نتبع العديد من الطرق لإزالة الغبار، مثل استعمال المكنسة الكهربائية، أو مسحه من فوق الأسطح والأثاث، لكن ما هو الغبار، وكيف يؤثر في صحتنا؟
حسناً، لا تقلق إذا كنت لا تعرف، فالعلماء ليسوا أفضل منك كثيراً من ناحية فهم مصادر جزيئات الغبار والمخاطر الصحية الناجمة عنه. وهذا يسبب مشكلة كبيرة؛ لأن معظم الناس يقضون الكثير من الوقت في منازلهم، حيث يبقى الأميركيون داخل منازلهم بنسبة 90% تقريباً من يومهم في المتوسط، لذلك فإن معرفة المزيد عن تأثير بيئة المنزل الداخلية في الصحة أمر حيوي ومهم.
لتحديد تأثيرات البيئة على الصحة بشكلٍ أفضل، قام الباحثون باعتماد ودراسة منهج «التعرض»، الذي يتم من خلاله اختبار كل حالات التعرض البيئي للملوثات في حياة الفرد طوال حياته، بدءاً من مرحلة الطفولة المبكرة، التي تشمل التعرض للتدخين السلبي أو التعرض للرصاص، مروراً بالملوثات الدقيقة إذا كنت قد نشأت أو تعيش بالقرب من طريق رئيسي أو بالقرب من منشاة صناعية.
الغبار مكوّن رئيسي من هذا التعرض، فما هي جسيمات الغبار؟
أرسل السكان أكياس المكانس الكهربائية الممتلئة بالغبار بعد إغلاقها وحفظها إلى مشروع بحثي يسمى 360 Dust Analysis، وهو واحد من المشروعات العلمية التي تهدف لكشف أسرار الغبار.
الغبار قادم من الداخل
تقول الدراسات إن ثلث كمية الغبار تتكون داخل منزلك. تختلف طبعاً المكونات حسب نوع البناء، وعمر منزلك، والمناخ، وعادات التنظيف والتدخين لشاغليها، لذلك لا توجد صيغة واحدة قياسية للغبار.
في البداية، تعد أنت وحيواناتك الأليفة جزءاً رئيسياً من مكونات الغبار التي تشمل خلايا الجلد البشرية الميتة، وكذلك خلايا جلد حيواناتك الأليفة، وأيضاً حشرات عث الغبار التي تتغذى على خلايا الجلد الميتة، وتعد كل هذه المكونات من العوامل المسببة لمشكلات الحساسية عند عدد كبير من الناس.
يمكن أن نقول بالإضافة لما سبق إن الغبار في منزلك يشمل الحشرات الصغيرة المتحللة، وبقايا الطعام (خصوصاً في المطبخ)، ووبر السجاد والمفروشات والملابس، بجانب جسيمات دقيقة من التدخين والطبخ. هذه النتيجة أظهرتها بحوث برنامج تحليل الغبار «360 Dust Analysis»، الذي يأمل في حل المزيد من الألغاز حول مكونات الغبار.
أيضاً وجدت هناك بعض أثار المواد الكيميائية من صنع الإنسان، فقد عالجت شركات تصنيع الأثاث والملابس منتجاتها بمواد كيميائية للحفاظ عليها لفترات أطول، مثل المواد الواقية للأسطح وغيرها. وقد وجد الباحثون آثار هذه المواد في الدم والأنسجة البشرية، وحتى عند الأطفال حديثي الولادة والتي أثبتت الدراسات أنهم تعرضوا لها في الرحم أيضاً، لكن كيف وصلت هذه المواد إلى داخل أجسادنا؟ الإجابة غالباً هي عبر الاستنشاق.
مخاوف صحية حول ما نضعه في منازلنا
يطلق العلم صافرات الإنذار فيما يتعلق بصحتنا. حيث تعتزم الأبحاث تقدير السمّية المحتملة لهذه المواد الكيميائية على البشر، ويطور العلماء أساليب كثيرة لدراسة التقنيات التي تسمح لهم بدراسة مصادر الغبار والمواد الكيميائية في نظام حياة البشر وعلى أجسامهم، منها مثلاً عصابات السيليكون القابلة للارتداء في المعصم.
إن وجود بيئة داخلية خالية من الحيوانات الأليفة وخالية من الألياف يمكن أن يكون أحد الطرق لتقليل كمية الغبار الداخلي. ولكن أيضاً هناك مخاوف إضافية ذكرتها الأبحاث الحديثة، وهي مقاومة الميكروبات للأدوية والمضادات الحيوية.
فقد وجدت الأبحاث علاقة بين العديد من منتجات التطهير الداخلي ومقاومة المضادات الحيوية. ووجدت دراسة واحدة على الأقل أن المستويات المرتفعة من مادة «التريكلوسان» (وهي مادة شائعة مضادة للميكروبات موجودة في مكونات صابون اليد)، كانت مرتبطة بمستويات عالية من الجينات المقاومة للمضادات الحيوية في الغبار، والتي تظهرها البكتيريا التي تعيش في منزلك، وتكون جزءاً من غباره. ظهر ذلك بسبب أن هذه المواد في الصابون تدمر جزئياً المجتمعات البكتيرية وليس كلياً؛ ما يسمح للميكروبات الباقية بأن تستمر في النمو، والتكاثر فتحمل الجينات المقاومة.
الغبار الذي يأتي من الخارج
كي تكون الصورة كاملة عن الغبار ومخاطره، يجب أن نعرف ماذا يحمل الثلثين الباقيين من حمولة الغبار الداخلي، والذي يأتي في الحقيقة من الخارج. أظهرت الأبحاث أن هذا الغبار يتكون من غبار الأحذية، ووبر الحيوانات الأليفة التي يحملها الهواء من خلال النوافذ المفتوحة والمداخل وفتحات التهوية، وتتراوح في الحجم والتكوين من جزيئات الطين والرمل، وحتى حبوب اللقاح وجزيئات التربة الدقيقة.
أحد أخطر المكونات الخارجية التي وجدتها الدراسات هو عنصر الرصاص، حيث يتراكم هذا السم الذي يؤثر على الخلايا العصبية بمستويات مرتفعة وعالية في التربة والغبار، وذلك بعد قرن تقريباً من الثورة الصناعية، التي رافقها انتشار هذه العناصر من المصادر الصناعية والسيارات والدهانات وتكمن الخطورة الكبيرة في المدن عالية التلوث أو المناطق القريبة من أماكن التعدين أو مصادر الرصاص الأخرى.
يرتبط التراب والغبار الملوث بالرصاص بشكلٍ خاص بتسمم الأطفال بالرصاص. وبسبب نموهم العصبي النشط في مراحلهم المبكرة، يمكن أن يؤدي الرصاص إلى إعاقة الأطفال المعرضين له بشكلٍ دائم.
حاول العلماء منع التسمم بالرصاص عبر التركيز على تجنب مصادر معروفة تسبب خطراً مثل الدهانات والأنابيب المصنوعة من الرصاص، في حين أن التعرض للأتربة والغبار ليس مصدراً رئيسياً للتسمم.
لقد وجد الباحثون مؤخراً علاقة مباشرة بين الرصاص في الهواء، ومستويات الرصاص في الدم لدى الأطفال، لذلك تقوم مجموعات بحثية ومختبرات كبيرة حول العالم بدراسة هذا الشيء ليس فقط عبر التعرض الخارجي للرصاص، بل البحث عن طرق تسرب الرصاص إلى المنازل، وكيف يتعرض لها الناس في الداخل؟
الحد من الآثار قدر المستطاع
مثلما يسبب استخدام الفريون في البرادات تدهور طبقة الأوزون، وتستقر اللدائن والعناصر الكيميائية المستخدمة في صناعة الزجاج والعبوات وغيرها في أجسام البشر، هناك قلق بين العلماء من أن استخدام الكيماويات قد يؤدي إلى سلسلة من العواقب غير المقصودة على صحة الإنسان.
إن خلع الملابس مثل المعاطف والأحذية خارج المنزل يعد إحدى الوسائل لتقليل التعرض للملوثات الخارجية، حيث تحمل الأحذية نحو 96% من آثار البكتيريا البرازية على قاعدتها منها بكتيريا «Clostridioides difficile»، وتنتقل نحو 90% من هذه البكتيريا إلى منازلنا. كذلك لتجنب السموم المسببة للسرطان في بقايا الطرق الاسفلتية والمواد الكيميائية التي تسبب خللاً في الغدد الصماء تغدو التوصية أكثر وضوحاً: «لا مكان للأحذية الخارجية في داخل منازلنا».