ثلاثة أرباع البشر قد يواجهون موجات حر مميتة بحلول عام 2100

4 دقائق
الجو يزداد حرارة في الخارج.

قتلت موجة الحر 739 شخصاً في شيكاجو عام 1995. وفي عام 2003 استهدفت حياة 70 ألف شخص في أوروبا. وبعد سبع سنوات فقط، قتلت 55 ألف شخص آخرين في روسيا.

فالحرارة الزائدة يمكن أن تقتل وقد قتلت بالفعل. وبحسب دراسة حديثة نشرت في يونيو 2016 فإن موجات الحر أصبحت أكثر شيوعاً مما نظن. وقد لاحظ واضعوا الدراسة أن حياة 30% من الناس في مختلف أنحاء العالم معرضة لتهديد الحرارة الشديدة لمدة عشرين يوماً كل سنة. وإذا لم نفعل شيئاً للحد من الانبعاثات الناتجة عن التغير المناخي والتي تسبب في ارتفاع درجات الحرارة، فإن 74 في المائة من البشر سيواجهون حوادث حر شديد ستكون اعتيادية في حينها مع حلول عام 2100. وكما هو الحال اليوم، فسيكون الموت هو مصير بعض من يتعرضون لهذه الموجات الشديدة من الحر.

وبخلاف الفيضانات، والزلازل، والأعاصير، فإن الموت الذي تسببه درجات الحرارة العالية يكون مفاجئاً، بحيث تؤدي وبشكل مباغت إلى تجاوز قدرة الجسم البشري على التحمل.

وفوق عتبة معينة (من الصعب جداً تحديدها بسبب وجود متغيرات متعددة، كالرطوبة، وأشعة الشمس، والهواء اللطيف، والطقس)، فإن الحر سيجعل الحياة أكثر صعوبة. فالهيموجلوبين الذي يلتقط الأوكسجين ويحمله إلى الدم سيكون لديه وقت أصعب للارتباط به مع ارتفاع درجات الحرارة، ليحول التنفس إلى عمل روتيني. وسيمنحنا كلّ نفَس قدراً أقل من الأوكسجين. وفي الوقت نفسه، فإن العرق يقل عند الأطفال وكبار السن، أو عندما يكون الجو شديد الرطوبة. فالعرق يبرد الجسم من خلال التبخر، ولكن الأطفال الصغار وكبار السن لا يتعرقون كثيراً، وعندما يكون الهواء مثقلاً بالرطوبة فإن العرق لا يتبخر. ولذلك فإن أجسامنا لا تبرد. وستكون ضريبة كل هذا باهظة جداً على البيئة البكر، ولكن عالمنا المتغير ليس بكراً بالمرة.

يمزج الجو الحار التلوث الذي يحمله الهواء بأشعة الشمس، مكوناً المستوى الأدنى من الأوزون (المكون الأساسي للضباب الدخاني). وبحسب الوكالة الأميركية لحماية البيئة، فإن الهواء ذا النوعية الرديئة قد يسبب آلام الصدر، السعال، التهاب الحلق، احتقان والتهاب الشعب الهوائية، انتفاخ الرئة، والربو. وقد وجدت إحدى الدراسات أن تلوث الهواء، بما في ذلك الضباب الدخاني، يقتل أكثر من ثلاثة ملايين شخص كل سنة.

ولتقدير عدد الذين سيكونون عرضة لدرجات الحرارة الخانقة تحت تأثير التغير المناخي، قام واضعو الدراسة بالبحث في 911 مراجعة شملت بيانات من 1949 دراسة حالة على مناطق يرتبط فيها ارتفاع حالات الوفاة بدرجات الحرارة المرتفعة.

قد تتسبب درجات الحرارة الحارقة بزيادة حالات الوفاة في المستقبل.
حقوق الصورة: دوم دبليو لايف من خلال فليكر

ولكن كيف يمكن تحديد درجات الحرارة العالية التي يمكن توصيفها بأنها "حارة"؟ يقول كاميل مورا المؤلف الرئيسي للدراسة والباحث في الجغرافيا الحيوية من جامعة هاواي ومانوا: "هذه من المشاكل الكبيرة التي واجهناها. وهناك عدة تعريفات لموجة الحر، وهذا ما يجعل هذه الدراسة فريدة من نوعها. وما قررنا فعله بمجرد جمع كل البيانات هو أن نحدد العتبة التي يموت عندها الأشخاص بسبب الظرف المناخي الذي يمكن اعتباره موجة حر".

وقد اكتشف مورا ارتفاع معدلات الوفاة في بعض الحالات عند درجات حرارة منخفضة بحدود 22 درجة مئوية. يقول مورا: "يسبب هذا الأمر نوعاً من العصف الذهني، فالناس يموتون بسبب درجات حرارة منخفضة كهذه، ولكننا وجدنا أن هناك رطوبة عالية جداً في تلك الأماكن. وهناك الحالة المعاكسة أيضاً، حيث يموت الناس عند درجات حرارة عالية جداً، ولكن بوجود طقس جاف غير اعتيادي".

ولا يوافق الجميع على أن هذه هي أفضل وسيلة لدراسة الحرارة. يقول دانيال ميتشيل، عالم الغلاف الجوي بجامعة أوكسفورد، والذي لم يشارك في الدراسة: "إنها دراسة طموحة، فهي تحاول الإجابة عن سؤال مهم حقاً. ولكني لا أعتقد بالضرورة أن القائمين على الدراسة يسيرون في الاتجاه الصحيح ". ويعتقد ميتشل أن تعريف الحرارة القاتلة على أساس بحث قائم على الدراسات السابقة بدلاً من بعض العلوم الفيزيائية ذات الأولوية هو أمر إشكالي. يقول ميتشيل: "هناك الكثير من الأشياء التي يمكن أن تؤدي إلى وفيات لا علاقة لها بالمناخ. ومن الأمثلة الجيدة على ذلك مصر عام 2015، حيث كان هناك موجة حر توفي فيها عدد كبير من الناس، ولكنهم ماتوا جميعاً في أماكن معينة مثل السجون ومستشفيات الأمراض النفسية. ويعود السبب في ذلك إلى أن توقيت موجة الحر جاء بحيث لم يكن حول هؤلاء الأشخاص من يعتني بهم".

وبالمثل، كانت موجة الحر الأوروبية عام 2003 قاتلة في فرنسا، لأنها تزامنت مع عادة واسعة الانتشار عند أهل البلاد في أخذ عطلة في شهر أغسطس. وقد فرغت عدة مدن من سكانها الذين تركوا وراءهم كبار السن بدون من يعتني بهم.

وازداد هذا التوقيت المحزن سوءاً مع عدم قدرة المنطقة على التعامل مع مثل هذا الحر. فقد كانت مكيفات الهواء قليلة، ومراكز التبريد نادرة في باريس (وهي شائعة في أميركا). وكانت المدن الفرنسية أفضل حالاً في موجات الحر اللاحقة، فقد أصبحت فصول الصيف الحارة وضعاً طبيعياً جديداً بالنسبة لها، ولذلك تم تجهيزها بشكل أفضل للحد من مساوئ موجات الحر.

ويلاحظ ميتشل أيضاً أن الدراسة تستقصي ما سيحدث استناداً إلى بيانات معظمها في الشمال، على الرغم من أن العديد من البلدان، وخاصة في العالم النامي، مختلفة تماماً.

يقول ميتشل: "مدننا في خطوط العرض الشمالية الوسطى مختلفة تماماً عن الحزام المداري في أفريقيا. واقتصادنا مختلف جداً، مع الكثير من العوامل الاجتماعية التي من شأنها أن تؤدي إلى خسائر مختلفة جداً في أوروبا، بينما يفترض أن الظروف تنطبق على الجميع".

ولكن في حين أن المناطق القريبة من القطبين ستكون الأكثر احتراراً، فإن الناس في المناطق الاستوائية هم في الواقع الأكثر تضرراً. فعلى الرغم من أن المناطق الاستوائية لن تكون حارة كثيراً، وبالرغم من أنه كان عليها التعامل مع درجات الحرارة الخطرة المحتملة من قبل بوسائل كثيرة بخلاف مدن الشمال، بالرغم من هذا كله، فإنها ستكون أقرب إلى الحد الذي يبدأ عنده الناس بالاستسلام. فالجو في هذه المناطق حار ورطب أصلاً. ولذلك فإن الارتفاعات الصغيرة نسبياً في درجة الحرارة يمكن أن تكون كارثية.

وبعبارة أخرى، فإن استقراء ما سيحدث في المناطق المدارية استناداً إلى خطوط العرض الشمالية الوسطى قد يقلل من شأن هذا التأثير، وليس العكس. وقد اكتشف مولا بالفعل أمثلة عن تحول في سلوكيات الناس للتعامل مع الحر الشديد.

وقد وجدت دراسة نشرت عام 2015 في مجلة "الطبيعة - التغير المناخي" أن التغيب عن العمل وخصومات الأجور في أوستراليا خلال موجة الحر لعام 2013/2014 قد كلفت 6.2 مليار دولار أميركي ( ما يعادل 3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي). كما أن دارسة أخرى نشرت عام 2009 في "المجلة الدولية للصحة العامة" عن العمال في مواقع الإنشاءات في الهند ومصانع الأحذية في فيتنام، قد وجدت أن فترات الاستراحة الطويلة خلال الأيام الأكثر حراً جعلت ساعات العمل اليومية تزداد من 8-10 ساعات إلى 15-16 ساعة. فحتى لو لم تقتلنا موجات الحر، فإنها بالتأكيد تستوفي ضريبتها الباهظة.

وبالرغم من القضايا التي يبحثها ميتشل في هذه الدراسة، فإنه يعتقد أن الدراسة تثير نقطة هامة. ويقول عن ذلك: "هذه دراسة مهمة، وهي خطوة جيدة في الطريق الصحيح، فهي تسلط الضوء على أن هذه الأمور أدت إلى نسبة عالية من الوفيات في الماضي. وهي دراسة تدعو إلى بدء البحث في التكيف مع موجات الحر الكبرى".

يقول مورا: "إن موجات الحر تسجن الناس في منازلهم، وقد أصبحنا بالفعل سجناء في منازلنا حتى نواجه موجات الحر".

المحتوى محمي