حدى الناجيات من مرض إيبولا تتسبب في نقل العدوى به بعد أكثر من عام من الإصابة به.

4 دقائق
في حين أن الناجين من الذكور كانوا مسؤولين عن ظهور حالات مماثلة من مرض إيبولا في الماضي، فإن دراسة جديدة تشير إلى أول حالة لامرأة تنقل الفيروس بعد عدة أشهر من تعافيها منه.

أصيبت امرأة تبلغ من العمر 33 عاماً في ليبيريا بفيروس إيبولا لأكثر من عام قبل نقل العدوى إلى أفراد عائلتها، وذلك وفقاً لدراسة حالة جديدة نُشرت في مجلة "ذا لانسيت" في يوليو 2018. وهذا أول دليل على أن فيروس إيبولا يمكن أن ينتقل عن طريق إحدى الناجيات من العدوى، مما يفتح مجالاً واسعاً من التداعيات التي يمكن أن تؤثر على إجراءات العلاج، وسياسة الصحة العامة، والضغط لتبديد الحرج الاجتماعي الذي يحيط بالناجين من الأوبئة التي انتشرت في جميع أنحاء إفريقيا في السنوات الأخيرة.

يقول جيسون لادنر، الأستاذ المساعد في معهد المُمْرضات والميكروبيوم في جامعة شمال أريزونا، والذي شارك في تأليف الدراسة الجديدة: "لقد كنا نعلم بالفعل أن فيروس إيبولا - وكذلك فيروس ماربورج، وهو عامل ممرض بشري مرتبط به- كان قادراً على الاستعصاء في بعض مواقع الجسم. وهناك دراسات استقصائية تم نشرها عن تفشي الوباء غرب إفريقيا، سلطت الضوء على التردد العالي نسبياً لحدوث هذه الإصابات المستعصية داخل الجهاز التناسلي الذكري، وكذلك بعض دراسات الحالة التي تثبت استعصاء الفيروس في أجزاء الجسم الأخرى، كالعين". وقد أظهرت دراسات أخرى أن هذا الاستعصاء يمكن أن يؤدي إلى عودة ظهور الفيروس حتى بعد احتواء الجائحة، من خلال مصادر مثل حليب الثدي أو الانتقال الجنسي.

ويرى لادنر أنه في حين أن الناجين من الذكور كانوا مسؤولين عن ظهور حالات مماثلة من إيبولا في الماضي، "فهذه هي المرة الأولى التي يقدم فيها تحقيق في واحدة من حالات تفشي الفيروس أدلة قوية على أن الفيروس قد انتقل من إحدى الناجيات منه ولكنه ما زال مستعصياً داخل جسمها".

في هذه الحالة، حدث الانتقال خلال الأشهر الأخيرة لجائحة وباء إيبولا في غرب أفريقيا التي ضربت المنطقة وبدأت في ديسمبر 2014 ولم تنته حتى منتصف عام 2016، وأدى تفشي المرض إلى أكثر من 28 ألف حالة إصابة و 11 ألف حالة وفاة. وجاءت إصابة الأسرة التي ركزت عليها الدراسة دون علم مسؤولي الصحة في نوفمبر 2015، أي بعد حوالي ستة أشهر من إعلان ليبيريا لأول مرة انتهاء جائحة إيبولا فيها، وبعد شهرين من صدور إعلان آخر عن خلوها من مرض إيبولا بعد اندلاع جائحة أخرى صغيرة.

كما أصيب ثلاثة من أفراد أسرة المرأة بالعدوى: فقد توفي فتى في الخامسة عشرة من عمره بسبب المرض، بينما أصيب زوجها البالغ من العمر 40 عاماً وابنه البالغ من العمر 8 أعوام بالعدوى، لكنهما سرعان ما تعافيا بعد العلاج. وتجنب الابن الأصغر البالغ من العمر خمسة أعوام العدوى. وأُخضع أشخاص آخرون ممن كانوا على اتصال سابق بالأسرة - مجموعهم120 شخصاً - للمراقبة والاختبار، وأُعطوا لقاح فيروس إيبولا الذي طورته شركة ميرك مؤخراً ووافقت عليه منظمة الصحة العالمية. ولم يصب أي من هؤلاء بالمرض (كان اللقاح نفسه ناجحاً بشكل ملحوظ في احتواء وتبديد جائحة إيبولا التي حدثت في جمهورية الكونغو الديمقراطية).

ولا يزال العلماء يشعرون بالحيرة وهم يحاولون معرفة كيف تشبث الفيروس بأجهزة جسم المرأة لفترة طويلة. يقول لادنر: "لم ينجز سوى عمل قليل لتوضيح الآليات التي يستخدمها فيروس إيبولا لإحداث عدوى مستعصية". لكن ما نعرفه هو أن هذه الإصابات المستعصية تحدث داخل أجزاء الجسم التي لديها نوع من "الامتيازات المناعية"، لذلك يمكن أن تنجو مسببات الأمراض مثل الفيروسات وتتجنب الاستجابة المناعية. لكن لادنر يقول إن هناك حاجة إلى المزيد من العمل لفهم كيفية استعصاء فيروس الإيبولا والفيروسات الأخرى على هذا النحو. ويمتلك معظم الفيروسات جينومات الحمض النووي منقوص الأوكسجين، لكن البعض الآخر مثل فيروس إيبولا وزيكا يحتوي على جينوم الحمض النووي الريبي، لذلك ليس من الواضح تماماً ما هي السمات المشتركة التي تشترك جميعها بها، وما إذا كان بإمكان الباحثين استخلاص أية صلة آلية بين الفيروسات.

وعلاوة على ذلك، فإن الأسباب التي تجعل الفيروس ينتقل من الوضع الخامد إلى الوضع المميت غير واضحة أيضاً، رغم أن توقيت دراسة الحالة هذه يشير إلى أن فيروس إيبولا قد انقلب إلى الوضع المميت نتيجة حمل المرأة الليبيرية. في صيف عام 2014، عندما بدأ انتشار فيروس إيبولا عبر ليبيريا وغينيا، أصيبت المرأة بالمرض أثناء رعاية شقيقها الذي كان يحتضر بسبب مرض غير معروف. كانت حاملاً في ذلك الوقت، وتعرضت للإجهاض أثناء مرضها، ولكنها تعافت. ولم يتم اختبار أو علاج أخيها أو علاجها بسبب الإصابة بفيروس إيبولا، لذلك لم يكن مؤكداً ما إذا كان الفيروس هو بالفعل المرض الذي أصابها.

ثم بعد 13 شهراً في سبتمبر 2015، أنجبت الطفل الثالث لها ولزوجها، ولكنها مرضت بعد بضعة أسابيع. وبما أن ليبيريا كانت "خالية من  مرض إيبولا" في ذلك الوقت، لم يتم اختبار إصابتها بالمرض، وأرسلت إلى المنزل بعد بضعة أيام بعد تلقيها علاج الملاريا وفقر الدم، عندما بدأت صحة عائلتها تتدهور بسبب أعراض إيبولا أثناء علاجها.

لكن كونها حاملاً يمكن أن يكون عاملاً رئيسياً في تدهور حالتها. فأثناء حمل المرأة، يقوم الجسم بشكل طبيعي بكبح جهاز المناعة من أجل التأكد من عدم قيام الدفاعات الطبيعية بمهاجمة الطفل دون قصد. وربما تكون الأم الليبيرية تمتلك أجزاء من الفيروس كانت خامدة أو مكبوحة بعد العدوى الأولى في عام 2014، ولكنها سمحت لها بالظهور في صورة شديدة ومعدية بعد 13 شهراً عندما تم إضعاف جهاز المناعة.

والغريب في الأمر أنه لم تكن الأم ولا المولود الجديد يحملان الفيروس في دمائهما، لذا لم يكن يبدو أن أياً منهما كان مصاباً بمرض إيبولا عندما كان باقي أفراد الأسرة مصابين به، ولكن كليهما كان يمتلك أجساماً مضادة للفيروس، وهو ما يشير بقوة إلى أن الأم سبق أن عانت من عدوى سابقة، وأوقفت تقدم المرض من خلال استجابة مناعية ناجحة، ومررت هذه الأجسام المضادة للطفل من خلال الرضاعة الطبيعية.

وعلى الرغم من أن سلسلة الأحداث هذه لا تزال محفوفة بالأسرار، فإن النتائج الجديدة لا بد أن تدل على تداعيات حول كيفية الوقاية والعلاج وإدارة مواقع ما بعد العدوى على أفضل وجه فيما يتعلق بمرض إيبولا. يقول جوس بالاسيوس، الباحث في معهد الأبحاث الطبية للأمراض المعدية التابع للجيش الأميركي، والمؤلف المشارك في الدراسة الجديدة: "إن أكبر الآثار المترتبة على هذا البحث هو الحاجة إلى البقاء في حالة تأهب، وإجراء مراقبة مناسبة، وإجراء حملات وقائية لإطلاع السكان على مصادر انتقال المرض التي ثبتت فعاليتها وطريقة تجنبها". وفي مقال افتتاحي لمجلة "ذا لانسيت"، أثار لورنزو سوبيسي، الباحث في الأمراض المعدية من بروكسل، مخاوف من أن النتائج الجديدة يمكن أن تخلق المزيد من الحرج الاجتماعي للناجين من مرض إيبولا الذين يحاولون العودة إلى حياتهم. وستحتاج المجتمعات المحلية بالتأكيد إلى معالجة هذه المخاوف من خلال الموارد التعليمية.


بالإضافة إلى ذلك، تُبرز شدة الإصابة بفيروس إيبولا الحاجة إلى تصميم علاجات أفضل يمكنها مكافحة العدوى المستعصية. يقول لادنر: "للحيلولة دون احتمال حدوث الانتكاس والمزيد من انتقال الفيروس، سيكون من المهم إزالة الفيروس من جميع أجزاء الجسم". وعلى الرغم من أن هذا النوع من العمل جديد للغاية، إلا أن سبباً مرَضياً مثل فيروس إيبولا قد يكون كافياً لتحفيز المؤسسات والشركات على تخصيص الوقت والمال من أجل هذه الأبحاث.

المحتوى محمي