العقم عند الذكور: تحدٍّ هائل وخفيّ

3 دقائق

من أهم أسباب العقم لدى الذكور في الشرق الأوسط الحرب والوراثة والإجهاد والتلوث والجنس غير المشروع، وذلك وفقاً للبحث الذي أجرته مارسيا إنهورن، عالمة الأنثروبولوجيا الطبية في جامعة ييل. ففي منطقة مثل منطقتنا، لا عجب إذن أن يسهم عقم الذكور فيما يقرب من 60-70٪ من حالات العقم، وهو معدل أعلى بكثير من نسبة 40-50٪ الموجودة في باقي أنحاء العالم.

ومع ذلك، يعتبر موضوع العقم لدى الرجال موضوعاً حساساً سواء في الوطن العربي أو حول العالم. إلا أن مناقشته تعد أمراً بالغ الأهمية في ضوء دراسة التلوية التي أجريت في يوليو 2017 من مجلة هيومان ريبيرودكشن أبديت، والتي شملت 185 دراسة توصلت إلى أن عدد الحيوانات المنوية لدى الذكور في الدول الغربية انخفض بنسبة 60٪ خلال السنوات الأربعين الماضية بينما انخفض تركيز الحيوانات المنوية بنسبة أكثر من 50٪. وقد بدأ الكثير من الرجال حول العالم عبر إجراء تغييرات في نمط حياتهم اليومية، أو عن طريق تجميد الحيوانات المنوية.

هل يعتبر تجميد الحيوانات المنوية حلالاً؟

في مقالة لاحقة لصحيفة نيويورك تايمز، تشير إنهورن إلى أن "المنطقة لم تحقق تقدماً تقنياً هائلاً فحسب في مكافحة العقم عند الذكور، بل شهدت أيضاً تغيراً جذرياً في المواقف المجتمعية تجاه المشكلة".

على سبيل المثال، كان رجال الدين في الإسلام "من بين أول الزعماء الدينيين في العالم الذين أجازوا أطفال الأنابيب أو التلقيح الاصطناعي (IVF) كحل للعقم". وفي الواقع، أصدر شيخ جامعة الأزهر أول فتوى رسمية على نطاق واسع حول الإنجاب بمساعدة طبية في عام 1980، بعد عامين فقط من ولادة طفل في إنجلترا عبر التلقيح الاصطناعي. إن وجهة النظر الدينية الغالبة عبر جميع الطوائف الإسلامية هي أن تجميد البويضات والحيوانات المنوية أمر حلال، طالما أنها مخصصة لاستخدام المانح وزوجه فقط.

ونتيجة لذلك، تتمتع المنطقة برعاية عالية الجودة ويستضيف الشرق الأوسط واحدة من أقوى صناعات التقنيات المساعدة على الإنجاب في العالم، مع كون العديد من البلدان من بين أكبر معدلات التلقيح الصناعي للفرد الواحد. وفي الواقع، تقدم العديد من العيادات خدمات الحفظ بالتجميد، لتجميد البويضات الأجنة والحيوانات المنوية، على الرغم من أن شركة ليغاسي (Legacy) فقط - وهي شركة مقرها في سويسرا ودخلت حديثاً إلى الشرق الأوسط - تركز على الرجال بشكل حصري.

عوامل فريدة في الوطن العربي

في دراسة أجريت في عام 2012 بعنوان "لماذا أنا؟ المسؤولية والعقم عند الذكور في الشرق الأوسط"، حددت إنهورن بضعة إجابات انبثقت من الرجال المصابين بالعقم في المنطقة: الوراثة والجنس غير المشروع والحرب والإجهاد والتلوث.

وبمجرد أن بدأتُ بالقيام بزيارات إلى عيادات الخصوبة المتطورة هناك، أدركتُ على الفور بأن معظم الحالات شملت "العقم المرتبط بأحد العوامل المتعلقة بالرجال". لذلك، حولت تركيزها إلى الجانب الذكري من المعادلة، وأثبت ما اكتشفته بأنه مفيد.

ومع تطور الشرق الأوسط بسرعة، فهناك عوامل أخرى تلعب دورها. ففي الإمارات العربية المتحدة على سبيل المثال، ارتفع معدل انتشار الهواتف المحمولة إلى 228٪ في عام 2017. وفي الوقت نفسه، وجدت إحدى دراسات التلوية الحديثة حول استخدام الهاتف المحمول أن ما يقرب من 80٪ من الدراسات ذكرت وجود شكل من أشكال النتائج السلبية بسبب تأثيرات الإشعاع الكهرومغناطيسي على الجهاز التناسلي الذكري.

ووجدت دراسة أخرى أجريت على 100 رجل أن 47٪ من الرجال الذين كانوا يُبقون هواتفهم ضمن نطاق 50 سنتيمتراً من عنق الفخذ كانت لديهم مستويات من الحيوانات المنوية المتأثرة بشكل خطير، بالمقارنة مع نسبة 11٪ فقط من عامة السكان، مما يؤدي إلى انخفاض أعداد الحيوانات المنوية إلى مستوى يصبح الحمل فيه صعباً. وبحسب جيتا نارجوند – الأستاذة الجامعية والمديرة الطبية لمراكز كرييت فيرتيليتي (Create Fertility) - فإن الارتباطات السلبية بين التعرض للهاتف المحمول وقابلية الحيوانات المنوية للنمو والحركة قد تم الإبلاغ عنها في الماضي.

في الوقت نفسه، تلعب السمنة والسكري والتدخين دوراً هاماً في المنطقة. إذ تتمتع منطقة الشرق الأوسط بأعلى معدلات السمنة، وتشير دراسة أجريت في عام 2016 من المجلة العالمية لمرض السكري (World Journal of Diabetes) إلى أن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لديها ثاني أعلى معدل لازدياد مرض السكري في العالم، ومن المتوقع أن يزداد عدد المصابين بالسكري بنسبة 96.2٪ بحلول عام 2035.

والآن، لنستعرض بعض الأخبار الجيدة

قال الدكتور ديفيد روبنسون - المدير الطبي لمركز بورن هول لعلاج الإخصاب في دبي – في حديثه إلى جلف نيوز بأن عقم الذكور الذي ينشأ عن الخيارات السيئة لنمط الحياة يمكن معالجته، مع تحذير هام: "لكي يظهر أي تغيير في نمط الحياة فعلياً، يجب على المرء أن يتّبعه لمدة لا تقل عن ثلاثة أشهر للحصول على جودة أفضل للحيوانات المنوية حيث تبلغ دورة حياة الحيوانات المنوية ثلاثة أشهر".

وأضاف: "إن التوعية حول النظام الغذائي الصحي والنشاط البدني من عمر صغير يمكن أن يمنع العديد من هذه الحالات المزمنة في وقت لاحق من الحياة".

وتشير إنهورن أيضاً إلى أن الضوء الموجود في نهاية نفق العقم ليس قطاراً قادماً، كما كتبت في مقالتها في جريدة تايمز بأن أعمالها وأعمال الآخرين في الشرق الأوسط تدل على أن قوة معالجة العقم تكمن في إعادة تأطيره كمشكلة طبية، وليس كمشكلة تتأثر بأي درجة من درجات الرجولة المفترضة.

ومع ذلك، فإن الأمر الأقوى على الإطلاق هو ما يلي: بعد النظر في جميع البيانات من الدراسات الـ 185 المشمولة بدراسة التلوية لمجلة هيومان ريبرودكشن أبديت، تستنتج إنهورن بأنه على الرغم من أن بعض التقنيات المساعدة قد تخفف بشكل أكبر من المشاكل المرتبطة بخصوبة الرجال، "إلا إنه في النهاية، هناك دور كبير يلعبه الرجال أنفسهم في مناقشة العقم عند الذكور بشكل أكبر، وخاصة مع انخفاض عدد الحيوانات المنوية".

خالد كتيلي هو مؤسس شركة ليغاسي.

المحتوى محمي