جزء صغير من الدماغ يمكنه أن يقدم أدلة حول الإدمان

3 دقائق

يعرف علماء الأعصاب الكثير حول ما يحدث في الدماغ عندما يقرر الشخص أن يفعل شيئاً ما، مثل أخذ كعكة صغيرة موجودة على طاولة الوجبات الخفيفة في المكتب. ولكن الأمر الأقل تأكيداً هو ما يحدث عندما يبدأ الشخص بالقيام بشيء ما، ثم يقرر التوقف بسرعة، مثل البدء بأخذ الكعكة، ثم رؤية عنكبوت يجلس عليها، وسحب اليد بعيداً.

يشير بحث جديد نشر هذا الشهر في مجلة نيورون إلى منطقة صغيرة من الدماغ تسمى القشرة قبل الجبهية البطنية الجانبية اليمنى (rVLPFC)، على أنها المنطقة المسؤولة عن أخذ المعلومات السياقية (مثل العنكبوت) واستخدامها لتحديث الخطة الأصلية. وقالت كيتي شو التي أجرت البحث خلال دراساتها في مرحلة الدكتوراه في جامعة جونز هوبكنز: "إنها لا تشارك بشكل مباشر، ولكنها معنية أكثر بمراقبة نية التوقف، ولا تقوم بالتوقف بشكل فعلي". وتعمل شو الآن كباحثة في مجال تجربة المستخدم في موقع وتطبيق بنترست (Pinterest).

ويقول جوشوا براون، أستاذ العلوم المعرفية في جامعة إنديانا، بأن فهم الطريقة التي يقوم بها الدماغ بالتثبيط، وكيفية إيقافه لسلوك معين هو أمر مهم. ويضيف: "لذلك الكثير من الآثار العملية لبعض المشاكل مثل اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه أو الإدمان".

ولا يزال دور القشرة قبل الجبهية البطنية الجانبية اليمنى في التثبيط أمراً مثيراً للجدل بعض الشيء بين علماء الأعصاب، والذين يختلفون أحياناً حول درجة السيطرة التي تقوم بها المنطقة على مهمة إيقاف النشاط المخطط له. إذ يعتقد البعض بأنها تقوم بالفعل بعملية اتخاذ القرار، في حين يعتقد آخرون بأنها تقوم ببضع خطوات من العملية، كما تقول شو. وتقول بأن نتائج هذه الدراسة تضيف المزيد من الأدلة للفرضية الثانية.

ولتحديد الآلية الدقيقة المعنية، قامت شو وفريقها بإخضاع 21 شخصاً مشاركاً لاختبار يسمى مهمة وقف الإشارة، وذلك أثناء تواجدهم في جهاز التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي. وتقول شو: "إنه ينطوي على إلغاء حركة تم القيام بها بالفعل". وفي هذه الحالة، كانت الحركة هي حركة العين، حيث تم عرض إشارة على المشاركين، إما إلى جهة اليسار أو اليمين، وكان عليهم أن يحركوا عيونهم للنظر إلى الهدف بأسرع وقت ممكن. وبعد أن بدأوا بالحركة، تم عرض إما دائرة زرقاء أو صفراء، حيث تعني إحداهما التوقف، والأخرى تعني الاستمرار، وكان عليهم إما مواصلة أو إلغاء حركة العين.

ولجعل المهمة أكثر تعقيداً، كان على المشاركين تتبع مجموعتين مختلفتين من القواعد. في بداية كل جولة، كانت يظهر إما مربع أو مثلث، والذي يوضح القاعدة التي ستتبعها تلك الجولة. في أحدهما، كان الأزرق يعني الاستمرار في القيام بالحركة، والأصفر يعني التوقف. وفي الآخر، كان الأمر عكس ذلك.

إن تضمين تلك القاعدة – أي فيما إذا كان الأزرق أو الأصفر يعني الاستمرار في تلك الجولة بالذات - ساعد على توضيح أن القشرة قبل الجبهية البطنية الجانبية اليمنى كانت تتعامل مع تلك المعلومات السياقية. وتقول شو: "في العديد من الدراسات الأخرى حول التثبيط، فإن المهمة هي أن تفعل شيئاً أو لا تفعله. ولكن عندما تفكر حقاً في اتخاذ القرار، فإن الأمر أكثر تعقيداً من ذلك." وتقول بأنه من أجل اتخاذ القرار، يجب على الدماغ أن يرى الإشارة ويدرك معناها ويعالج تلك المعلومات ضمن السياق. وتضيف: "لقد صممت دراستنا لمعالجة هذا المستوى من التعقيد".

واتخذ الفريق خطوة إضافية بتتبع آثار نفس المهام على دماغ القرد. إذ يمكن للعلماء قياس استجابة الخلايا الفردية لدماغ القرد خلال إحدى المهام، بينما عند البشر، فلا يمكنهم سوى رؤية المناطق الأكبر التي تأتي من خلال التصوير بالرنين المغناطيسي. وتقول شو: "لدينا بيانات القرود وبيانات الإنسان حول المهمة، ولذلك هناك أدلة متقاربة. إذ يتم دراسة كل من تصوير الدماغ والاستجابة العصبية المباشرة."

وبعد تعليم القرد كيفية أداء مهمة تتبع العين، تقول شو بأن المطاف انتهى به بأداء المهمة بشكل أفضل من البشر. ولكن ذلك ربما كان فقط بسبب قيام القرد بالكثير من الممارسة.

وتتفق نتائج هذه الدراسة مع الأبحاث الأخرى التي تبين بأن هذه المنطقة الخاصة من الدماغ تعالج المعلومات السياقية، كما يقول براون. ويضيف: "إن القشرة قبل الجبهية البطنية الجانبية اليمنى تمثل حالة العالم، ويتضمن ذلك بعض الأمور مثل ما هي القاعدة الحالية التي تحدد ما يمكنك وما لا يمكنك القيام به".

بالنسبة لبراون، فإن الأدلة المشتركة من صور الدماغ البشري والخلايا العصبية الفردية تدعم نتائج الدراسة. ويقول: "الأدلة تتراكم بشكل جيد جداً".

وتقول شو بأن الناس الذين يعانون من الإدمان في الدراسات السريرية لديهم صعوبة أكبر في تنفيذ هذا النوع من مهام وقف الإشارة المستخدمة في الدراسة. وعلى الرغم من أن البحث لم يتناول الإدمان مباشرة، تقول شو بأنه يثير تساؤلات حول طبيعة السلوك الإدماني. وتقول بأنه عند دراسة مشكلة المخدرات، فإن الأمر لا يتعلق بمجرد قدرة الشخص على التحكم في نزعته نحو المخدر أو غيره من المواد. وتقول شو: "إنها عملية التقييم المبكرة، منذ اللحظة التي تدرك فيها بأن هناك انجذاب نحو هذا المخدر، إلى كيفية النجاح أو الفشل في اتخاذ القرار".

وفي حين أن الأمر يمكن أن يستغرق وقتاً طويلاً من أجل تطبيق النتائج العلمية العصبية الأساسية على العلاجات السريرية، إلا أن براون يقول بأن فهم طريقة عمل الدماغ هي الخطوة الأولى الحاسمة. ويقول: "إذا فهمنا المناطق الت تشارك في سلوك التثبيط، فربما نقوم في المستقبل باكتشاف وسيلة للتلاعب بها. إذ أن لدينا فرصة أفضل لإصابة الهدف إذا كنا نعرف ما هو".

المحتوى محمي