تحدثت عدة تقارير أخبارية في شهر أبريل الماضي عن وفاة مراهقٍ يُدعى ديفس آلان كريب، يبلغ من العمر 16 عاماً، وذلك إثر تناوله جرعة عالية من الكافيين مكوّنة من عبوة كبيرة من مشروب غازي، بالإضافة إلى كوب من القهوة بالحليب، وعبوة من مشروب طاقة.
لم يسبق لأحد أن اعتبر الكافيين مادةً سامةً، فطالما أن الشخص يتمتع بصحة جيدة (لا يعاني من مشاكل قلبية) ويتناول الكافيين بالكميات الاعتيادية الموجودة في المصادر الغذائية الطبيعية مثل الشوكولا، أو القهوة، أو الشاي، فمن الصعب جداً أن يستهلك جرعة مؤذية من هذه المادة. وبحسب الخبراء، فإن الجرعة القاتلة من الكافيين تتراوح بين 5-10 غرام. فإذا كان كوبٌ من قهوة ستاربكس المحمصة بحجم 600 مل يحتوي على 340 ملغ من الكافيين، فهذا يعني أن أحدهم بحاجة لتناول ما يتراوح بين 15-30 كوب من هذا المشروب قبل أن يتوفى. وفي الحقيقة، فإنه من الصعب جداً أن يتمكن أحد من تناول تلك الكمية الهائلة من القهوة، وقد تنفجر مثانته قبل أن يكمل شربها.
ولكن المشكلة تكمن في أننا نميل تدريجياً نحو استهلاك مواد تحتوي على جرعات عالية من الكافيين، مثل مشروبات الطاقة، أو العلكة الحاوية على الكافيين. كما قد يعمد البعض إلى إذابة مسحوق الكافيين ضمن المشروبات المختلفة. إن مثل هذه المنتجات تجعل من استهلاك كميات كبيرة من الكافيين في زمنٍ قصيرٍ أمراً ممكناً، وهو ما قد يتسبب بنتائج كارثية. وبحسب الطبيب الشرعي الذي قام بتشريح جثة المراهق كريب، فلم تكن جرعة الكافيين بحد ذاتها هي السبب في وفاته، وإنما استهلاكها بسرعة كبيرة. فقد تناول ذلك الشاب المسكين ثلاث مشروبات حاوية على الكافيين في أقل من ساعتين.
أما إذا كنت لا تزال تجد صعوبةً في استيعاب فكرة أن تتسبب جرعة عالية من الكافيين في وفاة شخص، فسوف نقدم لك مثالاً عن بعض المنتجات الموجودة في الأسواق حالياً: هناك مشروب طاقة يحمل اسم ريدلاين إكستريم، تدّعي الشركة المُصنّعة له بأنه يساعد على تحسين زمن الاستجابة أو ردة الفعل. يجري بيع هذا المنتج ضمن قسم المنتجات الصحية بسبب عدم احتوائه على سعرات حرارية، ولكنه يحتوي على بالمقابل على 316 ملغ من الكافيين ضمن عبوة لا تزيد سعتها عن 240 مل. أي أن كل 1 مل من هذا المشروب يحتوي على 1.3 ملغ من الكافيين تقريباً، وهي تزيد عن كمية الكافيين الموجودة في كوب قهوة ستاربكس بمقدار مرة ونصف. وعلى الرغم من وجود عبارة "لا يُنصح به للأطفال دون عمر 18 سنة" على المنتج، إلا أن ثمة عبارة أخرى "مُضللة" مدوّنة عليه أيضاً، تقول بأن حصة واحدة من المنتج تحتوي على كمية كافيين تقل عن كمية الكافيين الموجودة في كوبين من القهوة. ولكن ينبغي أن نعرف بأن الحصة الواحدة من هذا المشروب هي 120 مل، وليست كامل العبوة البالغة من الحجم 240 مل! ومن السهل جداً أن تسبب مثل هذه العبارات إرباكاً للمستهلك. وكانت دراسة أجرتها مجموعة مايو كلينك في العام 2015، خلُصت إلى أن استهلاك علبة واحدة من مشروب الطاقة قد يزيد من خطر أمراض القلب عند البالغين الشباب. حيث يُسبب الكافيين ارتفاعاً قصير الأمد في ضغط الدم، ويزيد مؤقتاً من نشاط الجهاز العصبي مما يزيد من خطر النوبة القلبية، وهي الآلية ذاتها التي أدت إلى وفاة كريب، علماً بأنها ليست حالة الوفاة الأولى من نوعها.
من الجدير ذكره بأن المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها لا تتعقب حالات الوفاة الناجمة عن استهلاك الكافيين بحد ذاته، وإنما تُدرجها تحت باب التسمم الدوائي. إلا أن هيئة الغذاء والدواء الأمريكية أصدرت في العام 2014 تحذيراً حول مسحوق الكافيين بعد سلسلة من حوادث الوفاة بنوبات قلبية نتيجة استهلاك ذلك المسحوق. من ضمن تلك الحالات شاب يُدعى لوجان ستينر من ولاية أوهايو ويبلغ من العمر 18 عاماً، وشاب يُدعى جيمس ويد سويت من ولاية جورجيا ويبلغ من العمر 24 عاماً. يُقال بأن سويت مزجَ الكافيين مع الماء كبديل صحي للمشروبات الغازية، إلا أنه أخطأ في حساب جرعة مسحوق الكافيين. حيث إن ملعقة واحدة من مسحوق الكافيين تعادل ما بين 16-25 كوباً من القهوة.
والآن، إذا كان استهلاك الكافيين بجرعات عالية يؤدي إلى مثل تلك العواقب الكارثية، فما الذي يمكن للمرء فعله؟ إن الإجابة بسيطة للغاية: إذا كنت بحاجة إلى دفعة من النشاط الذهني أو البدني، فعليك بالمشروبات الطبيعية مثل القهوة أو الشاي، أو حتى مشروبات الكولا التي تحتوي على تراكيز آمنة من الكافيين. وتجنّب بالمقابل مشروبات الطاقة الحاوية على جرعات عالية من الكافيين. كما ينبغي عليك الانتباه إلى المقدار الكلي من الكافيين الذي تستهلكه، بحيث لا يتجاوز 400 ملغ في اليوم. كما يمكنك أيضاً التوقف عن استهلاك الكافيين بشكل نهائي.