النظام الغذائي النباتي ليس صحياً بالضرورة

3 دقائق

توصلت دراسة حديثة جرى نشرها مؤخراً في مجلة الكلية الأميركية لطب القلب إلى أن مجرد استبعاد اللحوم من النظام الغذائي لا يجعله صحياً أكثر. فقد وجدت الدراسة بأن المشاركين الذين اعتمدوا على نظام غذائي نباتي بالكامل وكانوا يتناولون العديد من الأطعمة المعالجة، مثل العصائر المُحلاة بالسكر أو البطاطس المقلية، ازداد لديهم خطر الأمراض القلبية أو خطر الوفاة في أثناء فترة إجراء الدراسة، وذلك بالمقارنة مع الأشخاص الذين تجنبوا الأطعمة المعالجة بشكل كلي، ولو تناولوا بعض اللحوم من حينٍ لآخر.

وكانت دراسات سابقة توصلت إلى أن الأشخاص الذين يلتزمون بنظام غذائي نباتي يتمتعون بصحة قلبية أفضل. ولكن يبدو بأن تلك الدراسات كانت شمولية أكثر من اللازم، بحيث وضعت كل الأغذية النباتية في سلة واحدة، رغم أن الحقيقة مختلفة عن ذلك قليلاً.

تقول المعدة الرئيسية للدراسة أمبيكا ساتيجا، الباحثة في كلية الصحة العامة بجامعة هارفارد الأميركية: "هناك العديد من الدراسات التي تناولت النظام الغذائي النباتي كوحدة مستقلة دون أن تُفرق بين أصناف الأغذية النباتية وخصائصها المختلفة. فبينما يرتبط استهلاك بعض الأغذية النباتية، مثل الحبوب الكاملة والفواكه والخضروات، بتراجع خطر السكري من النمط الثاني والأمراض القلبية الوعائية، يرتبط استهلاك منتجات نباتية الأخرى، مثل العصائر المُحلاة بالسكر، بزيادة خطر السكري والأمراض القلبية الوعائية".

وكانت ساتيجا وزملاؤها قد توصلوا إلى هذا الاستنتاج بعد تحليل بيانات ثلاث دراسات ضخمة سابقة، تناولت الدراستان الأولى والثانية صحة الممرضات، واشتملت الأولى على حوالي 73 ألف امرأة، في حين اشتملت الثانية على حوالي 92 ألف امرأة، أما الدراسة الثالثة فتناولت صحة الممارسين الصحيين الذكور، واشتملت على حوالي 43 ألف رجل. أجاب المشاركون في جميع تلك الدراسات عن أسئلة تتعلق بعاداتهم الغذائية (ماذا يأكلون وكم يأكلون) وذلك بمعدل مرة كل سنتين إلى أربع سنوات. قام الباحثون باستبعاد نتائج المشاركين الذين أفادوا عن وارد كبير جداً أو صغير جداً من السعرات الحرارية اليومية، كما جرى استبعاد المشاركين الذين كانوا مصابين بداء السكري أو بمرض قلبي وعائي عند بداية الدراسة.

وبناءً على هذه البيانات، قام الباحثون بتوزيع المشاركين في ثلاث مجموعات. اشتملت المجموعة الأولى على الأشخاص الذين التزموا بنظام غذائي نباتي في معظمه (أقل من 6 حصص يومية من اللحوم والمنتجات الحيوانية)، في حين اشتملت المجموعة الثانية على الأشخاص الذين التزموا بنظام غذائي نباتي صحي (وفرة من الحبوب الكاملة والمكسرات والخضراوات والفواكه، وكميات ضئيلة جداً من اللحوم والدهون الحيوانية والفواكه والعصائر المحلاة بالسكر)، واشتملت المجموعة الثالثة على الأشخاص الذين اتبعوا نظاماً غذائياً غير نباتي، بمعنى أنهم كانوا يعتمدون على تناول الكثير من الحبوب المحسنة والدهون الحيوانية والعصائر المُحلاة بالسكر.

قام الباحثون بمعاينة معدلات الإصابة بالنوبات القلبية، ومعدلات الوفيات جراء الإصابة بنوبة قلبية في أثناء فترة إجراء الدراسة لدى جميع المشاركين. وقد لاحظوا تراجع خطر الإصابة بأمراض القلب لدى أفراد المجموعة الثانية (النظام الغذائي النباتي الصحي) بالمقارنة مع أفراد المجموعتين الأولى (النظام الغذائي النباتي غير الصارم) والثالثة (النظام الغذائي غير النباتي). وهكذا استنتج الباحثون بأنه لا يمكن المساواة بين جميع أشكال النظام الغذائي النباتي.

كما وجد الباحثون بأن الأشخاص الذين اتبعوا نظاماً غذائياً نباتياً غير صارمٍ (استهلاك أقل من 6 حصص من منتجات حيوانية في اليوم) قد تراجع لديهم خطر الوفاة بالمقارنة مع الأشخاص الذين اتبعوا نظاماً غذائياً غير نباتي.

تقول ساتيجا: "تُظهر نتائج هذه الدراسة بأنه ليس من الضروري استبعاد جميع المنتجات الحيوانية من النظام الغذائي من أجل صحة القلب. فقد وجدنا بأن الاقتصار على بضع حصص من المنتجات الحيوانية يومياً مع اتباع نظام غذائي نباتي في الغالب يساعد على تقليل خطر الأمراض القلبية. ونعتقد بأنه من الأسهل أن نطلب من الناس تقليل اعتمادهم على المنتجات الحيوانية بدل توقفهم نهائياً عن استهلاكها، وسيعود ذلك بالفائدة عليهم بلا شك".

إذن، فليس المقصود هو الاستمرار بتناول اللحوم الحمراء دون رقيب، وإنما تقليص استهلاكها إلى الحد الأدنى، وزيادة الاعتماد على المنتجات النباتية الصحية. من جهةٍ أخرى، فإن اتباع نظام غذائي نباتي لا يعني إطلاق العنان لاستهلاك البطاطس المقلية أو الحبوب المحسنة بحجة أنها منتجات نباتية.

من الجدير ذكره، أن الدراسة -شأنها شأن الدراسات الغذائية الأخرى-تعاني من بعض جوانب القصور. فهي دراسة رصدية، قام الباحثون فيها بمراقبة سلوكيات وعادات مجموعة من الناس ضمن فترة زمنية محددة، وتتبعوا حالاتهم الصحية. وفي هذا الشكل من الدراسات تبرز العديد من العوامل الخارجية التي قد تؤثر على نتائج الدراسة والتي قد يكون من الصعب ضبطها أو تحييدها، وبالتالي لا يمكن رسم علاقة سبب ونتيجة من خلالها. من جهةٍ أخرى، فإن جمع البيانات عن طريق استجواب المشاركين يُعد وسيلة غير موثوقة، فكثيراً ما ينسى الناس ما يأكلون مع الزمن، أو يبالغون في البيانات التي يقدمونها، أو لا يفصحون عن كل ما يتسهلكونه بشكل دقيق.

بالطبع، فإن صحة القلب ليست السبب الوحيد الذي يجب أن يدفعنا للتقليل من المنتجات الحيوانية، فهناك أسباب أخرى لا تقل أهمية عن ذلك. فعلى سبيل المثال، يساعد التقليل من استهلاك المنتجات الحيوانية على الحد من انبعاثات غاز الكربون، وبالتالي الحد من التغيرات المناخية التي تعصف بكوكبنا. وإن هذه الدراسة تُشكل تذكيراً بالغ الأهمية لاختصاصيي التغذية والناس على حدٍ سواء، بأنه ليس من الضروري أن يتحول الجميع إلى نظامٍ غذائيٍ نباتيٍ لكي ينجوا بأرواحهم وينجو كوكبهم معهم، وإنما يكفي تقليل استهلاك المنتجات الحيوانية، وخاصة المعالجة منها، والتركيز على استهلاك المنتجات النباتية غير المعالجة قدر الإمكان لتحقيق فوائد مهمة.

المحتوى محمي