تخيل معنا: أنت تقود سيارتك داخل المدينة، وتتمتع بالهواء العليل الذي يدخل من إحدى النوافذ ويخرج من الأخرى، لكنك تنتبه فجأة إلى أن السيارة التي أمامك تقوم بتلوين الهواء بلون أسود عن طريق الدخان الذي ينفثه العادم الموجه باتجاهك. عندها ستمتد يدك إلى زر رفع النوافذ حيث ستعزل نفسك عن هذا الدخان المضر، ريثما تتجاوز تلك السيارة وتعود لاستنشاق هواء أقل تلوثاً. هذا ما يفعله أغلبنا عادة كنوع من الوقاية من الأمراض التنفسية المرتبطة بالتلوث. لكن السؤال: هل تعتبر السيارات الأخرى هي المصدر الوحيد للتلوث داخل سيارتنا؟ وإذا سارت السيارة في طريق خالٍ هل ستكون بمأمن من التلوث؟
مؤخّراً نُشرت مقالة في مجلة "أبحاث النقل" وضعها البروفسور معتصم الفاضل في الجامعة الأميركية في بيروت والبروفسور آلان شحادة والبروفسور ابراهيم علم الدين مع الطالبين السابقَين ج. حريق وم. هاتزوبولو. وكانت تتضمن نتائج بحث قام به هذا الفريق البحثي لدراسة تأثير المواد التي تخرج من عادم السيارة، ليس على الأشخاص العابرين أو السيارات التي تسير بالجوار، بل على ركاب السيارة ذاتها.
لإجراء التجارب بشروط مثالية، تم اختيار منطقة بعيدة عن المدينة في جبل لبنان، حيث يميل الهواء لأن يكون نقياً، ثم تم تشغيل السيارة بحالات مختلفة: محرك يدور لكن السيارة ثابتة، السيارة تسير بسرعات متفاوتة. وفي كل مرة كان يتم أخذ القياسات بحالتين:النوافذ مفتوحة أم مغلقة، الهواء نقي أم معاد استعماله. وقد تم قياس تلوث الهواء عن طريق نظام هجين صمم خصيصاً لكي يقيس نوعية الهواء داخل السيارة وخارجها بذات الوقت.
أشارت النتائج التي تمخضت عنها التجربة إلى أن 15% من أول أكسيد الكربون الموجود داخل السيارة و30% من الجسيمات التي تنتجها العوادم، مصدرها عادم السيارة ذاتها، وبالتالي فإن إغلاق النافذة واستنشاق الهواء الموجود داخل السيارة قد يؤدي إلى نتائج غير سليمة صحياً.
في ظل عدم امتلاكها لأجهزة تستشعر درجة تلوث الهواء، قد لا يمكننا الجزم بأن الهواء خارج السيارة أنقى من ذاك الذي ينتج عنها ويدخل إلى رئتي السائق. لكن بحسب البروفسور الفاضل فإن إغلاق النوافذ قد يزيد الطين بلة بدلاً من حماية الركاب كما هو متعارف عليه. وقد يدفع هذا البحث أصحاب السيارات لصيانتها في حال كانت تصدر عنها مواد شديدة التلوث، مما قد يعود بالفائدة عليهم وعلى الآخرين.
مشكلة تلوث الهواء هي معضلة عالمية، سواءً على المستوى الفردي أو على مستوى الاحترار العالمي وارتفاع منسوب مياه البحار والمحيطات. وما فعله هذا البحث هو إلقاء الضوء على مشكلة كانت غير ظاهرة وتؤدي إلى المزيد من التعرض للتلوث. أما كيفية تجنيب الأشخاص هذا التلوث فهذا فجوابه عند أبواب الحكومات ومراكز الأبحاث العالمية وليس عند نوافذ السيارات.