عندما نأكل فنحن لا نغذي أنفسنا وحسب، فهناك العديد من الميكروبات داخل أمعائنا تتغذى بطعامنا أيضاً. وتلعب هذه الكائنات المجهرية دوراً حاسماً في بقائنا، وما زلنا لا نعرف سوى القليل عن كيفية حفاظها على صحتنا. وإن فهم ما يجعل الميكروبيوم (مجموع الكائنات الدقيقة في الأمعاء) في الجسم بحالة صحية جيدة يمكن أن يساعدنا في زراعة مستعمرات مثالية داخل أحشائنا. ويعلم جميع العلماء تماماً في الوقت الحالي أنه يبدو من الأفضل أن يكون لدينا مجموعة متنوعة من الميكروبات أكثر من وجود مجموعة أكثر تجانساً، وأن الميكروبات المتعايشة في أمعائنا تتغير بشكل كبير كاستجابة لعاداتنا الغذائية.
وللوصول إلى فهم أفضل لهذا الأمر، قام العلماء بدراسة الميكروبيوم لمجموعة فريدة من الأفراد وهي شعب الهادزا، وهم مجتمع يعيش على الصيد وجمع الثمار في تنزانيا. وقد اكتشفوا أن الميكروبيوم المتعايش في أمعاء هذه القبيلة أكثر تنوعاً بكثير من ذلك المتواجد في أمعائنا، وأنه يتغير بتغير الفصول، لدرجة ظهوره واختفائه حسب تغير الوقت من السنة، وقد نشر الباحثون نتائجهم في أغسطس 2017 في مجلة "ساينس".
يقول سام سميتس، طالب الدراسات العليا في علم الأحياء الدقيقة بجامعة ستانفورد، والمؤلف الرئيسي للدراسة: "نعلم أن النظام الغذائي هو واحد من أكثر العوامل تأثيراً في تغيير الوفرة النسبية للميكروبات ضمن ميكروبيوم الشخص".
وإذا كنت تريد الوصول إلى مجموعة من الناس يكون نمط حياتهم مخالفاً تماماً لنمط الحياة الغربية، فلن تجد خياراً أفضل من شعب الهادزا. وكما هو الحال مع أسلافنا من عصر ما قبل الزراعة، تقضي هذه القبيلة يومها في البحث عن الغذاء، لكن وعلى الرغم من عدم حصولهم على الرعاية الطبية، فإنهم يميلون إلى العيش حياة طويلة وصحية ومنتجة. وبسبب هذا، فإن الباحثين مفتونون بما يمكنهم أن يخبرونا به عن كيفية عمل جسم الإنسان.
وتواجه تنزانيا التي يعيش فيها شعب الهادزا مواسم جافة ورطبة، ويتغير النظام الغذائي لهم تبعاً لذلك، حيث يستهلكون اللحوم والخضار على الأغلب في المواسم الجافة، والفاكهة والخضار خلال المواسم الرطبة. وقد قام سميتس وزملاؤه بجمع عينات البراز من مجتمع الهادزا على مدى عدة مواسم، ثم قاموا بتحليل البكتيريا التي وجدوها في العينات، ثم قام الفريق بمقارنة تلك النتائج مع مثيلاتها من عينات الأميركيين الذين شاركوا في مشروع الميكروبيوم البشري.
وقد تبين أن الميكروبيوم عند شعب الهادزا يتغير بشكل كبير حسب الفصول، حيث تختفي أنواع معينة من الميكروبات تماماً من الأمعاء مع تغير الموسم ثم تعود للظهور مرة أخرى عندما يعود هذا الموسم، وبصفة عامة، كان التنوع الميكروبي عند شعب الهادزا أكبر بكثير من معدله عند الأميركيين.
يقول سميتس: "إن أكثر ما أثار دهشتنا كان عندما بدأنا النظر في الأنواع التي كانت تختفي وتظهر من جديد، وهي في الواقع تلك الميكروبات التي لم يكشف عنها تقريباً عند سكان المجتمعات الصناعية الذين شملهم الاستطلاع حتى الآن". بعبارة أخرى، هم يفقدون بشكل دوري الميكروبات التي فقدناها نحن إلى الأبد، أو إلى أن نكتشف طريقة لاستعادتها مرة أخرى.
ولكن لماذا تكون الأمعاء المليئة بالميكروبات المتنوعة أمراً مهماً؟ تلعب الميكروبات في أمعائناً دوراً أكبر مما نعتقد، فهي تساعدنا في هضم وتكسير الطعام، لتحرر المكونات الغذائية الرئيسية التي لا تستطيع أجسامنا الحصول عليها بغير هذه الطريقة. وهناك أدلة متزايدة على أن بكتيريا الأمعاء تشارك فعلياً في كل جهاز عضوي في أجسامنا تقريباً، لتسمح لنا بتكوين جهاز مناعي صحي وطرد البكتيريا الضارة ومسببات المرض.
إن وجود مجموع بكتيري متنوع يساعدنا في الدفاع عن أنفسنا ضد الالتهابات. ويشبّه سميتس الأمر بحديقة منزلية نموذجية، فعندما تقوم بزارعة قطعة من الأرض ببضعة أنواع فقط، فبالتأكيد لن تضاعف الغلة التي تنتظرها، ولن تواجه الآفات بشكل صحيح. يقول سميتس: "نحن نعلم أن المجموعات البكتيرية تضاعف الاستفادة من المكونات الغذائية المتاحة، وبالتالي تمنع مسببات الأمراض من الإقامة في أمعائنا".
ويرى سميتس أن لدى شعب الهادزا نظاماً غذائياً غنياً جداً بالألياف، ويعود الفضل إليه في ازدهار ميكروبات الأمعاء، ولا يستطيع الإنسان هضم وتكسير معظم الألياف، ولذلك فإن الكثير منها يبقي على حاله في الأمعاء، وهو ما يشكل مصدراً غذائياً ممتازاً للميكروبات الجائعة.
والمثير للدهشة أن معدل المجموع الميكروبي عند شعب الهادزا يكون في أقصى تنوعه خلال الموسم الجاف، عندما يعتمد نظامهم الغذائي على اللحوم بشكل كبير. ويعتقد الباحثون أن ذلك يعود إلى أنهم يحضرون طعامهم فوراً بعد الحصول عليه، ما يرجح أنهم يستهلكون كل الميكروبات التي تعيش داخل أمعاء المخلوقات التي يتغذون عليها.
كيف يمكن لذلك أن يساعدنا؟ عندما نبتعد أكثر فأكثر عن النظام الغذائي الذي كان يتبعه أسلافنا، سيتضح أن الميكروبيوم الخاص بنا يعاني، وسيساعد فهم تركيبه العلماء في تحديد شكله الصحي وكيفية تعديله.
وكان هناك شيء واضح مسبقاً لسميتس وفريقه، وهو أن تناول طعام أكثر تنوعاً وغنى بالألياف هو مفتاح الوصول إلى ميكروبيوم صحي ومتنوع. يقول سميتس: "نحن نستهلك أطعمة ذات محتوى منخفض جداً من الألياف، ولذلك فنحن نملك واحداً من أقل المجاميع الميكروبية تنوعاً على الأرض". ويستهلك الأميركيون أليافاً بمعدل 15 جراماً فقط في اليوم، بينما، وبحسب مؤلف الدراسة، فإن شعب الهادزا يستهلك حوالي 100 جرام في اليوم، لأن غذاءهم لا يحتوي أي مجموعات غذائية معالجة.
ويخطط سميتس وفريقه لمتابعة دراستهم على بكتيريا أمعاء شعب الهادزا، كما يخططون لدراسة تأثيرات أنواع محددة من الميكروبات على صحة الحيوانات باستخدام الفئران. وهناك حاجة لمزيد من البحوث لنفهم بالضبط ما هي أنواع الميكروبات التي يجب أن تعيش داخل أجسامنا. وفي الوقت الراهن، ربما تكون على علم بأنك لا تحصل على ما يكفيك من الألياف حتى من أفضل الوجبات الجاهزة، وأفضل ما يمكن فعله للحصول على المزيد من الألياف هو ببساطة تناول المزيد من الخضار وتجنب الأطعمة المعالجة.