تجارب جديدة تظهر فعالية العلاج المناعي للسرطان رغم خطورته الشديدة

4 دقائق
صورة لأحد العلاجين بالخلايا التائية المعدلة "CAR T"والذين تمت الموافقة عليهما مؤخراً من قبل إدارة الأغذية والأدوية الأميركية. ويعمل كل منهما عن طريق التعديل الوراثي للجهاز المناعي من أجل مكافحة السرطان.

أصبحت العلاجات المناعية في العقد الماضي وسيلة واعدة بشكل متزايد لمكافحة السرطان. ويعمل معظمهما عن طريق السيطرة على الجهاز المناعي للجسم وتوظيفه لمكافحة المرض. إلا أن أحد العلاجات قد أثبت بأنه الأكثر أملاً والذي يعرف أصلاً باسم العلاج المناعي بالخلايا التائية المعدلة "CAR T". إذ تمت الموافقة مؤخراً على اثنين من الأصناف التجارية لهذا العلاج من قبل إدارة الأغذية والأدوية الأميركية وهما: علاج كيمريا الخاص بشركة نوفارتيس وعلاج يسكارتا الخاص بشركة كايت فارما. ويمكن القول بأن هذا العلاج هو الأكثر دقة وربما الأكثر فعالية علاجية حتى الآن، كما أنه العلاج الجيني البشري الأول المتاح للسرطان. وفي دراستين نشرتا هذا الشهر في دورية نيو إنجلاند جورنال أوف ميديسين، فقد ذكر الباحثون نجاح هذا العلاج في شفاء أحد أنواع سرطانات الغدد الليمفاوية.

وتبين هاتان الدراستان - اللتان تم استخدامها لمساعدة العلاجين في الحصول على موافقة إدارة الأغذية والأدوية - بأن هذا النوع من العلاج يمكن أن يكون فعالاً للغاية في العديد من المستشفيات والأوساط السريرية في كافة أنحاء العالم. ومن خلال مقارنة الأفراد الذين لا يستجيبون للعلاج مع أولئك الذين يستجيبون، يأمل الباحثون بتطويره حتى يستجيب الجميع لهذه العلاجات.

ويعمل العلاج بالخلايا التائية المعدلة "CAR T" عن طريق إزالة الخلايا التائية للشخص، وهي خلايا دم بيضاء متخصصة وتفيد في مكافحة الأمراض. ويقوم العلماء بتعديل جينات تلك الخلايا التائية لمنحها مستقبلات مبرمجة خصيصاً - إذا جاز التعبير - للعثور على كافة الخلايا السرطانية في الجسم وتدميرها. ثم يتم إرجاع الخلايا إلى جسم المريض من خلال حقنها مرة أخرى، حيث تتجه للعمل على تدمير أهدافها.

وقد كان العلاج ناجحاً بشكل كبير عند الأشخاص الذين يعانون من نوع معين من سرطان الدم، وبشكل أكثر تحديداً عند الأطفال الذين يعانون من نوع من اللوكيميا يسمى لوكيميا الأرومات الليمفاوية الحاد (ALL). وتظهر هاتان الدراستان الجديدتان نجاحاً مماثلاً عند الأشخاص الذين يعانون من نوعين مختلفين من سرطان الغدد الليمفاوية غير الهودجكيني، وهو نوع آخر من سرطان الدم.

عندما يعمل العلاج، فإنه يبدو كالعلاج المثالي تقريباً. فعلى عكس العلاج الكيميائي والإشعاع، فهو يتم إجراؤه لمرة واحدة، ويتخلص من العديد من أسوأ الآثار الجانبية المرتبطة بعلاج السرطان. ومن الناحية النظرية، فإنه ينبغي أن يكافح السرطان لبقية حياة المريض.

ولسوء الحظ، فإن القليل فقط من الأشياء في هذه الحياة تمتاز بالكمال، ولا يستثنى هذا العلاج من ذلك. فعند محاولة العلاج قتل الخلايا السرطانية، فإنه يدفع الجهاز المناعي إلى الإرهاق بشكل زائد. ويمكن لتلك الاستجابة المناعية المحفزة أن تسبب في كثير من الأحيان ما يسمى متلازمة إفراز السيتوكين. إذ تقوم الخلايا التي تستهدفها الخلايا التائية المعدلة بإفراز مجموعة من البروتينات المعروفة باسم السيتوكينات، مما يتسبب في حدوث استجابة التهابية كبيرة. وقد لا يتمكن الجسم من التعامل معها، مما قد يسبب حدوث آثار جانبية مهددة للحياة مثل الارتفاع الشديد لدرجة الحرارة والانخفاض الخطير لضغط الدم. ويمكن للعلاج أيضاً أن يسبب اعتلال الدماغ العابر، أو الالتهاب المؤقت في الدماغ.

وتعدّ هذه الآثار الجانبية ذات أهمية عالية، وهي السبب الرئيسي في مضي الأطباء قدماً بحذر شديد مع هذا العلاج. ففي الدراسة التي شملت علاج يسكارتا، عانى 95٪ من المرضى من أحد الآثار الجانبية الشديدة على الأقل وعانى 13 في المئة من متلازمة إفراز السيتوكين المهددة للحياة. وفي دراسة علاج كيمريا، عانى 58 في المئة من الأشخاص من بعض درجات متلازمة إفراز السيتوكين.

ولكن دراستي العلاجين يسكارتا وكيمريا تبينان أيضاً بأن هذه الأنواع من الآثار الجانبية يمكن تدبيرها بشكل فعال في العديد من المستشفيات والأوساط السريرية، بما فيها المنشآت الصحية التي لم تستخدم هذا العلاج من قبل. وقد قيدت إدارة الأغذية والأدوية في البداية استخدام العلاجات "CAR T" في عدد محدد من المستشفيات البحثية الكبيرة. ولكن حتى يصبح هذا العلاج أساسياً، فلا بدّ من أن يكون قابلاً للاستعمال في العديد من الأوساط المختلفة.

كما أن هناك عيب كبير آخر في العلاج بالخلايا التائية المعدلة، إذ تكون تأثيراته مؤقتة في بعض الأحيان، ويعود السرطان في غضون أشهر. وبالنسبة لبعض المرضى، فإنه لا يعمل على الإطلاق. وفي الواقع، فقد لاحظت كلتا الدراستين العديد من المرضى الذين لم يحققوا الشفاء الكامل (27 في المئة في دراسة كيمريا و58 في المئة في دراسة يسكارتا). ويعني ذلك في الوقت الراهن بأنه من غير المرجح أن يكون هذا العلاج بمثابة خط الدفاع الأول ضد السرطان. ولكن فهم سبب فشله في بعض الأحيان يمكن أن يساعد الباحثين في تحويله إلى علاج يؤدي إلى شفاء الجميع.

لمعرفة ذلك، أجرى الباحثون في دراسة كيمريا عدة مقارنات بين المجموعتين: المجموعة التي استجابت للعلاج وتلك التي لم تستجب. ومما يثير الاهتمام، فإن العلماء لم يجدوا أي فرق كبير في درجة شدة المرض. ومع ذلك، عندما فحصوا الأورام تحت المجهر، فقد وجدوا بأن الأشخاص الذين استجابوا للعلاج كانت لديهم مستويات أقل من نوع معين من الخلايا السرطانية تسمى بجزيئات التفتيش المناعية.

ويمكن أن يكون ذلك دليلاً هاماً. ومع ذلك، يلاحظ الباحثون بأن انخفاض عدد الأشخاص الذين تمت دراستهم في هذه المقارنة – خمسة أشخاص فقط في كل مجموعة - يعني بأنهم لا يستطيعون تأكيد إمكانية تطبيق ذلك على عامة الناس. إذ يتعين عليهم مواصلة دراسة المرضى الذين لا يستجيبون بشكل جيد للعلاج بالخلايا التائية المعدلة على أمل معرفة سبب فشل العلاج.

إذاً فالعلاج بالخلايا التائية المعدلة هو علاج واعد جداً للسرطان، على الرغم من اعتماده في الوقت الحالي لعدد قليل فقط من أنواع السرطان، وليس فعالاً بشكل دائم في علاج تلك الأمراض. وحتى السرطانات المعتمدة للعلاج به الآن، فلا يزال من المفترض أن تعالج أولاً بالعلاج الكيميائي والإشعاع. ويهدف الأطباء أن يتجهوا إلى هذا العلاج فقط في حال عدم فعالية أي علاج آخر.

ومن الناحية المثالية، ستؤدي المزيد من الأبحاث إلى جعل العلاج بالخلايا التائية المعدلة هو خط الدفاع الأول ضد جميع أنواع السرطان. ولكن قبل أن يحدث ذلك، يحتاج الباحثون إلى علاج الكثير من المرضى، بما فيهم المرضى الذين يعانون من أمراض أقل شدة. ولن يساعدهم ذلك على فهم العلاج بشكل أفضل فحسب، ولكن على فهم كيفية نشوء السرطان وانتشاره أيضاً.

المحتوى محمي