تمثل درجات الحرارة المرتفعة الناجمة عن التغيّر المناخي تحدياً صحياً عالمياً. هناك أدلة علمية على أن تلوث الهواء والطقس الحار يزيدان من خطورة أمراض القلب والأوعية الدموية، مثل النوبات القلبية وفشل القلب وعدم انتظام ضربات القلب. كما تتزايد الأدلة حول التأثير المشترك الناجم عن التفاعل بين درجة الحرارة وتلوث الهواء على صحة الناس.
وفقاً لدراسات ومراجعات مختلفة، يبدو أن التعرّض لكلا العاملين يؤثر على صحة الإنسان بطرقٍ متشابهة. يرتبط التعرض للجسيمات المحمولة بالهواء بالالتهابات وزيادة خطورة حدوث الخثرات الدموية. قد تزيد الحرارة أيضاً من خطر حدوث الخثرات الدموية وتسهم برفع مستويات الكوليسترول. بينما أنظمة أجسامنا تعمل بشكل أبطأ في درجات الحرارة المنخفضة، مما قد يجعل تأثير تلوث الهواء أقل خطورةً في الأيام الباردة.
تُعد أمراض الدورة الدموية، والتي تشمل أمراض القلب والأوعية الدموية، السبب الرئيسي الأكثر شيوعاً للوفاة في جنوب أفريقيا في عام 2016، وكانت السبب في 18.5% من الوفيات.
ولكن حتى الآن، لم يُدرس التأثير المشترك الناتج عن التفاعل بين درجة الحرارة وتلوث الهواء وتحديد دورهما في هذه الأمراض بشكلٍ قاطع في جنوب افريقيا أو في باقي بلدان القارة الافريقية. تُعتبر دراستنا الأولى من نوعها في أفريقيا، فقد نظرنا في العلاقة بين درجة الحرارة وتلوث الهواء ودخول المستشفيات بسبب أمراض القلب والأوعية الدموية في كيب تاون- حيث كانت نوعية البيانات جيدة.
ماذا وجدنا؟
شملت دراستنا 54.818 حالة دخول للمستشفيات خلال الفترة من كانون الثاني/يناير 2011 إلى تشرين الأول/أكتوبر 2016.
تضمنّت المواد التي أدرجناها في الدراسة ثاني أكسيد النتروجين وثاني أكسيد الكبريت وما يُعرف بـ«PM₁₀» أو الجسيمات الدقيقة التي تتكون من هباب الفحم والدقائق الكيميائية الأخرى في الهواء. تشمل مصادر تلوث الهواء في المدينة حركة المرور والصناعة وحرق الخشب للتدفئة وحرق النفايات والغبار الناجم من الطرق غير المعبدة وحرائق الغابات الموسمية.
تجاوزت مستويات «PM₁₀» اليومية المعيار الذي وضعته منظمة الصحة العالمية لجودة الهواء في 90 يوماً من أصل 2131 يوم، بينما تجاوزت مستويات ثاني أكسيد الكبريت المستوى المسموح به في 56 يوماً. كان متوسط مستوى «PM₁₀» خلال فترة الدراسة أعلى من مستواه في بعض المدن الأوروبية، مثل أمستردام وكوبنهاجن، ولكنه أقل من مثيله في مدن أخرى حول العالم، مثل موسكو والقاهرة وهونج كونج.
كما درسنا درجة الحرارة الظاهرية «Tapp» خلال نفس الفترة. وهي تعكس التجربة الفيسيولوجية للتعرّض المشترك لكلٍّ من درجة الحرارة والرطوبة في نفس الوقت، وهو مؤشرٌ أفضل لدرجة الحرارة.
كان متوسط درجة الحرارة الظاهرية 16.3 درجة مئوية. حددنا الأيام الدافئة بأنها الأيام التي تكون فيها «Tapp» أعلى من 20.3 درجة مئوية والأيام الباردة بأنها الأيام التي كانت فيها قيمة «Tapp» أقل من 12.3 درجة مئوية. على مدار 2131 يوماً من الدراسة، كان هناك 529 يوماً دافئاً و546 بارداً، وقد كان هذا النهج مماثلاً لنهج الدراسات الأخرى. قد تختلف مصادر وتراكيب ملوثات الهواء الكيميائية باختلاف مؤشرات الطقس مثل مؤشر «Tapp». كانت مستويات «PM₁₀» و «Tapp» مرتبطة ارتباطاً إيجابياً- احتوى الهواء على المزيد من هذه الجسيمات في الأيام الأكثر دفئاً. بينما كان ارتباط كلٍّ من ثاني أكسيد النتروجين وثاني أكسيد الكبريت سلبياً مع «Tapp»، مما يعني أن مستوياتهما أعلى في الأيام الباردة.
وجدنا أن خطر دخول المستشفى لأمراض القلب والأوعية الدموية لم يكن هو نفسه للجميع. كان هناك تأثيرٌ لدرجة الحرارة الظاهرية، حيث لم تترافق المستويات العادية منها( بين 12.3 درجة مئوية و 20.3 درجة مئوية) بارتفاع حالات دخول المستشفى بالنسبة للحالات المتعلقة بهذه الأمراض.
عندما كانت مستويات تلوث الهواء أعلى- سواء في الأيام الحارة أو الباردة- كان الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و 64 سنة الفئة الأكثر عرضةً لدخول المستشفى بسبب أمراض القلب والأوعية الدموية. فقد ازداد القبول في المستشفيات ضمن هذه الفئة العمرية بزيادة مستويات PM₁₀، وقد كان عدد الحالات التي دخلت المستشفى أكثر في الأيام الدافئة من الباردة. قد يُعزى ذلك إلى أن الأشخاص في هذه الفئة العمرية تمارس نشاطاً أكثر في الهواء الطلق من كبار السن ويتعرضون لدرجات الحرارة الخارجية وتلوث الهواء بشكلٍ متزامن.
كما ظهر أنّ الإناث أكثر عرضةً للخطر من الذكور مع ارتفاع مستويات PM₁₀، في المقابل، كان الذكور أكثر عرضةً من الإناث لتأثير ثاني أكسيد النيتروجين وثاني أكسيد الكبريت.
ما الذي يجب فعله؟
من مشاكل التي واجهتنا في دراستنا أننا استخدمنا سجلات المرضى الإلكترونية من المستشفيات الخاصة، والتي لا تمثل سوى نسبة ضئيلة من السكان. في الوقت الحالي، لا تتوفر البيانات الإلكترونية بسهولة من المستشفيات العامة. كما شملت الدراسة مدينةً واحدة فقط في جنوب إفريقيا. لذلك لا يمكن تعميم النتائج على جميع المدن في البلاد.
كان هناك مشكلةٌ أخرى تمثلت بعدم توفر بياناتٍ لملوّثٍ آخر وهو «PM₂.₅»، حيث يُعتقد أنه أكثر سمية من PM₁₀ لأنه ينفذ أعمق في الرئتين.
يمكن الاعتماد على نتائج الدراسة في بناء استراتيجيات الصحة العامة لتقليل خطورة الحالات الاسعافية المرتبطة بأمراض القلب والأوعية الدموية، حيث يمكن أن تتضمن هذه الاستراتيجيات أنظمة انذارٍ مبكر تستهدف بشكلٍ خاص الفئات الفرعية السكانية الضعيفة.