البعوضة حشرة حساسة، بوجود سيقانها الطويلة والرفيعة، وخراطيمها الرشيقة. والكائنات الطفيلية وحيدة الخلية التي تنشر الملاريا هي أصغر حجماً وأكثر هشاشة، ويبذل العلماء قصارى جهدهم لإزالتها من الكوكب. وتعتبر حياة أكثر من 400 ألف شخص كل عام على المحك، وهذا العدد أكبر من عدد من يموتون بسبب الهجمات الإرهابية الدولية، وصواعق البرق، وهجمات سمك القرش مجتمعة.
ويكمن جزء من الحل في بكتيريا Serratia المعدلة وراثياً، وهي بكتيريا توجد أحياناً في المراحيض. وقد أوجد العلماء سلالة من هذا الميكروب تكبح طفيلي الملاريا، والخبر السار هو أنها يمكن أن تنتشر من خلال البعوض نفسه.
وعادة ما تعيش بكتيريا Serratia في الأمعاء الوسطى للبعوضة، ولكن العلماء أدركوا أن بعض السلالات تستعمر مبايض البعوض، والغدة التي يستخدمها الذكور أثناء التزاوج. وبسبب هذه المواقع المفضلة للبكتيريا، يمكن أن تنتشر البكتيريا المعدلة وراثياً خلال الجنس إلى سطح بيوض البعوض الناتجة. ولا يعني هذا أن نسل البعوض المصاب فقط سيلتقط البكتيريا، فكل اليرقات التي تنمو في نفس المياه ستتلقى الجراثيم المعدلة وراثياً أيضاً. يقول مارسيلو جاكوبس- لورينا، الباحث في علم الأحياء الدقيقة في جامعة جونز هوبكنز: "هناك عدد قليل جداً من البكتيريا القادرة على الانتشار بهذه الطريقة. وتقوم بكتيريا Serratia المعدلة بتخليق مركب يجعل من الصعب على طفيلي الملاريا الاستمرار في التكاثر والازدهار، ولكنه لا يضر البعوض الذي عادة ما يحمل هذا الطفيلي وينقله إلينا.
من أجل إكمال هذه التجربة، كان على العلماء أن يكونوا على استعداد للحصول على عدد قليل من لسعات البعوض. ويوجد في مختبر البعوض في جامعة جونز هوبكنز أكثر من 30 ألف بعوضة، وبعضها يهرب بالتأكيد، على الرغم من كون الحشرات التي تحمل الملاريا موجودة في مكان ذي احتياطات سلامة أكثر صرامة. وقام الباحثون بتغذية البعوض على كل من دم بشري مصاب بعدوى الملاريا ودم غير مصاب، والذي حصلوا عليه من بنوك الدم (كانت عينات المتبرعين منتهية الصلاحية مناسبة للاختبار). وقد أخذت العينات من المتطوعين الذين يعرفون أن دمهم سيتم استخدامه لأغراض علمية.
وحاولوا أولاً تعديل بكتيريا E. coli، وهي البكتيريا المعروفة التي من السهل نسبياً التعديل عليها - لتحمل الجينات التي تنتج البروتينات التي تمنع قدرة طفيلي الملاريا على النمو والتكاثر. ولكن البكتيريا المستخدمة في المختبر أقل شراسة ولا تتكيف مع أمعاء البعوض، ولا يستطيع العلماء تركها تتكاثر. ثم عثر سيباو وانج، وهو عالم في معاهد شانغهاي للعلوم الحيوية، على بكتيريا Serratia أثناء تشريح مبايض البعوض. كان العثور على البكتيريا في الجهاز التناسلي بمثابة الحصول على ذهب حيوي. يقول وانغ: "في الماضي، حاول الناس التعرف على البكتيريا التي يمكن أن تنتقل عمودياً ولم ينجحوا. وقد فعلتُ ذلك. نحن متحمسون جداً".
وعلى الرغم من أن العلماء قضوا عقداً من الزمن لتأكيد نتائج هذا البحث، فإن المبادئ يمكن أن تترجم إلى أنواع أخرى من البعوض، وربما حتى الحشرات الأخرى. يقول مارسيلو: "هذا نهج يمكن استخدامه في المستقبل لمكافحة الأمراض الأخرى، ولكننا نركز الآن على الملاريا".
وبعد ذلك، سيطلق الفريق البعوض الذي يحمل البكتيريا المعدلة وراثياً في حاويات خاصة تحاكي البيئة الطبيعية في زامبيا. ويعد العالم الحقيقي الذي تعيش فيه البكتيريا أكثر تنوعاً إلى حد كبير من المختبرات المغلقة، وبالتالي فإن الباحثين يريدون أن يروا ما إذا كانت بكتيريا Serratia ستعمل بنفس الطريقة في ميدانها الجديد. وإذا سارت الأمور بسلاسة، فإن الخطوة التالية هي إطلاق البكتيريا المعدلة إلى الحياة البرية بعد الحصول على موافقة الحكومة والمجتمع بالطبع.
تقول جلوريا فولوهونسكي، الباحثة السابقة في مجال البعوض في معهد العلوم الحيوية والخلوية في جامعة ستراسبورغ، والتي لم تشترك في الدراسة: "أنت لا تريد أن تبدأ في نقل فيروسات جديدة. وهناك دائماً مخاطر العبث ولو بجزء واحد من النظام البيئي". ويطالب الباحثون بالسماح بإطلاق بكتيريا Serratia المعدلة لإنتاج البروتين الذي يتألق تحت الأشعة فوق البنفسجية. ولن تحمي هذه البكتيريا البعوض من الملاريا، ولكنها ستساعد الباحثين في تتبع كيفية انتشار مثل هذه العدوى.
يقول جاكوبس لورينا إن ضحايا الملاريا بقوا في باله خلال سنوات البحث الصعبة. يقول: "بينما نحن نتحدث الآن، توفي ما يقرب من 30 طفلاً بسبب الملاريا أثناء حديثنا. وهذا هو ما يعزز رغبتنا في المساعدة على احتواء هذا المرض".