في أنظمة الحمية الغذائية ليس هناك شيء مكروه أكثر من الوجبات الخالية من الجلوتين، وبالرغم من كون الشخص الذي يتبع هذا النظام مزعجاً (كأن يطلب طبقاً من السلطة لأنها خالية من الجلوتين ثم يطلب قطعاً من الخبز المحمص) فإنه من المنطقي أن يكون عندك رغبة في تجنب الأطعمة التي قد تكون مضرة لك.
ولكن هل الجلوتين شيء سيئ حقاً للأشخاص الذي لديهم مشكلة معه؟
لا يوجد دليل حقيقي على أن تجنب تناول الجلوتين يؤدي إلى نتائج ملموسة إذا لم يكن لديك اضطرابات هضمية أو حساسية غير هضمية للجلوتين، ولكن لا يوجد الكثير من الدراسات التي تثير هذه القضية ولذلك لا يوجد معلومات كافية عنها.
ولقد حصلنا يوم الخميس الماضي على بعض الإجابات الأولية.
إن الأشخاص الذين يتناولون الوجبات منخفضة الجلوتين هم أكثر عرضة للإصابة بالنوع الثاني لمرض السكر وذلك حسب النتائج التي تم تقديمها يوم الخميس الماضي في اجتماع الجمعية الأمريكية للقلب.
ومن الأهمية بمكان الإشارة هنا إلى أن هؤلاء الباحثين لم يكونوا ينظرون في دراستهم إلى الأشخاص الذين يتبعون نظاماً غذائياً خالياً من الجلوتين ولكنهم كانوا يدرسون فقط الارتباط بين تناول كميات أقل من الجلوتين والإصابة بمرض السكر.
ولقد كان حجم الدراسة ضخماً جداً فقد شمل 199794 شخصاُ وبيانات من أكبر وأطول ثلاث دراسات في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية وهي: دراسة صحة الممرضات، ودراسة صحة الممرضات 2 ، والدراسة الاستقصائية لأصحاب المهن الصحية. وقد تابعت هذه الدراسات حالات مئات الآلاف من أصحاب المهن الطبية لعقود من الزمن وجمعت بيانات عن أنماط حياتهم وصحتهم العامة، وهذا يوفر للعلماء كماً هائلاً من المعلومات لمعرفة عوامل نمط الحياة التي تزيد من احتمال الإصابة بأمراض معينة.
عندما بدأت هذه الدراسات في السبعينات والثمانينات لم تكن الوجبات الغذائية الخالية من الجلوتين شيئاً يذكر، ولم تكن تعني شيئاً سوى لأقل من 1% من الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات هضمية، ولم يكن أكثر الناس حينها قد سمعوا بكلمة "جلوتين"، ولذلك فقد قام الباحثون بتقدير كمية استهلاك الجلوتين بناء على إجابات المشاركين في الدراسة على استبيانات خاصة بأنظمتهم الغذائية لمعرفة كيف انتهى الأمر مع الكثير من الأشخاص الذين تناولوا وجبات عالية أو منخفضة الجلوتين إلى الإصابة بالنوع الثاني لمرض السكر.
لم يكن هناك أي بيانات في هذه الدراسة عن الأشخاص الذين امتنعوا نهائياً عن تناول الجلوتين، فهذه الدراسة لم تكن عن الأنظمة الغذائية الخالية من الجلوتين بل كانت عن الاستهلاك العالي مقابل الاستهلاك المنخفض من الجلوتين الذي تم تقديره في المسوح التي أجريت في الوقت الذي كانت فيه خيارات الأطعمة الخالية من الجلوتين قليلة ومتباعدة. والأهم من ذلك هو أن هذه الدراسات لم تذكر أي شيء عن الأنظمة الغذائية الخالية من الجلوتين لأنها فعلياً لم تدرس أي حالة لأي شخص يتبع هذا النظام.
ويمكن القول إنه من غير المرجح أن يخفض تناول كمية أقل من الجلوتين من مخاطر الإصابة بالنوع الثاني من مرض السكر.
هذه البيانات الهائلة مثالية لإيجاد صلات بين أنماط حياة معينة وبين الأمراض، ولكنها ليست مهمة كثيراً في معرفة أسباب المرض، فعلى سبيل المثال يمكن أن تخبرك البيانات بوجود صلة ذات دلالة إحصائية بين تناول المكسرات وصحة القلب ولكن ذلك لا يعطيك دليلاً على أن تناول المكسرات يزيد من صحة القلب، فمن الممكن أن يكون الأشخاص الذين يتناولون المكسرات أكثر ممارسة للتمارين الرياضية أو أنهم يتناولون أغذية أخرى مفيدة لصحة القلب، أو ربما تحسن المكسرات فعلاً وبشكل مباشر صحة القلب ولكننا لا نستطيع أن نجزم بوجود هذا التلازم.
ولذلك فليس تناول كميات أقل من الجلوتين هو ما يزيد مخاطر الإصابة بمرض السكر ولكن تناول كمية أقل من الجلوتين يترافق مع زيادة هذه المخاطر.
وهناك عامل التباس مهم: وهو أن الأطعمة منخفضة الجلوتين قد تكون ذات محتوى أقل من الألياف، وقد وجد أن تناول الألياف في الحبوب الكاملة يقلل من مخاطر الإصابة بالسكتة الدماغية وأمراض القلب والسمنة والنوع الثاني لمرض السكر.
يمكن ألا يكون لمعدل استهلاك الجلوتين علاقة بالإصابة بمرض السكر لأن الأشخاص الذين يتناولون كميات أقل من الجلوتين يتناولون كميات أقل من الألياف أيضاً، ونقص الألياف هو ما يؤثر على احتمال الإصابة بمرض السكر.
وقد يكون الأشخاص الذين كانوا يتناولون كميات أقل من الجلوتين في الثمانينات كانوا يتناولون طعاماً أسوأ بشكل عام وربما كان هؤلاء الأشخاص يتناولون كميات أقل من الحبوب ولكن يتناولون أيضاً كميات أكبر من السكر. وربما لا يكون للجلوتين تأثير على ذلك ولكننا لا نعرف حقيقة الأمر إلى الآن.
وإذا كان للنتائج التي توصل إليها الباحثون علاقة بتناول الألياف فيمكن على الأقل التخفيف من الأثار السلبية لتناول كميات أقل من الجلوتين بتناول أطعمة غنية بالألياف، فهناك الكثير من الحبوب الخالية من الجلوتين والغنية بالألياف كالكينوا والسورغم والطيف والحنطة السوداء والشوفان (خاصة الحبوب الكاملة منه).
إن التحول إلى هذه الحبوب يمكن أن يعوض نقص القمح والشعير والشيلم المزروع (الجاودر) التي يتجنبها الناس لمحتواها من الجلوتين.
ولكن هناك مشاكل أخرى محتملة تنتج عن تناول الأطعمة الخالية من الجلوتين ويعود الكثير منها إلى الطريقة التي نقوم فيها باستبدال الأطعمة الخالية من الجلوتين بمنتجات الخبز المعروفة، ولأن الهدف هو غالباً محاولة إيجاد شيء يكون أقرب ما يمكن من نظيره من الجلوتين فإن الشركات تقوم باستخدام أشياء مثل دقيق الرز المعالج والبطاطا ونشاء التابيوكا أو الحبوب المكررة الأخرى التي يمكن أن تستخدم معاً لعمل ما يشبه شطائر الخبز البيضاء أو لفائف الطعام التي نتناولها عند العشاء.
هذه المكونات المكررة لا تفتقر إلى الألياف وحسب بل تفتقر أيضاً إلى الحديد وحمض الفوليك وفيتامين ب 12 والكالسيوم وبقية الفيتامينات والمعادن الأساسية.
وقد وجدت إحدى الدراسات التي أجريت عام 2010 أن الأشخاص الأصحاء الذين اتبعوا أنظمة غذائية خالية من الجلوتين تعرضوا لتغييرات كبيرة في الميكروبيوم الخاص بهم (الجراثيم المتعايشة مع الجسم).
يؤمن القمح حوالي 70% من نوعين من السكريات التي تنشط نمو أنواع معينة من جراثيم الأمعاء المفيدة والتي لا توجد في كثير من الحبوب الأخرى.
إذا كنت تستخدم نظامك الغذائي بذكاء فبإمكانك وبسهولة أن تتناول أطعمة خالية من الجلوتين وغنية بالعناصر الغذائية الصحيحة.
استبدل الأطعمة الغنية بالألياف بالحبوب المغذية لتعويض نقص الفيتامينات والألياف.
تناول كميات أكبر من الموز والبصل والثوم للحصول على السكريات المنشطة لنمو الجراثيم المفيدة.
إن من السهل عند الانقطاع عن تناول الجلوتين أن تشعر بتحسن، ويعزى ذلك إلى أن نقص الجلوتين هو بمثابة نقص في الأغذية غير المفيدة. وستشعر فجأة بأنك لا تستطيع أن تأكل قطع "الكب كيك" التي يحضرها زميلك إلى مكان العمل ولا " الكرواسون" التي تحدق بك لتأكلها وأنت تطلب قهوتك. أنت الآن تتناول كميات أقل من السكر وقليلاً من السكريات البسيطة، أنت الآن تشعر أنك أفضل بكثير.
إن النتيجة الحاصلة أكثر تعقيداً من مجرد القول إن كل متبعي الأنظمة الغذائية الخالية من الجلوتين هم حمقى أو القول إن الجلوتين ليس ضاراً بالجسم، بل إن النتيجة هي أقرب إلى القول: "ادرس نظامك الغذائي جيداً"، فإذا شعرت أنه من الأفضل لك ألا تتناول الجلوتين فلا تتناوله.
إن تعيير الناس بأذواقهم في الطعام أمر ممل وبغيض فدع الناس يأكلون ما يريدون، وكلّ ما عليك فعله هو أن تأخذ نظامك الغذائي على محمل الجد.