العلاج الجيني ينقذ حياة طفل صغير ويمنحه جلداً جديداً

3 دقائق
قام الباحثون بتعديل خلايا الجلد عند طفل يبلغ من العمر سبع سنوات لإصلاح طفرة مسببة للمرض، وفور زراعتها في المختبر، وضعت على جسده، حيث سيطرت ونمت بشكل أكبر.

إذا كنت تقرأ أخبار العلوم بانتظام، فقد تعتقد بأن العلماء مهووسون بالخلايا الجذعية. وكثير منهم هم كذلك لسبب وجيه، وهو قدرتها المدهشة على التطور إلى أي نوع تقريباً من الخلايا الموجودة في الجسم. والآن، وبعد أن وجدت تقنيات لتعديل الجينوم البشري بشكل أكثر موثوقية، فإن فكرة زراعة الأنسجة والأعضاء السليمة حسب الحاجة يصبح أقل شبهاً بالخيال العلمي. وفي دراسة نشرت في 8 نوفمبر في دورية "نيتشر"، استبدل الباحثون كافة الطبقة الخارجية من الجلد تقريباً عند طفل يبلغ من العمر سبع سنوات لعلاج مرضه الجلدي الذي يهدد حياته، وهو مرض وراثي يسمى انحلال البشرة الفقاعي.

وقام الباحثون بزراعة الجلد البديل من خلايا البشرة السليمة للطفل، بعد تعديل التركيب الجيني في المختبر لضمان عدم وجود الطفرة المسببة للمرض. ثم وضعوا الجلد الجديد على المناطق المتأذية من جسم الطفل. وقد قامت سابقاً نفس المجموعة من العلماء بإجراء عملية مماثلة لطفلين يعانيان من نفس الحالة، ولكن هذه هي المرة الأولى التي يقومون بإجرائها على شخص يعاني من هذه الحالة الشديدة. وبدلاً من علاج أجزاء صغيرة، قاموا باستبدال 80 في المئة من مساحة جلده.

ويُذكر بأن انحلال البشرة الفقاعي يمنع الطبقة الخارجية من الجلد - والتي تسمى البشرة - من الارتكاز بشكل صحيح على طبقة الجلد التي تقع تحتها (الأدمة). ونتيجة لذلك، تنفصل البشرة عندما تتعرض لأي رض طفيف، مما يسبب ظهور البثور بسهولة، ويؤدي في كثير من الحالات (بما في ذلك حالة الطفل في الدراسة) إلى جروح مهددة للحياة على جزء كبير من مساحة الجلد. وقبل خضوعه للعلاج التجريبي، كان الطفل المريض المذكور في الدراسة قد خسر الكثير من جلده بسبب المرض وتم إدخاله إلى المستشفى.

ولحسن الحظ، رأى الباحثون هذا المرض مرشحاً رئيسياً لتقنية تعديل الخلايا الجذعية. حيث أخذوا أولاً قطعة صغيرة من الأنسجة السليمة من الأجزاء غير المتضررة من جلد الطفل، ثم عزلوا خلايا البشرة عن تلك الأنسجة، واستخدموا ناقلات الفيروسات الرجعية - وهي أساساً طريقة تستخدمها الفيروسات لإدخال المعلومات إلى الخلية - لوضع تعليمات لخلايا الجلد السليمة غير الطافرة في خلايا الطفل. وزُرعت هذه الخلايا ونمت في المختبر، لتنشئ أساس البشرة السليمة. وخلال العمليات الجراحية الثلاث التي أجريت على مدى عدة أشهر، وضع الأطباء هذا النسيج المزروع في المختبر فوق أدمة المريض بحيث يمكنها أن تستمر في النمو هناك.

وفي نهاية المطاف، تكاثرت خلايا الجلد الجديدة كما تتكاثر جميع الخلايا السليمة. وأثناء ذلك، سيطرت إحدى أنواع الخلايا الجذعية للبشرة – النسائل الشاملة – واستمرت في النمو، وتطورت إلى جلد سليم وجديد. ومن الجدير بالذكر أن الطفل هو خارج المستشفى الآن، وأصبح لديه جلد يمكنه التعامل مع مخاطر الحياة اليومية دون تعريض حياته للخطر.

يقول مؤلف الدراسة ميشيل دي لوكا - الباحث في الطب التجديدي بجامعة مودينا وريجيو إميليا في إيطاليا: "عندما حصل على بشرته الجديدة، تحسنت حالته السريرية بشكل كبير."

وتعدّ هذه الحالة خطوة واعدة نحو استخدام الأنسجة المزروعة في المختبر، ولكن هناك بعض القيود بالتأكيد. إذ كان هذا المرضي الجلدي مثالياً لإجراء العملية، لأن الطبقة الخارجية كانت مصابة، بينما كانت الأدمة لا تزال سليمة تماماً. لذلك، كانت البشرة فقط بحاجة للزرع وإعادة الاتصال فيما بعد. وتختلف حالة الأمراض الجلدية الأخرى كما يقول الباحثون، فالجلد المحترق بشدة على سبيل المثال، غالباً ما يكون متأذياً في كلا الطبقتين، ويشكل إعادة بناء الأدمة تحدياً أكبر بكثير.

ومع ذلك، فإن هذه الدراسة تبين إمكانية إجراء هذا الأسلوب من العلاج، أي استبدال جزء من العضو بخلايا جذعية معدّلة وراثياً ومزروعة في المختبر. ويعمل الباحثون حالياً على تجربة سريرية في المرحلة الأولى لتجربة ذلك على الآخرين الذين يعانون من هذا المرض المحدد، ولكن الأبحاث المستقبلية سوف تساعد في تحديد ما إذا كان بإمكانه أن يساعد المرضى الذين يعانون من مشاكل الجلد الأخرى المهددة للحياة. وقال دي لوكا في مؤتمر صحفي بأن العلاج في حال نجاحه يمكن أن يكون خياراً أفضل من عمليات الزرع من المتبرعين، والتي تحمل خطر الرفض الشديد للخلايا الأجنبية من قبل جسم المضيف الجديد.

ويقضي العديد من مرضى زرع الأعضاء من المتبرعين بقية حياتهم وهم يتناولون الأدوية المثبطة لجهاز المناعة، وهو ثمن خطير لدفعه مقابل جزء جديد من الجسم مهما كانت الحاجة إليه ملحّة. وتوفر الخلايا الجذعية المعدلة بديلاً واعداً للعضو والذي يتم أخذه من جسم المريض نفسه، ولكن مع إزالة العيوب الخطيرة، ونأمل أن يصبح هذا العلاج جاهزاً في وقت قريب.

 

المحتوى محمي