كان ستيفن هوكينج - الذي توفي هذا الشهر عن عمر يناهز 76 عاماً - عالماً فيزيائياً معروفاً على مستوى العالم. وسيتم تخليد ذكراه في كتب التاريخ إلى الأبد عن نظرياته التي ساعدتنا على فهم بدايات الكون وكيفية سلوك الثقوب السوداء.
لكن هوكينج لا يعتبر مثيراً للدهشة لعمله الفيزيائي الغزير فحسب، فقد عاش لأكثر من 50 سنة مع التصلب الجانبي الضموري (ALS). وعادةً ما يؤدي المرض (الذي يسمى في المملكة المتحدة بمرض الخلايا العصبية الحركية، ويشار إليه في الولايات المتحدة بمرض لو جيريج) إلى الموت بسرعة أكبر.
يترك المرض آثاره على الجسم من خلال التأثير على الخلايا العصبية التي تتحكم بالعضلات. إذ يحتوي الدماغ والعمود الفقري على خلايا تعرف باسم الخلايا العصبية الحركية، حيث تكون الخلايا العصبية الحركية العلوية في الدماغ والخلايا العصبية الحركية السفلية في العمود الفقري. ولتحريك العضلة، يرسل الدماغ رسائل من الخلايا العصبية الحركية العلوية إلى الخلايا العصبية السفلية، ثم إلى العضلات التي نريد تحريكها. وعند المرضى الذين يعانون من التصلب الجانبي الضموري، تتدهور الخلايا العصبية الحركية وتصبح أضعف مع مرور الوقت.
ونظراً لأننا نستخدم عضلاتنا في المشي وتناول الطعام والتحدث والتنفس بالطبع، فإن الأشخاص المصابين بهذا المرض غالباً ما يعتمدون على الكراسي المتحركة وأنابيب التغذية وأجهزة التهوية أثناء تقدم حالتهم المرضية. وفي المتوسط، فإن الشخص الذي تم تشخيص حالته حديثاً بمرض التصلب الجانبي الضموري يعيش من عامين إلى ثلاثة أعوام.
لكن ستيفن هوكينج عاش 55 سنة بعد تشخيص مرضه. فما الذي جعله مخالفاً للقاعدة؟
لا يمكن للأطباء والباحثين معرفة الحقيقة على وجه اليقين. ولكنهم يعرفون بأن مسار المرض متغير بدرجة كبيرة. فوفقاً لما ذكرته مجلة ساينتفيك أميريكان، فقد عرف الباحثون أيضاً لبعض الوقت بأن هناك أشكال مختلفة متعددة لهذا المرض، إذ يؤثر ضمور العضلات التدريجي في المقام الأول على الخلايا العصبية الحركية السفلية، ويؤثر التصلب الجانبي الأولي على الخلايا العلوية، بينما يؤثر الشلل التصاعدي التدريجي على الوجه واللسان والعضلات التي نستخدمها في البلع. (على الرغم من أنها جميعاً تميل في النهاية إلى أن تؤثر على كافة الخلايا العصبية الحركية بدرجات متفاوتة).
يتعرض معظم الناس المصابين بمرض التصلب الجانبي الضموري في النهاية للفشل التنفسي أو الجفاف وسوء التغذية، وغالباً ما يكون ذلك نتيجة لضعف وتدهور تلك المجموعات العضلية بشكل خاص. ويمكن لأنبوب التغذية أو التنفس أن يطيل الحياة عندما يصيب المرض هذه العضلات الحيوية، ولكن هذه المعدات باهظة الثمن وتتطلب صيانة ورعاية على مدار الساعة. وكان هوكينج محظوظاً بما فيه الكفاية للحصول على هذا الدعم الطبي، مما ساعده في البقاء على قيد الحياة.
كما تم تشخيص مرض هوكينج عندما كان عمره 21 عاماً فقط، وهو أصغر من المعتاد بـ 20 أو 30 عاماً. ووجد الباحثون بأن الأشخاص الذين يتم تشخيص مرضهم في سنوات المراهقة غالباً ما يعيشون لعقود. وعادةً ما يتطور هذا الشكل المختلف من المرض - والذي يعرف باسم التصلب الجانبي الضموري الشبابي - بوتيرة أبطأ. إذ لا يحدث تدهور الأعصاب بنفس السرعة ولا يمتد بنفس الدرجة، وخاصةً فيما يتعلق بعضلات التنفس والأكل.
كما أن بقاء عقل هوكينج بذكاء حادّ هي نقطة أخرى تستحق الملاحظة، وإن كانت بشكل أقل وضوحاً. إذ يعاني بعض الأشخاص المصابين بالتصلب الجانبي الضموري من الخرف، أو على الأقل يواجهون صعوبة في التفاعل مع العالم المحيط لدرجة تحدّ من مشاركتهم الفكرية. ولكن بفضل جهاز الكمبيوتر الذي سمح له بكتابة بضع كلمات في الدقيقة باستخدام حركة عضلات خده، فقد تمكّن هوكينج من تأليف الكتب والمقالات البحثية وقدّم عدداً لا يحصى من المحاضرات حتى قبل وفاته بقليل. ومن غير الواضح فيما إذا كانت هذه القدرة المعرفية قد ساهمت في إطالة عمره أم لا. فلم تكن هناك أي دراسات طويلة الأمد تقيّم كيف يؤثر الإدراك على التصلب الجانبي الضموري. ووجدت دراسة واحدة من عام 1999 بأن الأشخاص الذين يعانون من الخرف الفصي الجبهي (الذي تشير التقديرات إلى حدوثه عند حوالي 50 في المئة من المصابين بالتصلب الجانبي الضموري) لديهم معدل حياة أقل بقليل (حوالي 11 شهراً) من أولئك الذين لا يعانون منه.
والحقيقة هي أن ستيفن هوكينج لم يعلم أبداً كم من الوقت سيعيش. حيث أشار علناً في مناسبات عديدة بأن هذا الأمر المجهول أعطاه حافزاً إضافياً وعاجلاً لمواصلة عمله. وربما تكون إحدى طرق استعراض حياة هوكينج هي كما يلي: أنت لا تعرف أبداً كم ستكون محظوظاً أو غير محظوظ. فلم يعرف هوكينج أبداً كم هو الوقت المتبقي لديه، ولكن مرة أخرى، لا أحد منا يعرف ذلك. وسيتم تخليد ذكراه ليس كعالم فيزيائي فلكي مؤثر بشكل كبير فحسب، ولكن كتذكير لاستغلال الوقت المتبقي لديك بأفضل شكل ممكن. وبالنسبة لأي شخص يواجه تشخيص التصلب الجانبي الضموري أو أي مرض آخر مميت، فإنه سيعطي أملاً بشكل دائم بعيش حياة طويلة وسخية.