هناك عالمٌ كاملٌ يعيش بيننا في كل زاويةٍ من منازلنا، عالمٌ لن نراه أبداً، إنه عالمُ الكائنات المجهرية. تتواجد هذه العوالم الصغيرة المعقّدة من البكتريا والفطريات والفيروسات على كل سطح، وحتى في الهواء الذي تتنفسه. وعلى العكس من بيئة أنابيب المياه وتجهيزات المطبخ التي تستعملها باستمرار؛ يحافظ هذا النظام البيئي المجهري على استمراريته طالما أننا لا نتدخل فيه كثيراً.
قد يبدو مُصطلح «ميكروبيوم» معقداً نوعاً ما، لكن من السهل جداً فهمه. تقول «إيريكا هارتمان»، عالمة الأحياء الدقيقة بجامعة نورث ويسترن: «الميكربيوم عبارة عن مجموع الأحياء الدقيقة التي تعيش ضمن بيئةٍ محددة». ربما سمعت بهذا المصطلح من قبل عند الحديث عن الأحياء الدقيقة التي تعيش في أمعائك، ولكّن الميكروبات توجد في أيّ مكانٍ توجد فيه الحيا، ولكلّ بيئة -حتى محطة الفضاء الدولية- لها ميكروبيوم خاص.
وبالرغم من أن البكتيريا والفيروسات والكائنات الأخرى تُشتهر بأنها تنقل الأمراض المعدية إلينا، لكن لا تقلق، فهي ليست سيئة بطبيعتها. تقول إيريكا: «عموماً، حقيقة أن منزلك يحوي ميكروبيوم ليس أمراً سيئاً، هناك ميكروبيوم في كلّ مكان. فمعظم الميكروبيومات الموجودة في منزلك لا يمكنها أن تتسبب الأمراض. تشغل هذه الميكروبيومات أماكن في بيئة منزلك، ولو لم تكن تشغلها لملأتها كائنات دقيقة أخرى يمكن أن تسبب العديد من الأمراض. وكلّما كانت البيئة مغلقةً أكثر، زاد احتمال انتقال الميكروبات فيها إليك. لذلك يكتسب تجنّب مسببات الأمراض هذه أهميةً خاصّة في البيئات المغلقة، حيث نقضي معظم أوقاتنا».
تأتي الميكروبات من مجموعة متنوعة من المصادر. فهناك تلك التي تعيش على أجسامنا طوال الوقت، والميكروبات التي تأتي إلينا عبر الهواء من الخارج، وتلك التي تعيش على حيواناتنا الأليفة وعلى الحشرات الصغيرة التي تعيش في المنزل. عموماً، توجد في كل مكان من المغسلة إلى مروحة السقف وحتّى الهواء.
وبالرغم من أنّ العلماء يعلمون أن الميكروبات تقيم في بيئة بيوتنا، إلا أنهم لا يعلمون الكثير عن الأنواع الموجودة، والتي تشيع أكثر من غيرها. السبب في ذلك هو أنّ العلماء ما زالوا يعملون على اكتشاف الطرق المُثلى لتحديد وتقدير أعداد جميع الأحياء الدقيقة الموجودة في الميكروبيوم، لأن الميكروبات كائناتٌ مجهرية لا يمكن رؤيتها إلا تحت المجهر، بينما تتطلب رؤية الفيروسات مجاهر ذات قدرةِ تكبيرٍ أكبر لأنها أصغر بنحو 100- 500 مرة من البكتيريا. بالإضافة إلى ذلك، فإن تقدير الميكربيومات في كل منزلٍ يستغرق وقتاً طويلاً جداً نظراً لكبر حجم المنازل غالباً وتنوعها.
يبذل العلماء الجهود حالياً لفهم الميكروبيوم في المنازل بشكلٍ أفضل، وذلك لأنّها في وضعٍ جيّدٍ يسمح لها بالتطور والتكيّف لدرجةٍ يمكن لها عندها أن تصبح أكثر خطورةٍ علينا. ولدراستها، يقوم الباحثون بأخذ مسحاتٍ من مختلف الأسطح في المنزل، ومن ثم تحديد أشكال الحمض النووي الموجود في تلك المُسحات. غالباً ما يتكوّن الحمض النووي الممسوح من مجموعةٍ متنوعة من المصادر الميكروبية مثل الفيروسات والبكتيريا والفطريات بالإضافة للعتائق (كائناتٌ دقيقة شبيهة بالبكتيريا تسمّى أيضاً بالبَدْئيات)، وبالطبع، تشمل على الحمض النووي للبشر والحيوانات الأليفة بكمياتٍ أكبر. من خلال عزل الحمض النووي العائد للميكروبات في المسحات، وتحديد أنواعها بدقّة؛ يمكن للعلماء معرفة مكوّنات الميكربيوم الموجود في منزلك.
اكتشف العلماء أن الميكروبيوم المنزلي متنوّع إلى حدٍ كبير في جميع أنحاء العالم. فقد عملت هارتمان على دراسةٍ جمعت كل أنواع البكتيريا المُكتشفة في المنازل في الدراسات السابقة، ووجدت أن العديد من العوامل -مثل الرطوبة والإضاءة، ودرجة الحرارة، والأشخاص الذين يعيشون فيه، وحتّى موقع المنزل- تؤّثر بمجملها على ميكروبيوم المنزل.
في هذه المرحلة من البحث، تقول هارتمان: «لست متأكدةً كيف سنستفيد من هذه المعلومات التي جمعناها». لكنّها -والعلماء الآخرون- ما زالوا يرغبون في فهم ميكروبيوم المنزل، والدور الذي يلعبه في عالم الميكروبيومات.
الهدف النهائي من دراسة هارتمان كان البحث في كيفية مساهمة الميكروبات في البيئة المنزلية؛ في ظهور جراثيم فائقة المقاومة للمضادات الحيوية. فجميع الميكروبات -والمعقمات والأدوية المُستعملة في المنزل- تخلق ظروفاً مناسبةً لتتطور الميكروبات، وتصبح أكثر مقاومةً. في الواقع، إن تطوير الميكروبات لمقاومتها أمرٌ سيء لعدة أسباب، لأن ذلك سيؤثر على صحّة الإنسان، ويجعل علاج بعض الأمراض المعدية أقل فعاليةً. وهو أيضاً يؤثر على مصادر غذائنا، لأن ازدياد المقاومة لدى الميكروبات المسببة للأمراض يهدد حياة الحيوانات التي نتغذى على منتجاتها، ويؤثر على العالم الطبيعي إجمالاً.
في الحقيقة يمكنك المساهمة في مواجهة هذه المشكلة. حيث يمكنك الحدّ من استخدام المضادات الحيوية في منزلك بسؤال الطبيب إن كنت مضطراً لاستخدامها أم لا. يمكنك الحد من استخدام أنواع الصابون والمنظفّات المُعقّمة للجراثيم مثلاً إلا في حالة كان هناك حاجةٌ ماسة لاستخدامها (لأنها تقتل البكتريا الجيدة والسيئة على حدٍّ سواء).
إذاً، كيف يمكننا المحافظة على منزلنا خالياً من الميكروبات الخطيرة التي يمكن لها أن تُسبب لنا الأمراض، وفي نفس الوقت، المحافظة على البكتيريا الجيدة؟ نظراً لأن الرطوبة توفر بيئةً ملائمةً لإيواء الميكروبات، فإن إبقاء الأشياء في المنزل جافة قدر المستطاع هو فكرة جيدة عموماً للحدّ منها. يشير الباحثون إلى أن استبدال أدوات التنظيف مثل إسفنجة المطبخ أسبوعياً، وغسل المناشف المُستخدمة في المطبخ بانتظام (وهي أشياء غالباً ما تبقى رطبة وتتعامل معها يومياً)؛ هي وسيلةٌ جيدة لمنع نمو الميكروبات المسببة للأمراض.
إذا كنت تشعر بالفضول لمعرفة البكتيريا التي تعيش في منزلك، تقترح هارتمان زيارة موقع «Community of Microbes»، وهو منصّةٌ إلكترونية أنشأها عالمٌ في الأحياء المجهرية، تخبرك بالكثير عن أنواع الميكروبات المختلفة التي تعيش في منزلك وبيئتك المحيطة. ولا تنسى، كن حكيماً في منزلك، وابتعد عن استعمال صابون اليد المُطهّر للبكتيريا.