تاريخ موجز للقاح الإنفلونزا

4 دقائق
إنفلونزا, لقاح, برد, شتاء, مرض
إنفلونزا

يُعدّ فيروس الإنفلونزا من الفيروسات التي تغيّر شكلها باستمرار، لذلك يلجأ الباحثون باستمرار إلى تطوير لقاحاتٍ تواكب هذه التغيرات؛ إذ تنشأ كل عام نحو 4 سلالاتٍ جديدة من الفيروس الذي يحاول باستمرار تغيير شكله للتحايل على نظام المناعة لدينا.

لذلك بتنا بحاجةٍ إلى لقاحٍ سنوي ضدّ الإنفلونزا لتوفير الحماية. فمرض الإنفلونزا لا تقاومه مثل تلك اللقاحات التي أخذناها في طفولتنا، التي توفر حمايةً طويلة الأمد ضد أمراضٍ أخرى.

ورغم احتمال إصابتك بالإنفلونزا بعد أخذ اللقاح، فإن القول بأن لقاح الإنفلونزا نفسه قد يصيبك بالإنفلونزا يُعد خرافةً شائعة، لا أساس لها من الصحة.

لمحةٌ عن تاريخ لقاح الإنفلونزا

إنفلونزا, لقاح, برد, شتاء, مرض

بدأ تطوير لقاحات الإنفلونزا أول مرة في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي، بعد أن عُزل فيروس الإنفلونزا. كان شائعاً في ذلك الوقت أن لفيروس الإنفلونزا سلالات عديدة مختلفة، وحتى يكون اللقاح فعَّالاً -كما أظهرت الدراسات السابقة حينها- ينبغي أن يستجيب إلى سلالات الفيروس المنتشرة حينها. أي أن يكون قادراً على تحفيز استجابة الجهاز المناعي لها.

وحالياً تتم عملية إنتاج لقاحات الإنفلونزا الحديثة صناعياً على نطاقٍ أكثر دقّة؛ إذ تُجمّع مراكز الإنفلونزا الوطنية آلاف العينات من الفيروس في جميع أنحاء العالم كل عام، ويتم اختيار 4 سلالاتٍ من بينها بناءً على الأكثر انتشاراً منها، ومدى فاعلية اللقاح المُقترح في تحفيز الجهاز المناعي، وكيفية تطور سلالات الإنفلونزا، وغيرها من العوامل الأخرى لكي تُنتَج لها لقاحاتٌ متخصصة في ذلك العام.

تُنتج معظم اللقاحات الحديثة عن طريق زراعة كميات كبيرة من الفيروس الحي -على وسط بيض الدجاج أو أوساط الخلايا الحيوانية الأقل شيوعاً- ثم تُنقّى، وتعطل فاعليتها المرضية، وتُقسم بعدها إلى مكونات أصغر. تكون اللقاحات الناتجة أخيراً غير ممرضةٍ، ولا يمكن لها أن تتكاثر؛ أي فيروسات مُضعّفة أو ميتة.

يوجد أيضاً لقاحان مُحسَّنان هما؛ «FluZone High Dose» و «Fluad» لكبار السن الذين لا يبدي جهاز المناعة لديهم استجابةً للقاحات العادية. هذان اللقاحان هما عبارة عن نسخة عالية الجرعة، ومُصمَّمان لتحفيز المناعة بشكلٍ أفضل، وجذب الخلايا المناعية نحو مكان التطعيم.

كيف يحارب الجهاز المناعي الإنفلونزا؟

لدى جهاز المناعة البشري عدة استراتيجيات للدفاع عن نفسه في مواجهة العوامل الممرضة، وتُعرف إستراتيجيته الرئيسية في مواجهة العدوى، كعدوى الإنفلونزا، باسم «المناعة التكيفية»؛ إذ يُمكِن لجهاز المناعة «تَذكّر» العدوى السابقة التي تعرّض لها بسبب العوامل الممرضة، وبالتالي يستخدم أسلوب الدفاع نفسه ضدها مجدداً.

وعندما تُصاب بعدوى الإنفلونزا يدخل الفيروس، ويقوم بالتحايل والاستحواذ على الخلايا المُضيفة مستخدماً إياها؛ لكي يتضاعف ويتكاثر إلى أن تنفجر الخلية، وتنتقل الفيروسات الجديدة إلى خلايا أخرى، وهكذا.

ثم تنتبه الخلايا التائية اللمفاوية في الجهاز المناعي إلى هذا الهجوم الفيروسي؛ فتقوم بالحدِّ من انتشار الفيروس عن طريق تحفيز الخلايا المصابة بالعدوى على القيام بعمليةٍ انتحارية كيميائية؛ تهضم وتقتل من خلالها الفيروسات.

والإستراتيجية الأخرى التي يستخدمها الجسم هي إنتاج أجسام مضادة، وهي جزيئات تنتجها الخلايا البائية التي تتعرف على مكونات الكبسولة الفيروسية، أو مكونات السطح الخلوي. تعمل هذه الأجسام المضادة عن طريق التمسك بسطح فيروس الإنفلونزا لمنع انتشاره، وتسهيل التخلص منه.

لقاح الإنفلونزا يساعد في تسريع دفاع الجسم عن نفسه

عند التعرّض لأول مرة للعامل الممرض تستغرق الخلايا البائية نحو أسبوعين على الأقل؛ لزيادة إنتاج الأجسام المضادة لمكافحته. أما في الإصابات اللاحقة فتكون الاستجابة أسرع بكثير، ويتسرّع إنتاج الأجسام المضادة بصورة أكبر بكثير.

تُسخّر لقاحات الإنفلونزا ذراع الجهاز المناعي الضارب، والمعروف باسم «جهاز المناعة الخلطية»؛ من خلال التدرّب على حماية الجسم من المكونات الفيروسية الميتة سابقاً، مما يسمح للجهاز المناعي لاحقاً بالاستجابة بسرعةٍ وفعاليةٍ أكبر، في حال حصول مواجهةٍ حقيقة مع الفيروس.

لماذا نمرض أحياناً بعد أخذ لقاح الإنفلونزا؟

في الواقع هناك عدّة أسباب تجعلنا نمرض بعد أخذنا لقاح الإنفلونزا كالآتي:

أولاً: لقاح الإنفلونزا يحميك فقط من الإنفلونزا، وليس من أمراض الجهاز التنفسي الأخرى التي قد تسبب أعراضاً مشابهة لنزلات البرد أو الإنفلونزا. يشمل ذلك فيروس المخلوي التنفسي «RSV»، وهو شائعٌ في أواخر الخريف وبداية الشتاء.

ثانياً: يمكن أن يؤدي تحفيز أو إثارة الجهاز المناعي إلى أعراض مشابهة لأعراض الإنفلونزا، رغم كونها أقل وطأةً وأقصر عمراً. تشمل هذه الأعراض الالتهابات الموضعية (احمرار، أو ألم، أو تَورُّم في موقع اللقاح)، وأعراضاً عامة أكثر مثل: «الحمى،والصداع، والألم، الضعف العام».

ثالثاً: الحماية التي يوفرها اللقاح ليست كاملة في بعض الأحيان. ففي بعض السنوات قد لا يعمل اللقاح جيداً مع السلالات المنتشرة. وعادةً ما يكون هذا بسبب الطفرات التي قد تحدث في سلالاتٍ أخذت في الانتشار بعد اختيار سلالات اللقاح، كما أن لقاح الإنفلونزا لا يبدأ في التأثير إلا بعد أسبوعين من تاريخ أخذه، مع الوضع في الاعتبار أن المناعة تكون ضعيفةً لدى بعض الأشخاص؛ خصوصاً كبار السن، ومن يعانون أمراضاً تتسبب في ضعف المناعة؛ إذ تكون استجابة جهاز المناعة للتحفيز وإنتاج الأجسام المضادة أقل من المطلوب، وبالتالي يكون مستوى الحماية أقل.

وعلى الرغم من كلّ ما سبق، أظهرت الدراسات دائماً أن الأشخاص الذين أخذوا اللقاح كانوا أقلّ عرضةً للإصابة بالإنفلونزا أو مضاعفاتها، من أولئك الذين لم يأخذوه.

طريقة أفضل للحماية من الإنفلونزا

تتمثل مشكلة إنتاج لقاحات الإنفلونزا حالياً في اعتماده على وسط البيض لتنميته، وتكون عملية الإنتاج بطيئةً نسبياً، وتحتاج إلى مجهودٍ كبير للحصول في النهاية على كمياتٍ قليلة من اللقاح.

تهدف الجهود الحالية إلى تسريع هذه العملية عن طريق استخدام تقنياتٍ مختلفة، تُمكّن مُصنعي اللقاح من أن يتفاعلوا بسرعة أكبر مع التغيرات المستمرة في الفيروسات المنتشرة، وتلبية متطلبات السوق.

إن أقصى طموحٍ نأمل في الوصول إليه أن يستطيع لقاح الإنفلونزا تحفيز استجابةٍ مناعية فعَّالة لمكونٍ خلوي معين –أو بروتين معيَّن- في فيروس الإنفلونزا لا يتغير كلَّ عام. وإن توصلنا إلى إنتاج هذا اللقاح، فلن تكون هناك حاجةٌ إلى أخذ اللقاحات دورياً، لكن تبين أن هذا الطموح بعيد المنال حتى الآن.

وربما يكون هناك أملٌ في إستراتيجية أفضل لتسخير خلايا المناعة التائية. فقد أظهرت الأبحاث الحديثة أن هناك نوعاً من الخلايا التائية المعروفة باسم «الخلايا القاتلة»، يمكنها التعرف على أجزاء أخرى من فيروس الإنفلونزا، وبالتالي يمكن أن يوفر حماية واسعة ضد السلالات الموسمية والوبائية.

وفي الوقت الذي ننتظر فيه بديلاً أفضل، فإن الحصول على لقاح الإنفلونزا السنوي أفضل طريقة لتجنب الإصابة بالفيروس.

تم نشر هذا المقال بواسطة كلا من «ألين تشينج» و «كاثرين كيدزرسكا» في موقع ذا كونفيرسيشن

المحتوى محمي