تعرف إلى داء الفيالقة الذي يصيب الجهاز التنفسي

4 دقائق
داء الفيالقة, أمراض الجهاز التنفسي, التهاب الرئة, صحة

منذ أن اكتشف علماء الأوبئة مرض «الفيالقة» التنفسي منذ ما يقارب من 50 عاماً، عرفنا كيفية الكشف عنه ومعالجته والوقاية منه. ولكن، لماذا لا يزال البعض يموت بسببه، ولماذا تزداد أعداد المصابين به كلّ عام؟

في الولايات المتحدة الأميركية، توفيت العام الماضي امرأة بالمرض، وأصيب أكثر من 70 شخصاً في أكبر جائحة للمرض حدثت في تاريخ ولاية جورجيا، وذلك بعد أن ظهرت أول الإصابات من فندق «شيراتون أتلاتنتا»، في منتصف يوليو/ تموز العام الحالي.

تشير الإحصاءات إلى أن عدد المصابين بالمرض قد ازداد بين عامي 2000 - 2017 بنسبة تجاوزت 500% في الولايات المتحدة. ووفقاً للإحصائيات هناك؛ فإن العديد من العوامل التي ساهمت في هذه الزيادة هي حدوث زيادة حقيقية في أعداد المصابين به، بالإضافة إلى تعرض الأشخاص الأكبر سناً لاحتمال أعلى للإصابة به، وتقدّم أساليب التشخيص والكشف عنه، وتحسن عمليات الإبلاغ عن المرض، وقيام الإدارات الصحية بإجراء تحقيقاتٍ موسّعةٍ في حالات تفشي المرض. ورغم تقدم طرق كشف المرض وعلاجه، تبقى حقيقةُ أن هناك أكثر من 6000 إصابة سنوياً، يُتوفى منهم أكثر من 250 شخصاً بسبب مرضٍ يمكن الوقاية منه إلى حدٍ كبير.

وبصفتي اختصاصياً في الأمراض الوبائية في جامعة نيفادا، كلية الصحة العامة في لاس فيغاس، فقد كنت أقوم لما يقرب من 15 عاماً بالتحقيق في تفشّي الأمراض في لاس فيغاس. فقد حققت في مناسباتٍ كثيرة حول مرض «الفيالقة» في الفنادق والملاهي المنتشرة في شارع «لاس فيغاس ستريب» المشهور، بما فيها أحد المجمّعات السياحية التي كانت تنقل المرض للسياح، حيث قمت بالتحقيق في انتشار المرض فيها مراراً على مدى ثمانية أعوام.

ما هو مرض الفيالقة؟

هو شكل من أشكال الالتهاب الرئوي يحدث بسبب البكتريا الفيلقية الرئوية. يمكن أن تصيبك المياه الملوثة بالمرض إذا دخلت قطرات المياه المجهرية الحاملة للعامل الممرض إلى مجرى التنفس. كما أن المرض لا ينتقل إليك من شخصٍ مصاب لآخر خلال التعامل العادي اليومي.

وفي حال الإصابة، قد يستغرق المرض نحو 10 أيام حتى تبدأ أعراضه في الظهور. تبدو أعراضه في البداية مشابهةً لأعراض حالة حادة من الأنفلونزا، مصحوبة بحمى شديدة وسعال وضيق تنفس، وآلام في العضلات وصداع. ثم يتطور المرض إلى التهابٍ رئوي بعد يومين، حيث تتراكم السوائل في الرئتين تدريجياً مما يجعل التنفس صعباً.

وبين عامي 2014 وَ 2015، استقبلت المستشفيات أكثر من 95% من حالات الإصابة بالمرض. ومع أن المرض يمكن معالجته بالمضادات الحيوية، إلا أن حالات الوفاة حوالي واحد من أصل 8 مصابين.

وعلى الرغم من أن المرض يمكن أن يصيب الأشخاص من مختلف الأعمار، إلا أن أكثر من 80% من الحالات المُبلغ عنها كانت أعمارهم 50 عاماً وأكثر، و60% منها كانوا من الرجال. كما يُعتبر المدخنون والذين يعانون من أمراض الرئة الخطيرة -مثل انتفاخ الرئة أو الإنسداد الرئوي المزمن-؛ هم أكثر عُرضةً للإصابة، بالإضافة إلى الأشخاص الذين تضعف مناعتهم بسبب تناولهم أدوية معينة، أو يعانون من مشاكل صحية أخرى مثل الإصابة بمرض السرطان أو السكري.

كيف ينتقل المرض؟

في الحقيقة عُرف الكثير عن هذا المرض وكيفية انتشاره منذ اكتشافه، وتوصيفه منذ حوالي 50 عاماً عام 1976، حين أصيب به ما يقرب من 180 شخصاً من المشاركين في مؤتمر «اتفاقية الفيلق الأميركي» الذي أقيم في فيلادلفيا، حيث يعود أصل تسمية المرض «الفيالقة» إلى هذا المؤتمر. توفي من المصابين 29 شخصاً خلال أيام، كان العامل الممرض (البكتريا الفيلقية الرئوية) مجهولاً حينها، واستغرق اكتشافه عدة أشهر بعد ذلك الحادث، حيث عثر المحققون على البكتيريا في برج التبريد في الفندق، ومنه انتشر عبر نظام التكييف في جميع أرجاء الفندق.

تعيش البكتيريا التي تسبب المرض عادةً في المياه العذبة في جميع أنحاء العالم، لذلك تُعتبر الوقاية منها تحدٍ من نوعٍ مختلف. كما تتواجد البكتيريا في شبكات وأنظمة مياه البنية التحتية التي يقيمها الإنسان في المنشآت الضخمة، مثل خزّانات المياه الساخنة، وأبراج التبريد والبخّاخات والنوافير، وحتّى في أنظمة تمديدات مياه الشرب، والصرف الصحي في المباني الكبيرة.

هناك شرطان لانتقال البكتيريا لكي تحدث العدوى. أولاً، يجب أن يستنشق الشخص قطرات الماء الدقيقة الحاملة للبكتيريا، وتدخل إلى جهازه التنفسي. ثانياً، يجب أن تتكاثر داخل الجسم بقدرٍ كافٍ لتحدث الإصابة. لا يمكن التحكم بالعامل الأول إطلاقاً. فمثلاً، إن كنت تستحم فلا يوجد هناك وسيلةٌ لمنعك من تنفس الهواء المشبع ببخار الماء المشبع بالبكتيريا.

خطورة البكتيريا الفيلقية

نظراً لأن هذه البكتيريا تعيش في المياه العذبة في كافة أنحاء العالم، فمن المستحيل تجنّب دخولها في الأنظمة المائية التي يصممها الناس، ويجعل من محاولة منعها من الانتشار تحدٍّ كبير. فهي تستطيع العيش لوقتٍ طويل في أنابيب وتمديدات أي نظامٍ مائي، مثل تلك الموجودة في الفنادق، ودور رعاية المسنين، وحتى مياه الاستحمام أيضاً في المنزل.

يُعد التحكم بدرجة حرارة المياه في أنظمة المياه والأنابيب هي العامل الأهم في الحد من نمو البكتيريا الفيلقية. حيث تتراوح درجة الحرارة المثالية لتكاثرها بين 25 - 42 درجة مئوية، وكلما طالت فترة بقاء الماء في الأنابيب أكثر، زادت فرصة تكاثرها أكثر. هذا هو سبب ارتفاع عدد الإصابات في فصل الصيف وبدايات الخريف، حيث يصعب التحكّم في درجة حرارة الماء وعزلها عن المدى الحراري الخطر في الجو المحيط.

وبالتالي، تقع المسؤولية الأكبر في الوقاية من مرض الفيالقة على عاتق مُلاك ومديري المباني، لأنهم مطالبين بتنفيذ برنامج إدارةٍ متكاملة لأنظمة المياه والصرف في منشآتهم، وصيانتها لمنع انتشار البكتيريا. في الواقع، أنظمة المياه في المباني التجارية والسياحية أكثر تعقيداً من تلك الموجودة في منازلنا. فهي تحتوي على أنابيب يصل طولها لأميال، ويبقى الماء فيها لفتراتٍ طويلة، مثل الماء الموجود في أنظمة التبريد والتكييف، وفي حمامات السباحة، ونوافير الماء في الساحات وغيرها. يجب أن تُجرى عليها عمليات الصيانة الصحيحة دائماً لمنع انتشار البكتيريا. ويكتسب ذلك أهمية خاصة في المستشفيات ودور رعاية المسنين، حيث تحصل 20% من حالات العدوى للأشخاص الأكثر عرضة لانتقال البكتيريا إليهم.

ورغم الإجراءات الوقائية المُتخذة -وكما رأينا كيف تفشّى المرض في أتلانتا وفي مئات الحالات الأخرى طوال السنوات الماضية-، يمكن أن يصيب المرض أي شخصٍ في أي وقت.

وبعد تدارك الخطأ الذي حدث في أتلانتا، قد يتخذ خبراء الصحة العامة المزيد من الإجراءات الوقائية من مرض الفيالقة، والأمر منوط بأصحاب المنشآت، والقائمين عليها أيضاً لاتخاذ التدابير اللازمة والمناسبة للوقاية من المرض.

ولسوء الحظ، لا يمكن للعامّة الوقاية من المرض سوى بحبس أنفاسهم.

تم نشر المقال في موقع ذا كونفيرسيشن

المحتوى محمي