم تدخن سيجارةً من قبل وتعرف كيف تكون معتدلةً في كل شيء».
بالنسبة لي؛ حسناً، فالإدمان فعلاً أمر عائلي، كما قالت أمي دائماً، لذلك فأنا أملك تلك المورثات المسببة للإدمان. أنا شخص قلق أيضاً، وأعتقد أنه كان بإمكاني تعلم آليات أفضل للتعامل مع التوتر في سن مبكرة.
لكن الطريقة الوحيدة لتفسير السبب وراء عدم قدرتي على التوقف عن لعب «رون سكيب» حتى يومنا هذا ستتطلب تحليل كل لحظة في حياتي، وتحليل مورثاتي وتفكيك دماغي.
لسوء الحظ؛ ليس لدي وقت لفعل هذا لأنه لا يزال لديّ الكثير من الأنشطة!
اقرأ أيضاً: هل تدوير «السبنر» يخفف من التوتر فعلاً؟
هذا المقال محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً