ما لم نستيقظ على بثرة جلدية فظيعة وما لم نعانِ من جفاف وحكة شتوية تدوم وقتاً طويلاً، فإن معظمنا نادراً ما يعطي البشرة اهتماماً كبيراً. لذلك فقد يكون مفاجئاً لك أن تعلم أن الجلد هو في الواقع أكبر أعضاء الجسم، وموطن لتريليونات من البكتيريا. ربما لا ترى هذه الميكروبات، ولكن أصبح من الواضح أنها تلعب دوراً كبيرا جداً في الحفاظ على صحتك.
وفي دراسة نشرت في فبراير 2018 في مجلة العلوم، حدد الباحثون سلالة محددة من البكتيريا التي يمكن أن تحمي من السرطان، وربما حتى تساعد على علاجه بمجرد تشكله. وهي دراسة أولية -أجريت على الفئران، وليس على البشر- لذلك يجب ألا تنزعج إذا ما كانت هذه البكتيريا الخاصة تعيش على بشرتك. ولكن هذه ليست أول دراسة تشير إلى أن البكتيريا التي تعيش في أجسامنا (والمعروفة باسم الميكروبيوم) تؤثر على صحتنا. ويري بعض العلماء أنه إذا كان بإمكاننا معرفة كيفية عملها بالضبط، فربما يمكننا أن نتعلم تزويد أنفسنا بمجموعة مثالية من الميكروبات.
يقول ريتشارد جالو، طبيب الأمراض الجلدية من جامعة كاليفورنيا في سان دييغو، والباحث الرئيسي في الدراسة: "نحن نتعلم أن العديد من البكتيريا على جلدنا تؤدي وظائف مهمة للحفاظ على الصحة".
وعلى الرغم من أن بشرتنا تحتوي على عدد لا يحصى من أنواع وسلالات البكتيريا، فإن واحدة منها تعيش بأعداد كبيرة جداً تعرف باسم المكورات العنقودية البشروية. في الواقع، فإن وجود نسبة عالية من هذا النوع من البكتيريا يعني أن بشرتك صحية. وقد وجد الباحثون أن الأشخاص الذين يعانون من بعض الأمراض الجلدية مثل الأكزيما، غالباً ما يملكون كمية أقل من هذا النوع من البكتيريا وكمية أكبر من نوع آخر يسمى المكورات العنقودية الذهبية. بل إن هناك تجارب تجرى الآن لمعرفة ما إذا كانت إعادة إدخال المكورات العنقودية البشروية إلى الجلد عند الأشخاص الذين يعانون من الأكزيما يمكن أن تحسّن الأعراض لديهم.
ويقول الباحثون، إن هذه الأدلة تُظهر على نحو متزايد أن ميكروبيوم الجلد - وعلى وجه الخصوص بعض أنواع المكورات العنقودية البشروية - لها دور هام في تعزيز الصحة.
وقد ركزت دراستهم على سلالة محددة من المكورات العنقودية البشروية التي تنتج جزيئاً يسمى 6-هاب. ووفقاً للنتائج التي توصلوا إليها، فإن هذا الجزيء يمنع وبشكل فعال الخلايا السرطانية من الانتشار. ولأن بعض الأشخاص تستضيف أجسامهم مستعمرات أكثر قوة من المكورات العنقودية البشروية مقارنةً بغيرهم، فإن الميكروبيوم الخاص ببعض الأفراد- بحسب جالو وزملائه- قد يمنح حماية ضد سرطان الجلد.
وقد اختبر جالو وفريقه هذه الفكرة بطريقتين مختلفتين. أولاً، وجدوا المكورات العنقودية البشروية التي لم تنتج الجزيء 6-هاب وأدخلوا هذه السلالة إلى مجموعة من الفئران. ثم قاموا بتعريضها، مع الفئران التي تملك المكورات العنقودية البشروية التي تنتج الجزيء 6-هاب على جلدها، للأشعة فوق البنفسجية المسببة للسرطان. وقد تطور لدى الفئران التي لم يكن لديها ميكروبات تنتج الجزيء 6-هاب أورام في الجلد، بينما لم يحدث هذا عند الفئران التي تملك ميكروبات تنتج الجزيء 6-هاب.
ثم أعطى الباحثون الفئران المصابة بالورم الميلانيني (وهو نوع خطير جداً من سرطان الجلد) حقناً من الجزيء 6-هاب نفسه، كل يومين وعلى مدى أسبوعين. فتراجع حجم الورم في المتوسط بمعدل 50 في المئة أكثر من مجموعة من الفئران التي لم تتلقّ هذا الجزيء.
ولا يفهم جالو وفريقه تماماً كيف ينجز الجزيء 6-هاب مهامه في مكافحة السرطان. ولكنهم يعرفون أنه يمنع تشكيل حمض نووي جديد من خلال التنافس على الفراغ مع مركب (الأدينين) الذي يشكل تلك التراكيب اللولبية المزدوجة. وهو يعمل بطريقة مماثلة لأدوية مرض السرطان وأمراض المناعة الذاتية التي تدعى 6-ميركابتوبورين، أو 6-إم بي.
ولكن ما يجعل الجزيء 6-هاب مثيراً للاهتمام جداً، وهدفاً لبحوث السرطان، هو حقيقة أنه يوقف نمو الخلايا السرطانية فقط، ويترك الخلايا السليمة. ويقول جالو إن الخلايا السليمة تنتج أنزيماً يزيل سمّية الجزيء 6-هاب، مما يجعله نظرياً حميداً للأنسجة الخالية من السرطان في جميع أنحاء الجسم.
ويحتاج الباحثون إلى إجراء أبحاث أكثر استهدافاً (وليس فقط في الفئران) لمعرفة كيفية استخدام الجزيء 6-هاب لمكافحة السرطان. وأحد الجوانب الرئيسية هو فهم لماذا يملك بعض الأشخاص أكثر من غيرهم كميات أكبر من المكورات العنقودية البشروية ، وكميات أكبر من هذه السلالة المحددة على وجه الخصوص. وإذا كان بإمكان العلماء معرفة ذلك، فقد يكونون قادرين على تعزيز نمو المكورات العنقودية البشروية عند الأشخاص الذين لا يملكون الكثير منها. وبطبيعة الحال، فإن هذا يفترض أن خصائص تقلص الورم المشاهد عند الفئران يمكن أن تُترجم عند البشر، وهو ما لن نعرفه حتى تحرز الأبحاث المزيد من التقدم.
لكن، وعلى الرغم من أننا لا نعرف على وجه اليقين ما إذا كان ميكروبيوم الجلد الصحي يمكن أن يساعد في مكافحة السرطان، فإننا نعلم أنه يمكن أن يحمينا من المزيد من الظروف المرَضية مثل الطفح الجلدي وحب الشباب. وليس هناك بالتأكيد أي ضرر من محاولة رفع نسبة المكورات العنقودية البشروية في جسمك. ولدى جالو بعض النصائح للأشخاص الذين يأملون في الحفاظ على بكتيريا الجلد في أحسن أحوالها، بينما يحاول العلماء تحقيق اختراق في هذا المجال.
"يقول جالو: "نحن اليوم لا نعرف بالضبط كيفية تحسين وجودها، لكننا نعلم أن الممارسات التي تضر بالجلد لها أيضاً تأثير سلبي على سلالات مفيدة من البكتيريا".
ويرى جالو أن استخدام الصابون الخشن وكثرة الاستحمام يمكن أن تضر كثيراً بالبشرة. وهناك طريقة جيدة لمعرفة ما إذا كنت تضر ببشرتك، وهي مراقبة الاحمرار والطفح الجلدي. فهذه الأشياء هي مؤشر أكيد على أن عاداتك الصحية غير مناسبة للميكروبات الي تعيش في جلدك، بما فيها تلك التي الميكروبات المفيدة.