تنتشر الإصابة بالسمنة بين الأميركيين على نحوٍ كبير، وتظهر آثارها جلية على القلب والأوعية الدموية، إذ أن واحدة من كل أربع وفيات في البلاد سببها أمراض القلب. على مر السنين، أوصى أخصائيو أمراض القلب بمجموعة واسعة من التدابير لمنع حدوث هذه الوفيات، مثل تقليل كميات الملح في الطعام، وتناول الأغذية والمكملات الغذائية التي تحتوي على الأوميغا 3. لكن، لسوء الحظ، لا تجدي نفعاً سوى القليل من هذه الإجراءات.
تظهر مراجعة حديثة، نشرت في دورية "Annals of Internal Medicine"، عدم جدوى تلك التدابير التي كان يوصي بها الأطباء، فبعد الاطلاع على البيانات المتوافرة عن 24 مكملاً غذائياً وتغييراً في النظام الغذائي، وجد الباحثون أن حفنة فقط من هذه التدابير لديها مفعول يذكر. يبدو أن أحماض الأوميغا 3 الدهنية تقلل على نحو طفيف من خطر الإصابة بالنوبات القلبية، وأمراض الشريان التاجي، بينما يخفض تقليل تناول الملح من خطر الوفاة بسبب أمراض القلب والأوعية الدموية عند المصابين بارتفاع ضغط الدم. ويخفض تناول حمض الفوليك من خطر الإصابة بالنوبات القلبية، لكن مكملات الكالسيوم وفيتامين د تزيد من هذا الخطر. باقي التدابير التي فحصها الباحثون لم يكن لها أي مفعول، وشمل ذلك حمية البحر الأبيض المتوسط، وخفض كمية الدهون المشبعة، وتناول أنواع أخرى من الفيتامينات. وإنما كان ما وجدوه في الغالب أدلة ضعيفة.
ما توصل إليه الباحثون هو غياب أدلة حاسمة تدعم التدابير التي يوصي بها الأطباء. في افتتاحية الدورية، أشار أخصائيو أمراض القلب، أميتاب باندي وإريك توبول، إلى أن: "الأنظمة الغذائية والمكملات الغذائية هما من أكثر المجالات التي يهتم بها الناس، لكنهما أيضاً من أكثر مجالات البحث التي تفتقر إلى البيانات". إن الدراسات طويلة المدى اللازمة لمعرفة ما إذا كان مكمل غذائي معين -مثلاً الدهون المشبعة أو فيتامين (د)- له تأثير على احتمال وفاة شخص ما بأمراض القلب والأوعية الدموية مكلفة للغاية، وتستغرق وقتاً طويلاً. هذا يعني أن عدد الدراسات المنجزة في هذا الحقل البحثي قليل، وحتى عندما ينبري لها الباحثون، فهم يجرونها بطريقتهم الخاصة.
اعتمد الباحثون في دراستهم لتأثيرات حمض الفوليك على تجربة الوقاية من النوبات القلبية في الصين. كما يوحي الاسم، فقد أجريت هذه التجربة في الصين وركزت على الحد من خطر النوبات القلبية لدى الأشخاص المصابين بارتفاع ضغط الدم. مع ذلك، يشير الباحثون إلى أن زيادة كميات حمض الفوليك في الأغذية غير شائع في الصين، كما هو الحال في الولايات المتحدة. لذلك فهم يرون أن النتائج التي انتهت إليها الدراسة، أي أن زيادة كمية حمض الفوليك تقلل من خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، ربما تثبت أن المشاركين في التجربة كانوا يعانون في الأصل من نقص في حمض الفوليك. إذن، هل سيساعد تناول مزيد من حمض الفوليك شخصاً في الولايات المتحدة يتناول بالفعل كمية كافية منه؟ لا أحد يملك إجابة شافية.
تقريباً كل دراسة حول الموضوع بها عيوب مماثلة، فهي تنظر كلها إلى نتائج بعينها -مثل معدل وفاة المرضى الذين يعانون من ارتفاع ضغط الدم جراء النوبات القلبية، أو معدل الوفيات بمختلف الأسباب عند الأشخاص المعرضين لخطر الإصابة بأمراض القلب، والذين لا يعانون منها بعد -عوضاً عن البحث في الجوانب العديدة المرتبطة بصحة القلب. كذلك، تبحث هذه الدراسات في مدى تأثير كل إجراء على حدة على صحة القلب. ربما يختبر بعض الباحثين جرعات مرتفعة من الأوميغا 3، بينما يقوم بعضهم باختبار تركيبات خاصة، ويمكن أن يقيس الباحثون الذين يجرون تجارب على الفيتامين (د) مقدار تأثير جرعات متعددة على مجموعات سكانية مختلفة، وفي نطاقات زمنية متباينة.
النتيجة هي أن كثيراً مما توصلت إليه هذه الدراسات الفردية لا يمكن تعميمه على الحالات جميعها، إذ قد يكون هناك اختلاف كبير في كيفية استجابة كل شخص لتلك التدابير، حتى بين المشاركين في الدراسة نفسها. وذلك ما تؤكده افتتاحية الدورية: "فقط في الآونة الأخيرة، مع ظهور تعلم الآلة، وإمكانية تحليل مجموعات ضخمة من البيانات، تشمل معلومات متنوعة عن النشاط البدني، والنوم، والأدوية، والخصائص الديموغرافية للسكان، ومقدار استهلاك الطعام، وتوقيت تناول الأطعمة والمشروبات، والكائنات الحية الدقيقة الموجودة في الأمعاء، أدركنا أن اتباع نظام غذائي معين أو تناول مكمل غذائي ما من المرجح أن يكون له آثار متباينة من شخص إلى آخر".
دراسة DIETFITS خير مثال على ما جاء في الافتتاحية، رغم أنها لم تركز على أمراض القلب والأوعية الدموية. في هذه الدراسة، أخضع الباحثون في جامعة ستانفورد 609 مشاركاً لنظام غذائي منخفض الكربوهيدرات، ونظام غذائي منخفض الدهون، وكانت النتائج النهائية متباينة، إذ خسر المشاركون من المجموعتين ما معدله 12 رطلاً في السنة. قد توحي هذه النتائج بأنه لا يهم حقاً أي نظام غذائي يتم اتباعه، وهذا صحيح إلى حدٍ ما، إذ تركز الأنظمة الغذائية الفعالة في الغالب على استهلاك سعرات حرارية أقل، وإجراء تغييرات بسيطة يمكن الالتزام بها. لكن عند معاينة المشاركين في كل مجموعة على حدة، يتبين أن بعضهم قد فقدوا ما يزيد عن 60 رطلاً، بينما اكتسب آخرون أزيد من 20 رطل. في الواقع، ما تخبرنا به الدراسة هو أن النظام الغذائي منخفض الدهون مناسب لبعض الأشخاص وغير ملائم لآخرين، والأمر نفسه ينطبق على النظام الغذائي منخفض الكربوهيدرات، أو أي نظام غذائي آخر، ذلك أن استجابة بعض الأشخاص لهذه التغييرات تكون جيدة، أما بعضهم فتكون استجابته سيئة.
لذلك، عندما تشير دراسة ما إلى أن التقليل من تناول الملح ليس له سوى تأثير طفيف، إن كان له فعلاً تأثير يذكر، فمن المحتمل جداً أن يلاحظ بعض الناس تحسنات هائلة في ضغط الدم عندهم إذا استهلكوا كميات أقل من الملح، مثلما يمكن لآخرين التوقف عن تناوله تماماً، ومع ذلك لا يلاحظون أي تغيير في ضغط الدم.
أما المكملات الغذائية فحالتها مختلفة بعض الشيء، حيث أظهرت الدراسات والتحاليل التي أجريت على مكملات الفيتامينات، خاصة متعددات الفيتامينات، أنها مضيعة للموارد. وتشير آخر الأبحاث إلى أنه على الرغم من حاجتنا إلى الفيتامينات والمعادن لكي نتمتع بصحة جيدة، فإن تناول هذه العناصر المغذية على شكل أقراص طبية لا يساعدنا بقدر ما يساعدنا تناول الأغذية التي تحتوي عليها. مع أنه ليس بالإمكان القول أن عنصراً غذائياً معيناً سيكون له تأثير حاسم على الصحة، يبقى لاتباع نظام غذائي متوازن مليء بالحبوب الكاملة والفواكه والخضروات والبقوليات، مع تقليل الأطعمة المصنعة، وكذلك اللحوم الحمراء، فوائد جمة. لذا، ينبغي أن تتبع حمية غذائية متوازنة تحافظ على صحتك، حتى لو كان من الصعب تحديد أي الأطعمة لها تأثيرات إيجابية على قلبك.
النصيحة الأخرى التي تستحق أخذها في الاعتبار هي ضرورة ممارسة الرياضة، إذ أن ما يقرب من 80% من الأميركيين لا يحصلون على الكفاية منها. لكن الخبر السار هو أن القيام بنشاط بدني كيفما كان أفضل من لا شيء، لذلك، اركب الدراجة أو تمشى لـ 30 دقيقة أو مارس السباحة. فإن لم تستطع إلى ذلك سبيلاً فاخرج إلى حديقتك وازرعها. لكن لا تنسى أن تستشير طبيبك حول التدابير الصحية المناسبة لك. ليست الوصفات الطبية كلها على قدم المساواة، إذ إن قلبك يحتاج اهتماماً خاصاً وتدابير ملائمة له.