يبدو الأمر وكأنه مساس بالمحرمات، ولكن ليس صعباً معرفة لماذا يتجنب أكثر من نصف سكان الولايات المتحدة الأميركية أخذ لقاح الإنفلونزا سنوياً.
دعونا نبدأ بسبب بسيط، وهو أن حقنة اللقاح مؤلمة حقاً، فالكثير من الناس يكرهون الإبر أو يخافون منها، وهذا مفهوم تماماً، ويرغب القليلون في أن ينكزهم شخص غريب في الذراع بأداة حادة. كما يمكنك بعد أخذ اللقاح أن تصاب بالتعب، أو بألم في عضلاتك، وبالنهاية قد تصاب بالإنفلونزا، بالإضافة إلى ما تسببت به الحقنة من أذى. ما هي الفائدة؟ وهم يريدون منك أن تفعل هذا سنوياً؟ طواعية؟
لا، لا أعتقد أنني سأقبل بذلك. كما أنك لا تأخذ لقاح الإنفلونزا كل سنة، ومع ذلك لا تصاب بالمرض، ثم إن الإنفلونزا نفسها ليست بهذا السوء. فلم العناء إذاً؟
هذه الأنواع من ردود الفعل شائعة، لأن سوء الفهم حول الانفلونزا ولقاح الإنفلونزا شائع، والمشكلة هي أن الإجابات القياسية ليست كلها مقنعة، حتى لو كانت صحيحة، ونحن جميعاً نسمع نفس الأدلة المؤيدة للتلقيح كل سنة:
لن تصاب بالإنفلونزا بسبب اللقاح.
يمكن أن تقتل الإنفلونزا الناس، حتى البالغين الأصحاء.
يستغرق الأمر بضعة أسابيع حتى يبدأ اللقاح بالعمل، فإذا أصبت بالمرض بعد اللقاح فتلك مجرد صدفة.
إذا كنت لا تزال مصاباً بالإنفلونزا، فإن اللقاح يساعدك على درء المضاعفات التي تهدد الحياة.
كل هذا صحيح تماماً، وكلها أسباب قوية لأخذ اللقاح، ولكن بالنسبة للكثيرين، فهي مجرد أسباب غير مقنعة. هناك الحصبة، والنكاف، وشلل الأطفال، هذه الأمراض التي يود الناس تجنبها بأي ثمن، لكنك لا تحتاج كل عام لأخذ اللقاح. أما بالنسبة للإنفلونزا، فمعظم ما يردده الناس من أدلة ستخبرهم بأنهم لن يصابوا بحالة خطرة على الأرجح.
وعند إجراء أحد الاستطلاعات، قال 48 فى المائة ممن لا يخططون لأخذ اللقاح أن ذلك يعود إلى أنهم ليسوا بحاجة إليه، وهم على حق. فالأشخاص الأصحاء قد يموتون من الإنفلونزا، ولكن هذا في الغالب لا يحدث. وليس بعيداً عن المنطق التفكير في أن اللقاح غير المثالي لا يستحق العناء، فما هي الغاية من لقاح لا يمنحك الحصانة الكلية؟
لذلك نعم، لا يجب عليك أن تأخذ لقاح الإنفلونزا لأنه يحميك من الإصابة بها، ولكن عليك أن تأخذه لأنه يحمي الآخرين من الإصابة بها.
نحن نتحدث كثيراً عن مناعة الجماعة عندما يتعلق الأمر بالحصبة أو الحصبة الألمانية، لكنها لا تحظى بالكثير من الاهتمام خلال موسم الانفلونزا. والحقيقة أن المتخصصين في الرعاية الصحية ليسوا جميعاً قلقين بشأن الشاب الذي توفي بسن 25 عاماً، والذي أصيب بالالتهاب الرئوي كأحد الآثار الجانبية للإنفلونزا. نعم، كان هذا الشاب سيئ الحظ سيكون أفضل حالاً لو أنه أخذ لقاح الإنفلونزا، لكن هذا لن يكون مصدر قلق لأكثرنا.
ولا يشكل موسم الإنفلونزا في الغالب خطراً إلا على فئات قليلة من الناس، وهم كبار السن، وأصحاب المناعة الضعيفة، والحوامل، وحديثي الولادة، وبعبارة أخرى، أولئك الذين تكون عواقب المرض عليهم كبيرة.
لا يمكن للأطفال الذين تقل أعمارهم عن ستة أشهر والذين يعانون من نقص شديد في المناعة – كالذين يخضعون للعلاج الكيميائي أو من يعانون من أمراض المناعة المزمنة - أن يأخذوا اللقاح، فأجهزة المناعة لديهم لن تتحسن باللقاح، وهم سيصابون بالمرض. والأسوأ من ذلك، أنهم سيتعرضون لتلك الآثار الجانبية القاتلة التي لا يبالي بها البالغون الأصحاء. ومع ذلك فمن المهم أن نلاحظ أن هذا لا ينطبق على جميع من يعانون من تثببيط المناعة، لأن الكثير منهم لديهم جهاز مناعي فعال بما فيه الكفاية بحيث يساعدهم اللقاح على تجنب الإصابة بحالة قاتلة من الانفلونزا.
وكثيراً ما يميل المسنون إلى أن يكون جهازهم المناعي ضعيفاً، مما يجعلهم أكثر عرضة لفيروس الإنفلونزا. كما أنه يجعل اللقاح أقل فعالية، لأن مبدأ التحصين كله يعتمد على الخلايا المناعية التي تستجيب للفيروس المعطل. ووجدت إحدى الدراسات في إنجلترا وويلز أن تطعيم الصغار كان استراتيجية أكثر فعالية لمنع الانفلونزا عند المسنين من تطعيم المسنين أنفسهم.
يمكن للحوامل (ويجب عليهن أيضاً) أن يأخذن حقنة الإنفلونزا، ولكن هذا لا ينطبق على الحوامل اللواتي تكون فرصة الإصابة مضاعفة لهن ولأجنتهن. وغالباً ما تسبب الأنفلونزا حمى، مما قد يؤدي إلى إلحاق أضرار دائمة بالجنين النامي، وتتعرض الأم للإصابة بحالة أكثر خطورة من الإنفلونزا في حال إصابتهما معاً بالعدوى.
هؤلاء هم الأشخاص الذين يجب أن تأخذ من أجلهم لقاح الإنفلونزا. يموت الرجال والنساء المسنون في دور الرعاية بانتظام، ولا يحدث هذا بسبب كونهم يعيشون في منطقة مصابة بالعدوى، لكن لأن أحداً ما قد نقل إليهم الفيروس، قد يكون شخصاً أحضر لهم طعام الغداء، أو حفيدة زارت جدها الذي يسكن بجوارهم. وفي كل الأحوال، قد يعتقد شخص ما أنه من غير المرجح أن يصاب بالعدوى، ويكون على حق، ولكن المشكلة متعلقة بشخص آخر.
الجميل في مناعة الجماعة هو أنه بمجرد أن تتجاوز عتبة معينة، فإنه لا يهم كثيراً ألا يحصل المسنون وصغار السن على الحماية، فالفيروس لا يمكن أن ينتشر بشكل جيد. وللوصول إلى هذه النقطة، نحن بحاجة إلى تطعيم 80 – 90 في المائة من الناس، اعتماداً على مدى فعالية اللقاح في تلك السنة. فيما يلي عدد الأشخاص الذين أخذوا اللقاح في الموسم الماضي:
لم تقترب أي دولة من تحقيق هذا الهدف، فبينما يتم نقل مئات الآلاف من الأشخاص إلى المستشفيات كل عام بسبب الإنفلونزا، كما يلقى آلاف آخرون مصرعهم، إحصائياً، ليس من المرجح أن تعرف أي شخص قد زار غرفة الطوارئ أو وافته المنية بسبب الإنفلونزا، لكنك قد تكون مررت بشخص ما في الشارع، أو لمست مقبض الباب قبل شخص آخر، أو عطست في نفس الحافلة، وهذا هو كل ما يلزم لنقل العدوى.
لذلك لا تفكر في لقاح الإنفلونزا كما لو كان أمراً يخصك وحدك، لأنه يخص الجميع، ويمكننا أن نختار فعل ما هو أفضل للجميع.