العلماء يكشفون عن العلاقة بين العدوى أثناء الحمل والتوحد

3 دقائق
كتلة من بكتيريا الإيشريشيا القولونية في الجهاز الهضمي

يعتبر الجهاز المناعي نظام شديد التعقيد، وهو يقوم غالباً بعمل رائع في مكافحة مسببات الأمراض الخطرة، ليمنع الميكروبات من إصابتك بالعدوى وإلحاق الضرر بصحتك، ولكنه ليس منزهاً عن الخطأ. حيث يمكن للخلايا السرطانية -على سبيل المثال- أن تلغي كل هذا التاريخ للجهاز المناعي. ويمكن أحياناً أن يصاب الجهاز المناعي بالإنهاك، حيث ينتج كميات كبيرة من بروتينات معينة ومواد كيماوية قد تضر بالخلايا السليمة، في محاولة لمكافحة العدوى التي تصيب الجسم مهما كان نوعها.

وتزداد المخاطر أثناء فترة الحمل، حيث يمكن أن تؤثر هذه الاستجابة الشاملة على الجنين النامي. وتشير بعض الأبحاث إلى أن رد الفعل المناعي المكثف أثناء الحمل -أو ما يسمى بتنشيط مناعة الأم- قد يزيد من مخاطر اضطرابات النمو العصبي، كمرض التوحد. ولكن لم يتمكن العلماء ولمدة طويلة من معرفة آلية ذلك. ما الذي كان يحدث على المستوى الخلوي ليجعل الخلايا المناعية تزيد من مخاطر هذه الظروف؟

في دراستين أجريتا على فئران المختبر، ونشرتا في دورية "نيتشر" في سبتمبر 2017، قام فريق من العلماء بإجراء العملية التالية: يساعد نوع محدد من البكتيريا داخل الجهاز الهضمي للفأر في تحفيز الجهاز المناعي لإنتاج خلايا التهابية معينة تسبب ظهور منطقة قشرة حسية جسدية في ذرية الأم، وتظهر على شكل أعراض كان الغرض منها محاكاة مرض التوحد والاضطرابات المشابهة عند البشر.

وهذه هي المرة الأولى التي يحدد فيها الباحثون آلية محتملة لهذه الظاهرة. ومع ذلك، سوف يحتاج الباحثون إلى إجراء العديد من الدراسات الإضافية لفهم النتائج التي توصلوا إليها. وبالنظر إلى أن البحوث أجريت على الفئران التي تتميز بوظائف أعضاء مماثلة نسبياً لمثيلتها عند الإنسان، فستكون هناك حاجة لمزيد من الدراسات لإظهار أننا معرضون للعملية نفسها.

وقد أظهر فريق الباحثين سابقاً أن وجود بروتين مناعي يسمى إنترلوكين 17a في الفئران، يمكن أن يؤدي إلى ظهور اضطرابات في ذريتها تشبه التوحد. لكن الآلية التي من خلالها قام هذا البروتين بعمله لم تكن واضحة. وقد وجد العلماء في هذه الدراسة أن وجود مجموعة من الميكروبات تسمى البكتيريا الخيطية المجزأة في القناة الهضمية، أدى إلى جعل الجهاز المناعي يقوم بتخليق المزيد من بروتينات إنترلوكين 17a. ولم تواجه الفئران التي لديها نقص في بروتين إنترلوكين 17a تنشيطاً في مناعة الأم، وكذلك لم تظهر الفئران التي أعطيت مضادات حيوية أعراضه.

وباستخدام علم الوراثة البصري (والذي يعدل البروتينات وراثياً بحيث تستجيب للإشارات الضوئية)، تمكن الباحثون من إبراز هذه الأنواع من السلوكيات في الفئران التي لم تخضع لتنشيط مناعة الأم من خلال تنشيط منطقة معينة من الدماغ. أما الفئران التي خضعت لتنشيط مناعة الأم، فقد أوقف تثبيط النشاط العصبي هذه السلوكيات في هذه المنطقة.

إذاً، ما الذي يعنيه هذا بالنسبة للنساء الحوامل؟
قبل كل شيء، فإن تنشيط مناعة الأم ليس استجابة مناعية عادية يمكن أن يحصل الإنسان عليها من نزلة البرد الاعتيادية. يقول جون هوه، أستاذ الأحياء الدقيقة في كلية الطب بجامعة ماساتشوستس: "إن التجربة التي أجريت تحاكي عدوى فيروسية شديدة. وتظهر الدراسات الوبائية أن علاج الأمهات في المستشفيات أثناء أواخر الثلث الأول أو أثناء الثلث الثاني من الحمل، يكون مصحوباً بتشخيص هذه الاضطرابات. ولكن الوقت ما يزال مبكراً جداً لمعرفة مدى أهمية تأثير تنشيط مناعة الأم على تطور الجنين، مقارنة بالعوامل المعروفة الأخرى، مثل الاستعداد الوراثي".

يقول هوه: "من الصعب الإجابة على هذه السؤال قبل أن يكون لدينا دراسة واسعة النطاق على البشر. وكل ما يمكن أن نقوله هو أن العوامل البيئية - بما في ذلك الالتهاب - أثناء الحمل، ربما يكون لها آثار كبيرة على تطور اضطرابات النمو العصبي لدى الرضع".

ولكن هوه لديه شعور بأن العوامل البيئية يمكن أن تلعب دوراً هاماً، وهو يعتقد أنه ربما يكون لها تأثير تآزري مع الاستعدادات الوراثية، بحيث لا يمكن أن تتطور اضطرابات النمو العصبي هذه إلا عندما يكون العديد منها موجوداً.

وتبرز الدراسات الحديثة في الوقت الذي ما يزال هناك الكثير مما يجب تعلّمه. ويشير كريج باول، عالم الأعصاب من المركز الطبي في دالاس التابع لجامعة جنوب غرب تكساس، والذي لم يشارك في البحث، في مقالة افتتاحية له إلى أن هذه الدراسات تظهر علاقة واضحة بين بكتيريا الجهاز الهضمي، والجهاز المناعي، ونمو الدماغ.

وتتمثل خطة الفريق القادمة في معرفة كيفية مكافحة هذه البكتيريا ومنعها من تنشيط إنتاج كميات كبيرة غير ضرورية من بروتين إنترلوكين 17a. ويرى هوه أن هذا يمكن أن يتحقق بإيجاد الميكروبات التي تتفوق على البكتيريا الخيطية المجزأة. يقول هوه: "ربما يمكن أن تستخدم هذه البكتيريا كمعزّز حيوي لعلاج النساء قبل أو أثناء الحمل".

المحتوى محمي