دراسة حديثة تكشف حقائق هامة جداً حول خطر لعبة كرة القدم الأميركية

3 دقائق
تزايدت في السنوات الأخيرة الأدلة على تفشي الإصابة باعتلال الدماغي الرضحي المزمن بين لاعبي كرة القدم الأميركية المتوفين.

كرة القدم الأميركية رياضة خطيرة، وقد تترك آثارها السلبية على جميع عظام وعضلات وأعضاء اللاعبين الممارسين لها. إلا أنه قد بدأت تظهر مؤخراً مخاوف جدية من أن تؤثر هذه الرياضة الخشنة في أدمغة اللاعبين بشكل خطير. فقد خلُصت العديد من الدراسات إلى أن الألعاب الخشنة، وخاصة كرة القدم الأميركية، تزيد من خطر الإصابة بالاعتلال الدماغي الرضحي المزمن CTE، وهو مرض تنكسي دماغي. وفي دراسة حديثة جرى نشرها مؤخراً، توصل الباحثون إلى نتائج حاسمة حول علاقة كرة القدم الأميركية باعتلال الدماغ الرضحي المزمن. حيث قام الباحثون بإجراء فحوص على أدمغة 202 لاعب كرة قدم أميركية متوفى، وأظهرت النتائج وجود علامات الإصابة بالاعتلال الدماغي الرضحي المزمن لدى 87% منهم. أما بالنسبة للاعبين المحترفين الذين لعبوا ضمن الدوري الوطني لكرة القدم الأميركية NFL فقد بلغت نسبة الإصابة بالاعتلال الدماغي الرضحي المزمن أكثر من 99%. جرى نشر نتائج الدراسة مؤخراً في مجلة الجمعية الأميركية للطب JAMA، وتُعد الدليل الأقوى حتى الآن على العلاقة بين ممارسة كرة القدم الأميركية والإصابة باعتلال الدماغ الرضحي المزمن.

ما هو اعتلال الدماغ الرضحي المزمن، ولماذا يُعد خطيراً؟

اعتلال الدماغ الرضحي المزمن هو مرض تنكسي (تتراكم آثاره عبر الوقت). وبخلاف ارتجاج الدماغ، الذي ينجم عن ضربة مباشرة على الرأس، فإن اعتلال الدماغ الرضحي المزمن ينجم عن تعرض الرأس لصدمات متكررة لا تؤدي أي منها بمفردها للإصابة بارتجاج في الدماغ. تؤدي تلك الصدمات إلى تراكم بروتين يُدعى تاو tau في الدماغ، يُسبب تموت الخلايا العصبية في أماكن انتشاره.

وعلى الرغم من أن البروتين يبدأ بالتراكم في غضون فترة قصيرة بعد التعرض لصدمة، إلا أن آثاره لا تظهر بشكل مباشر، وإنما بشكل تراكمي. فقد لا تظهر على المصاب أية أعراض بعد التعرض للصدمة، سواءً مثل فقدان الذاكرة، أو الخرف أو التشوش الذهني أو الاكتئاب أو المشاكل السلوكية، أو غيرها، ولكنها قد تظهر جميعاً في وقتٍ لاحق.

من أين تأتي أهمية الدراسة؟

توصلت عدة دراسات صغيرة في السنوات الماضية إلى أن خطر اعتلال الدماغ الرضحي المزمن يزداد مع التعرض لصدمات متكررة على الرأس. دون أن تثبت أي من تلك الدراسات علاقة سبب ونتيجة بين كلا العاملين. وعلى الرغم من أن الدراسة الحالية هي دراسة رصدية أيضاً، ولا تقدم تفسيراً واضحاً لآلية الإصابة باعتلال الدماغ الرضحي المزمن، إلا أنها تساعد على تأكيد العلاقة بين التعرض لصدمات متكررة على الرأس (وخاصةً في أثناء ممارسة كرة القدم الأميركية، سواءً بشكل هواية أو في دوري المحترفين) والإصابة باعتلال الدماغ الرضحي المزمن.

قام الباحثون بتفحص أدمغة مُتبرّع بها من قبل 202 لاعب متوفى مارسوا كرة القدم الأميركية لخمسة عشر عاماً بشكل وسطي (111 منهم في دوري المحترفين و91 منهم بشكل هواية). وقد أظهرت الدراسة بأن ما نسبته 87% من إجمالي عدد اللاعبين كانت لديهم علامات تشريحية للإصابة باعتلال الدماغ الرضحي المزمن، في حين أن أكثر من 99% من اللاعبين المحترفين توجد لديهم علامات تلك الإصابة.

ومن غير المفاجئ أن ترتبط شدة العلامات بمدة ممارسة اللعبة، فقد أظهر لاعبو المدارس الثانوية العلامات الأقل لتراكم بروتين تاو في الدماغ، يليهم لاعبو الجامعات، وأخيراً اللاعبون المحترفون في الدوري الأميركي، الذين أظهروا العلامات الأكبر لتراكم بروتين تاو في الدماغ.

مقطع تشريحي في دماغ لاعب محترف في دوري كرة القدم الأميركية ومُصاب باعتلال الدماغ الرضحي المزمن من الدرجة الرابعة. تُشير المناطق ذات اللون البني إلى تجمعات بروتين تاو، وهي العلامة الواسمة للإصابة بالمرض.
مصدر الصورة: مجلة الجمعية الأميركية للطب/ماكي وزملاؤه.

ما هي جوانب القصور في الدراسة؟

لاحظ الباحثون بأن عينة البحث لم تكن عشوائية أبداً. ففي الكثير من الحالات كان وجود أعراض اعتلال الدماغ الرضحي المزمن هو ما دفع بأهل اللاعب المتوفى للتبرع بدماغه كي يتم فحصه في الدراسة. وبالتالي قد يكون من المستحيل توقع نسبة المصابين باعتلال الدماغ الرضحي المزمن بين لاعبي كرة القدم الأميركية أو في المجتمع ككل من خلال هذه الدراسة لوحدها.

ما هي الخطوة التالية؟

لا يزال العلماء عاجزون عن فهم السبب الذي يجعل بعض لاعبي كرة القدم الأميركية يصابون باعتلال الدماغ الرضحي المزمن في حين ينجو آخرون من ذلك المرض، كما إنهم يجهلون آلية حدوث المرض.

بالنسبة للوقت الراهن، فإن الطريقة الوحيدة لتشخيص اعتلال الدماغ الرضحي المزمن هي تشريح الدماغ بعد الوفاة. وبالتالي فإن العثور على وسيلة لتشخيص اعتلال الدماغ الرضحي المزمن في أثناء الحياة هو هدف رئيسي للباحثين والأطباء. ومع الوصول إلى ذلك الهدف قد يتمكن الباحثون من إيجاد وسائل لمعرفة مدى انتشار المرض، وكيفية إبطاء أو إيقاف تطوره. وبكل حال، فإن الدراسة الحالية نجحت على ما يبدو في حسم الجدل حول العلاقة بين كرة القدم الأميركية واعتلال الدماغ الرضحي المزمن.

المحتوى محمي