حالة نادرة.. ولادة طفلة حامل بتوأمها

4 دقائق
قد تصبح الأمور أكثر تعقيداً عندما تنفصل أجنة التوائم عن بعضها.

في فبراير الماضي، شارك الأطباء في عملية ولادة لحالةٍ نادرةٍ لطفلة، توأمها عالق داخل بطنها، وكان مستمراً في النمو. أوردت صحيفة النيويورك تايمز في تقريرٍ لها، أن الطفلة بخير بعد نجاح عملية استئصال التوأم الطفيلي منها، بعد أن كان قد نما جزئياً، وكان ينقصه القلب والدماغ. وتسمى ظاهرة ولادة طفل يحمل توأمه داخله بظاهرة "الجنين داخل الجنين". ويبلغ معدل حدوثها تقريباً حالة واحدة لكل 500 ألف ولادة.

كيف تتكون أجنة التوائم؟

قد تبدو حالة تكوُّن الجنين داخل الجنين أقل غرابة، أو أكثر معقولية عندما نتمكن من فهم كيفية تكون الأجنة.

إذا أمكننا إعادة الزمن إلى الوراء لنشاهد الأجنة، فسنصل لنقطة يتم فيها الانتقال من خلية واحدة إلى تكون كتلة من الخلايا، ثم تتحول لتصبح شيئاً يمكن تمييزه بالفعل كصورة بشرية أولية. تتم هذه العملية بصورة متشابهة في كل واحد منا، لكن قد تؤدي بعض هذه الخطوات إلى صعوبات أكبر في التوائم.

تنشأ التوائم غير المتماثلة، عندما تقوم الحيوانات المنوية بإخصاب بويضتين بشكل مستقل، ثم يتم تثبيت البويضتين المخصبتين بنجاح في بطانة الرحم خلال نفس الدورة.

أما التوائم المتماثلة، فتنشأ من انقسام البويضة المخصبة خلال الأسبوع الاول، حيث تتحول هذه الخلية المفردة (الزيجوت) إلى تجمُّع من الخلايا، ثم إلى كتلة خلايا أكثر تعقيداً، ثم أخيراً تنمو لتصير تكتلاً يحمل ما يكفي من الخلايا لنطلق عليه وصف جنين. خلال هذا الوقت، تقوم خلايا الجنين برحلة إلى الرحم، لتثبّت نفسها في بطانة جداره، حيث يتم استضافتها في هذا المكان مدة تسعة أشهر تقريباً.

يمكن أن ينفصل التوأم المتماثل في أي وقت خلال تلك النافذة الزمنية الممتدة لأسبوع، وكلما تم هذا الانفصال بصورة أسرع، ازدادت فرص تطورهما بشكل مستقل.

سينمو هذان الجنينان خلال الأسابيع الثلاثة التي تلي انفصالهما بشكل كبير، وفعلياً يظل شكل الأجنة مستوياً خلال أول شهر من الحمل. وقرب الأسبوع الرابع فقط، يبدأ كل جنين في الالتفاف حول نفسه. وتقوم الأجنة بتكرار فعل ذلك في بضع اتجاهات مختلفة، مما يخلق أشكالاً، ستتحول في النهاية لتكوُّن هيكل الجسم وأعضاءه.

ظاهرة الجنين داخل الجنين

يعتقد الخبراء أن تكوّن الجنين داخل الجنين بإمكانه الحدوث كالتالي:

إذا كان نصفا البويضة المخصبة حديثة الانقسام أقرب مما ينبغي لبعضهما البعض عندما يبدآن في الالتفاف حول نفسيهما، فيمكن أن يُبتلع أحدهما داخل الآخر.

جسم الانسان بارع جداً في التعامل بما هو متاح لديه (خاصةً إذا كان من ضمن الأشياء المتاحة الخلايا الجذعية التي تتسم بمرونة فائقة) لذا في بعض الأحيان ينمو النصف الذي ابتلع الآخر إلى جنين، يتمتع بصحة جيدة بينما توأمه سيء الحظ محشور في مكان ما غير ظاهر، دون أن يدرك أي أحدٍ حقيقة ما يحدث.

قد نسمع عادة عن الحالات التي يبدأ فيها الشقيق الحي بالشكوى من ألم أو تورم في البطن (ربما بعد عدة شهور أو سنوات وأحياناً بعد عدة عقود). ربما يحدث هذا لأن التوأم الطفيلي قد انتهي به المطاف عالقاً في نقطة ما أتاحت له فرصة الحصول على تغذية دموية جيدة أثناء نموه، مما سمح له بالاستمرار في النمو والتطور. إن وجوده بالقرب من الأعضاء الهامة، يعني تكون كتلة كبيرة قادرة على جذب الانتباه (أو حتى تعريض حياة الشقيق الحي للخطر). وقد تظهر أحياناً هذه التوائم الطفيلية في أماكن أخرى من الجسم، بما في ذلك داخل الجمجمة.

ما الفرق بين تلك الظاهرة وحالة الورم المسخي؟

سجلت الكتب الطبية قرابة 100 حالة فقط لوجود جنين داخل جنين، لكن يرى بعض الخبراء أن هناك حالة أخرى أكثر شيوعاً ومتعلقة بنفس الظاهرة، أو ربما كانت مجرد نوع آخر منها، وهي حالة الورم المسخي. تنشأ هذه الحالة نتيجة وجود كتل طفيلية مكونة من خلايا جنسية جنينية، قامت بالهجرة لمكان خاطئ في الجسم، ثم بدأت في الانقسام، كما لو كانت تحاول أن تشكل جنيناً.

لسنا متأكدين أين يجب رسم الخط الفاصل بين ظاهرة الجنين داخل الجنين، وحالة الورم المسخي، حيث يرى أغلب العلماء أنه يجب رؤية عمود فقري حتى نعدها حالة جنين داخل جنين، بينما يغيب ذلك في حالة الورم المسخي. لكن من غير الواضح ما مدى علاقة هذا الفارق المميز بالكيفية التي تكونت بها هذه الكتل من الخلايا، أو بالمكان الذي اختارته؛ لتنمو فيه، أو بالعديد من العوامل الأخرى التي نجهلها. في حين يقترح بعض الباحثين أن التمييز بينهما يجب أن يركز على مدى كون الخلايا منتظمةً بشكل يسمح لنا بإدراك الملامح شبه الجنينية الظاهرة على التكتل الخلوي، بدلاً من البحث عن جزءٍ تشريحي محدد.

هل يمكن حدوث حالة تضم عدة توائم داخل الجنين؟

أحد الأشياء التي ندركها أن الجنين يمكنه أن يمتص عدة أجنة أخرى بداخله. لكن ضع في اعتبارك أولاً، أن من النادر انقسام بويضة مخصبة لأكثر من جنينين مع تمكنهم من مواصلة النمو بعد ذلك. تحدث حالات التوائم الثلاثية المتماثلة بمعدل 20 حالة فقط لكل مليون حالة ولادة. والآن فكر أيضاً بمدى ندرة أن يقوم جنين بلف نفسه حول جنين آخر؛ ليحتويه ثم يواصل النمو بشكل طبيعي.

تشير دراسة نشرت في عام 2008، إلى حالة طفل سيء الحظ ولد بـ 11 جنيناً تكونت جزئياً داخل تجويف بطنه. قام الأطباء بتشخيص الطفل، وهو ما يزال داخل الرحم على أنها حالة تكيسات في تجويف البطن، وأجروا عملية ولادة قيصرية لإخراج الطفل، ثم أجروا عملية جراحية في البطن لمحاولة إنقاذه، لكن الطفل توفي بعد عدة أسابيع.

جاء في التقرير الطبي لتلك الحالة "نتوقع أن أحداثاً تمت في أول أسبوعين، أدت إلى انقسام الزيجوت الأصلي إلى مضيف وكتلة خلوية أخرى، قامت بعد ذلك بالانقسام مرات متعددة، مما نتج عنه تكون عدة أجنة داخل الجنين، وظهور ورم مسخي على المبيض".

أسفرت الحالة الأخيرة لجنين داخل الجنين لحسن الحظ عن نتائج أكثر تفاؤلاً، حيث ساعد التصوير بالموجات فوق الصوتية ثلاثية ورباعية الأبعاد على تشخيص الحالة، أثناء الأسبوع 35 من الحمل، مما دفع الأطباء إلى إجراء عملية ولادة قيصرية خشية أن تقوم الكتلة النامية في بطن الجنين بسحق أعضائه الداخلية أثناء الولادة الطبيعية. وقام الأطباء بإجراء جراحة بالمنظار لإزالة التوأم الطفيلي (الذي بلغ طوله بوصتين، وكان ينقصه بعض الأعضاء الرئيسية)، لتتعافى الطفلة بعد ذلك بشكل جيد.

كلما تحسنت تقنيات التصوير في فترة الحمل، ازدادت قدرتنا على تشخيص مثل هذه الحالات النادرة، وربما نصبح أكثر فهماً لأسباب حدوثها وللكيفية التي تتم بها.

المحتوى محمي