فضلاً عن كونه طعاماً لذيذاً، يمتاز الفِطر (أو المشروم) بغناه بمضادات الأكسدة، وهي عناصر كيميائية نباتية تساعد على درء خطر الأذية الخلوية. كما يمتاز الفِطر أيضاً بغناه بالغلوكونات بيتا، وهي نوعٌ من الألياف القابلة للانحلال التي من شأنها تحسين وظيفة الجهاز المناعي والمساعدة على ضبط مستويات الكوليسترول في الجسم. وكانت العديد من الدراسات السابقة قد خلُصت إلى أن الأطعمة الغنية بمضادات الأكسدة والغلوكونات بيتا هي جزءٌ رئيسيٌّ من النظام الغذائي الصحي، وأن تأثيراتها الصحية الإيجابية لا يمكن الحصول عليها من خلال المكملات الغذائية. بالإضافة إلى ذلك كلّه، فإن الفِطر غني بالبروتينات ذات القيمة الغذائية العالية وفقير بالسعرات الحرارية والدهون، أي على العكس تماماً من الوجبات السريعة والسكاكر، التي تكون فقيرة بالعناصر الغذائية وغنية بالسعرات الحرارية.
من المعروف مسبقاً لدى الباحثين بأن طريقة تحضير الطعام تُؤثر في قيمته الغذائية. ففي دراسة أجريت في العام 2016 خلُص الباحثون إلى أن طهي الخضار بزيت الزيتون يزيد من تركيز المركبات الفينولية ضمنها، وهي المواد التي يترافق استهلاكها مع تراجع خطر بعض أنواع السرطان. وفي الوقت ذاته، أظهرت دراسات أخرى بأن غلي الخضار يُقلل من تراكيز الفيتامينات "ب" و "سي" وغيرها من المركبات القابلة للانحلال في الماء. وبما أن الفِطر ينتمي لفصيلة الفِطريّات، وليس النباتات، فقد أراد الباحثون معرفة مدى تأثير طرائق الطهي المختلفة على محتوى الفِطر من مضادات الأكسدة والغلوكونات بيتا.
اشتملت الدراسة، التي جرى نشرها مؤخراً في المجلة الدولية لعلوم الغذاء والتغذية، على عدة أنواع من الفِطر الشائع، مثل الفِطر الأبيض، والفطر الشيتاكي، ونوعين آخرين من الفِطر المحاري. قام الباحثون باختبار أربعة طرق للطهي في تحضير أنواع الفِطر تلك، وهي الغلي في الماء لمدة عشر دقائق، والشيّ بشوّاية كهربائية بحرارة 100° مئوية لمدة ست دقائق، والقلي العميق بكوبين من زيت الزيتون لمدة ثلاث دقائق، والتحضير بفرن المايكروويف بطاقة 1000 واط لمدة دقيقة ونصف. وبعد الانتهاء من تحضير الفِطر بأيٍّ من الطرائق السابقة كان الباحثون يضعونه على ورق تنشيف لتجفيفه من الماء والزيت الزائد، ثم يُجمّدونه، ويُطحنوه ليصبح مسحوقاً. وبعدها يقومون بدراسة وتحليل هذا المسحوق ومقارنته مع الأنواع غير المطهية من الفِطر.
تقول المُعدّة الرئيسية للدراسة إيرين رونكيرو-راموس: "عند طهي الفِطر باستخدام فرن المايكروويف أو الشواية الكهربائية، ترتفع نسبة البوليفينولات ومضادات الأكسدة فيه بشكل واضح، دون أن تحدث أيّة خسارة في القيمة الغذائية للفِطر المطهي". أما الغلي، فقد أدى لخسارة كمية كبيرة من مضادات الأكسدة الداخلة في تركيب الفِطر، وكذلك القلي العميق. ولكن بالمقابل، زاد الغلي من محتوى الفِطر من الغلوكونات بيتا. تقول رونكيرو-راموس: "يؤدي القلي أو الغلي إلى خسارة كميات كبيرة من البروتينات ومضادات الأكسدة، ولعل ذلك يعود إلى تسرب تلك المواد القابلة للانحلال إلى الزيت أو الماء المحيط بالفِطر، وهو ما يؤثر بشكل جوهري في القيمة الغذائية للمُنتج النهائي".
هل يعني ذلك أنه ينبغي علينا تجنب غلي أو قلي الفِطر؟
الجواب هو "لا"، ليس بالضرورة. وسنوضح ذلك من خلال النقاط التالية:
أولاً، إن هذه النتائج مُستخلصة من دراسة واحدة، ولا بد من إجراء المزيد من الدراسات في هذا الصدد للتحقق منها. وإن تبني العادات الغذائية بناءً على نتائج دراسات مفردة قد يؤدي بنا إلى اتباع أنماط غذائية غريبة ومتناقضة.
ثانياً، إن زمن عشر دقائق لغلي الفِطر هو زمن طويل جداً، نادراً ما يلجأ إليه الطُهاة، وإنما غالباً ما يغلونه لزمن أقصر من ذلك، ما يعني خسارة كمية أقل من مضادات الأكسدة. بالمقابل فإن الغلي يزيد من مستويات الغلوكونات بيتا (الألياف القابلة للانحلال). ولعل المشكلة الأكبر المترافقة مع غلي الأطعمة هي تسرب العناصر المغذية منها. فإذا كنت تنوي غلي الفِطر، فحاول أن تستهلك الماء الذي يغلي ضمنه بإضافته إلى وصفة التحضير بطريقة ما.
ثالثاً، لقد استخدم الباحثون كميةً كبيرةً من الماء لغلي الفِطر (حوالي 3.5 لتر لغلي 200 غرام من الفطر) وكوبين من زيت الزيتون لقلي 100 غرام من الفِطر. بعبارةٍ أخرى، فإن ظروف هذه التجربة لا تُشبه ظروف طهي الفِطر التقليدية في معظم المطابخ.
رابعاً، ثمّة أمرٌ آخر ينبغي أخذه بعين الاعتبار وعدم إغفاله، وهو مذاق الفِطر. إذ أن الفِطر المُحضَّر بواسطة فرن المايكروويف قد لا يروق للكثيرين من الناس، ويُخشى في هذه الحالة أن يمتنعوا عن تناوله بشكل كامل. وبالتالي فإن الفِطر الصحي هو ببساطة الفِطر الذي يروق لك تناوله.
وهكذا، فإن النتيجة الأهم التي نستخلصها من هذه الدراسة هي ضرورة التنويع بين طرائق تحضير وطهي الفِطر وغيره من المنتجات الغذائية. فإذا كُنت بصدد غلي الطماطم المهروسة من أجل تحضير صلصة تُضاف إلى طبق السباغيتي، فقد يؤدي ذلك إلى خسارة كميات كبيرة من الفيتامين "سي" من الطماطم، إلا أنه يزيد في الوقت ذاته من تركيز الكارتنويدات فيها. فإذا قُمت بإعداد صحن من سلطة الخضار الحاوية على الطماطم الطازجة إلى جانب طبق المعكرونة الشهي، فسيكون ذلك رائعاً جداً. وإذا رغبت بجمع المجد من أطرافه، فقم بإضافة بعض شرائح الفطر المشوي إلى تلك السلطة.. وصحة وعافية!