تنطوي الهواتف المحمولة على الكثير من المخاطر، ولكن السرطان ليس من بينها

4 دقائق
إن نتائج الدراسة الجديدة حول العلاقة بين الهواتف المحمولة والسرطان -وغيرها من الأبحاث التي درست الأمر على مدى عقد من الزمن- لم تسفر عن الكثير في سبيل توضيح الفهم الغامض لدور الهواتف المحمولة في نشوء السرطان.

بعد أن استغرق الأمر عشر سنوات وكلَّف 30 مليون دولار وآلاف الفئران، تم مؤخراً نشر نتائج إحدى أكبر الدراسات حول العلاقة بين نوع الإشعاع المنبعث من الهواتف المحمولة وخطر الإصابة بالسرطان. إنها أحدث الدراسات التي تبحث هذه العلاقة (وإحدى أكبرها أيضاً)، وقد خلُص البرنامج الأميركي الوطني للسموم الذي أجرى الدراسة إلى أن البيانات أظهرت ارتفاعاً طفيفاً في نشوء نوعين من السرطانات عند الفئران التي تعرَّضت لإشعاع التردُّدات اللاسلكية.

ومع ذلك فالنتائج غالباً ليست سبباً للقلق بشأن صحة الإنسان، فسرعان ما أشار الخبراء -بمن فيهم أولئك الذين عملوا في المشروع- إلى أن الدراسة أُجريت على الفئران واستخدمت مستويات إشعاع أعلى بكثير من الكمية التي تنجم عن الاستخدام العادي للهاتف المحمول، ولا يمكن تعميمها مباشرة على البشر.

وبالإضافة إلى ذلك، يقول كريستوفر لابوس (الطبيب والزميل في مكتب ماكجيل للعلوم والمجتمع) إن الزيادة الملحوظة في السرطان قد تكون نتيجة للصدفة فقط؛ ففي مثل هذه الدراسات يقوم الباحثون بفحص عشرات الأعضاء والأنسجة للكشف عن الأورام، وفي الواقع فإن العثور على بعض السرطانات عند آلاف الفئران ليس مستغرباً، كما أن الفئران التي تعرَّضت للإشعاع عاشت فترة أطول من الفئران التي لم تتعرَّض له.

ويمكن القول بعد ذلك كله إن نتائج هذه الدراسة -وغيرها من الأبحاث التي درست الأمر على مدى عقد من الزمن- لم تسفر عن الكثير في سبيل توضيح الفهم الغامض لدور الهواتف المحمولة في نشوء السرطان. ويقول كينيث فوستر (الحاصل على الأستاذية الفخرية في الهندسة الحيوية من جامعة بنسلفانيا) إن الدراسة بحدِّ ذاتها تم تخطيطها وتنفيذها بدقة، ولكن النتائج كانت ضعيفة ويصعب تفسيرها.

ويُذكر أن الأبحاث حول العلاقة بين الهواتف المحمولة والسرطان مستمرة منذ التسعينيات، عندما رفع ديفيد رينارد دعوى قضائية ضد إحدى شركات الهاتف المحمول بعد أن أصيبت زوجته بسرطان الدماغ. ومنذ ذلك الحين كان من الصعب فهم معظم النتائج، سواءً من الدراسات التي أجريت على الحيوانات أو الدراسات الوبائية البشرية، التي تتتبَّع كمية استخدام الهاتف المحمول والإصابة بالسرطان.

ويقول فوستر إنه عندما كان يتم تحديد العلاقات بين الأمرين من خلال البيانات، فقد كانت أصغر بكثير من أن نتمكَّن من تفسيرها بثقة، ويضيف: "عندما تتعامل مع التأثيرات الصغرى، فإنك تحاول التلاعب بالأدلة من علم الأوبئة الذي يعدُّ أقلَّ من مُقنِع، ومن الدراسات الحيوانية التي تعدُّ أقل من مُقنِعة أيضاً".

كما أظهرت الدراسات أدلة متضاربة، فمثلاً دراسة الإنترفون التي ضمَّت 13 بلداً لم تُظهر إلى حدٍّ كبير أي زيادة في الإصابة بالسرطان، على الرغم من أن أحد التحليلات وجد زيادة ذات دلالة إحصائية (وإن كان من الصعب تفسيرها). كما أن هناك مجموعة بحثية سويدية وجدت ارتباطاً أيضاً، ولكن الدراسات الدنماركية والبريطانية الكبيرة لم تجد أي علاقة. يقول لابوس إن النتائج المختلطة تدعم فكرة أنه ليس هناك في الواقع زيادة في خطر الإصابة بالسرطان من استخدام الهاتف المحمول، وأضاف: "عادةً ما يعني ذلك أنه لا يوجد أي تأثير؛ إذ إنك تشهد امتداداً طبيعياً للبيانات مع الصدفة العشوائية".

واستناداً إلى الأبحاث السابقة لهذه الدراسة الجديدة، قالت الوكالة الدولية لأبحاث السرطان -التي تصنِّف العوامل المسرطنة- إن إشعاع الترددات اللاسلكية يعتبر "مسرطناً محتملاً"؛ وهو تصنيف تمنحه الوكالة للعوامل البيئية التي لديها أدلة محدودة أو غير كافية تربطها بالسرطان، ولكن لم يتم استبعادها.

ويقول فوستر: "إن هذا يعني بأن هناك بعض مستويات الشك، ولكن الأدلة ليست قوية بما يكفي لاستخلاص النتائج؛ فهم ليسوا على استعداد للقول بأنه لا يوجد خطر، لأنك لا تستطيع إثبات ذلك. لكنهم بحثوا بدقة شديدة ولا يرون أدلة تشير إلى وجود مشكلة كبيرة". ولا يتوقع فوستر أن تقوم الوكالات الصحية الكبرى بتغيير توصياتها نتيجة للدراسة الجديدة، فعلى سبيل المثال لم تغيِّر إدارة الغذاء والدواء الأميركية موقفها من أن الهواتف المحمولة لا تشكل خطراً على الصحة العامة بعد تقييم نتائج هذه الدراسة الأخيرة.

ويقول إنه عندما يتعلق الأمر بصعوبة تحديد ما إذا كان شيءٌ ما يسبّب السرطان أم لا، فإن الهواتف المحمولة ليست هي الحالة الوحيدة. حيث إن من الصعب -في كثير من الحالات- التوصل إلى أي استنتاج مؤكَّد بمجرد بدء البحث. يقول فوستر: "بمجرد أن تبدأ هذه المشاكل يصبح من المستحيل حلها تقريباً، إذ لا يمكنك إثبات أن الشيء لا يسبب السرطان، وإذا لم يكن لديك دليل واضح على أنه يسببه فإنك ستظل عالقاً في هذه المنطقة الرمادية".

كما أن من المستحيل تقريباً إجراء دراسة حاسمة وعشوائية وخاضعة للسيطرة حول الهواتف المحمولة والسرطان عند البشر، يقول لابوس: "لا يمكنك أن تأخذ مجموعة من الأشخاص وتقول لهم بأن يستخدموا الهواتف المحمولة، وتأخذ مجموعة أخرى وتقول لهم بألا يستخدموها أبداً".

ويشير فوستر إلى أن الدراسات حول الهواتف الخلوية والسرطان مشابهة -في بعض النواحي- للدراسات التي تمت خلال أوائل العقد الأول من القرن الحالي حول العلاقة بين سرطان الأطفال ومدى قرب معيشتهم من خطوط الكهرباء؛ حيث بحثت مئات الدراسات الوبائية عن وجود علاقة بينهما، ولكن لم تجد سوى إشارة صغيرة في البيانات. وهو يقول: "لقد كانت إشارة صغيرة لا يمكن لأحد أن يفسرها، ولا يمكن لأحد أن يستبعدها".

كما يقول إن النتائج الثابتة والصغيرة وصعبة التفسير تعني أن القضايا تبقى مطروحة على الطاولة حتى يقرِّر الباحثون أن الأمر لا يستحق الاستمرار في إجراء نفس النوع من الدراسات التي من المرجح أن تؤدي إلى نتائج مماثلة ومحيِّرة وغير واضحة دائماً، ويضيف: "إن سبب توقفهم عن البحث ليس توصُّلهم إلى نتائج علمية، بل هو عدم وجود فائدة من الاستمرار". وهذا ما بدأ يحدث مع أبحاث خطوط الكهرباء، كما يقول فوستر: "تقول الوكالات الصحية إنه إذا كان هناك أي علاقة، فمن المرجَّح أن تكون صغيرة جداً، لدرجة أنه من غير المحتمل أن يكون لها تأثير كبير على السكان. إنهم يفضِّلون إنفاق الأموال على شيء آخر".

ويعتقد لابوس أن ذلك قد يحدث لدراسات الهواتف المحمولة والسرطان أيضاً، ويقول: "هناك بعض الدراسات الأخرى الجارية في الوقت الحالي، وإذا فشلت هذه الدراسات في إظهار أن هناك زيادة في خطر الإصابة بالسرطان، فربما لن يكون من المجدي الاستمرار في إجراء الدراسات. لا بدَّ من أن تقول (كفى) في مرحلة معينة، وإذا كان هناك أي تأثير صحي فربما كنا قد شهدناه الآن".

كما يقول إنه إذا كان هناك ما يمكن التوصل إليه بشكل نهائي، فربما هو أن استخدام الهاتف المحمول قد يكون له ارتباط نظري صغير بالسرطان، ولكن بسبب النقص الشديد في المعلومات فإنه على الأرجح لا يشكِّل خطراً كبيراً على صحة الإنسان. ويضيف: "إذا كنت تذهب إلى حديقة الحيوان فإن الدببة تشكل خطراً على صحتك، لكن خطر التعرّض للإيذاء الفعلي من قِبل الدببة منخفض، كذلك فإن خطر الإصابة بمرض فعلي بسبب الهواتف المحمولة منخفض".

ويقول فوستر بأن هناك أخطار أخرى أكثر استدعاءً للقلق من الهواتف المحمولة، كاستخدام الهاتف أثناء القيادة مثلاً. ولكن رغم كل شيء، إذا كان الناس لا يزالون قلقين بشأن إشعاعات هواتفهم، فهناك حل سهل، وهو استخدام سماعات الرأس لإجراء المكالمات الهاتفية، ويضيف: "يمكنك وضع هاتفك في مكان آخر واستخدام السماعات، وليس عليك حتى أن تملك سبباً وجيهاً للقيام بذلك".

المحتوى محمي