بحث جديد قد يساعدنا على فهم مرض الملاريا

3 دقائق
بعوضة ممتلئة بالدم.

في حربنا ضد مرض الملاريا والبعوض الذي ينقله، قمنا باستخدام الكلاب والطائرات التي ترشُّ المبيدات والبكتيريا المعدَّلة جينياً. والسلاح الأحدث ضد هذا العدو القاتل هو: بالون أبيض بسيط.

ففي غرب إفريقيا، يقوم العلماء بنشر هذه البالونات التي تحبس البعوض وتسمح للباحثين بتحديد مدى الارتفاع الذي يمكن أن يطير إليه، ويأملون من خلال القيام بذلك أن يكتشفوا كيفية انتشار الحشرات والأمراض التي تحملها عبر مسافات طويلة. وفي نهاية المطاف، يمكن استخدام هذه المعلومات لاحتواء بعض الأمراض كالملاريا والقضاء عليها.

ويقول توفي ليمان (الذي يدرس انتشار البعوض ومسبِّباته في المعاهد الوطنية للصحة، والعالم البارز في هذا البحث الجديد): "إنه تقدُّم علمي حقيقي".

في هذا البحث متعدِّد السنوات، وجد ليمان وفريقه أن الكثير من البعوض الذي يحتمل أن ينقل الأمراض يمكنه أن يطير على ارتفاعات أعلى بكثير مما كان يُعتقد سابقاً، وهذا يعني أن بإمكانه الانتقال إلى مسافة أبعد، مما قد يفسِّر السبب وراء نجاة الحشرات من فترات الجفاف واستعمارها مناطق جديدة ونشرها للمرض. وقدَّم ليمان لمحة عامة عن بحث البالونات في مؤتمر الجمعية الأميركية لعلم الحشرات في شهر نوفمبر، وسيتم نشر النتائج النهائية إما في هذه الأيام أو في الأيام القليلة القادمة.

وجاءت فكرة البالونات من دراسة لسُبات البعوض، وتعتبر منطقة غرب أفريقيا التي ركزوا عليها موسميةً للغاية، وتتميز بمواسم مطيرة وأخرى جافة. ولكن ليس لدى كل البعوض في تلك المنطقة القدرة على السُبات خلال فترات الجفاف عندما لا يكون هناك موطن مائي لوضع البيض فيه، مما أشار إلى فكرة هجرة البعوض التي لم يتم التفكير فيها بجدية من قبل، كما يقول ليمان.

ويقول لويجي سدا (عالم الوبائيات المكاني في جامعة لانكستر في المملكة المتحدة، ولم يشارك في الدراسة الجديدة): "هذا البالون هو طريقة مثيرة جداً ويُظهر نتائج مثيرة جداً، فهو أسلوب جديد تماماً".

على مدى ثلاث سنوات، استخدم ليمان وفريقه من الباحثين بالونات الهيليوم في أربع قرى في دولة مالي؛ إذ قاموا بربط البالونات -التي كان لكل منها شبكة لاصقة ملحقة للإمساك بالحشرات الصغيرة- على ارتفاعات تتراوح من 40 إلى 290 متراً عن الأرض. وقاموا برفعها خلال الليل عندما كان البعوض في حالته الأكثر نشاطاً لمعرفة الحشرات التي كانت تتحرَّك في الأعلى. ومن خلال المقارنة بين الحشرات التي تم الإيقاع بها في البالونات مع الحشرات الشاهدة التي تم اصطيادها في شبكات بالقرب من الأرض، استطاع الباحثون التأكُّد من أن البعوض الذي التقطته البالونات قد جاء من الأعلى بالفعل.

ويقول ليمان إن العلماء قاموا في النهاية بالإيقاع بأكثر من 3000 بعوضة، وأكثر من أربعين نوعاً مختلفاً، كانت تمثِّل أكثر من نصف أنواع البعوض الموجود في مالي. ومن خلال مراقبة سرعة الرياح في إحدى الليالي لحساب كثافة الحشرات التي تنتقل عبر المنطقة، استنتج ليمان هذا العدد ليخلُص إلى أن عدة ملايين من البعوض تجتاز السماء في مالي على ارتفاعات عالية خلال الليل.

ويقول ليمان: "النتيجة الأكثر أهمية التي أذهلتنا هي أن غالبية البعوض من الإناث، ومعظمهنَّ من الحوامل"، ولأن أنثى البعوض يجب أن تتغذَّى على الدم لتصبح حاملاً، ولأن الدم هو غالباً المصدر الذي يحصل منه البعوض على العوامل المُمرضة، فإن ليمان يقول بأن هذا يعني أن من الممكن جداً أن ينتقل البعوض لمسافات طويلة حاملاً معه الأمراض.

وكتب كريستوفر ساندرز (عالم الحشرات والأوبئة في معهد بيربرايت في المملكة المتحدة، ولم يشارك في هذا البحث الجديد): "إن وجود هذه الأعداد من البعوض في الارتفاع الذي تم أخذه في الدراسة يشير إلى أنه ينتقل أبعد بكثير عما كان يُعتقد سابقاً". ولكن دون الكشف عن العوامل الممرضة الموجودة في الحشرات التي تم التقاطها، يكون من الصعب تحديد كيف تؤثر هجرة الحشرات بالضبط على انتقال الأمراض بين البشر.

ويأمل ساندرز أن تقوم الأبحاث المستقبلية ببعض هذه الدراسات الخاصة بالكشف عن الأمراض، وأن تربط في الوقت نفسه بين أنماط هجرة البعوض وحركة الناس والحيوانات وتفشِّي الأمراض الموسمية. إن دراسة كل هذه الاتجاهات معاً قد يساعدنا في الحصول على صورة أوضح للديناميات المعقدة لبعض الأمراض مثل الملاريا.

ولا يزال أمامنا طريق طويل قبل أن نتمكن من القضاء على الملاريا بنجاح، ومن المرجح أن يتطلَّب ذلك مزيجاً من الجهود البحثية للتغلُّب على المرض، ولكن البالونات تقدِّم معلومات جديدة عن البعوض، مما قد يساعد في توجيه هذه الأبحاث إلى الاتجاه الصحيح.

المحتوى محمي