«ظللت طوال حياتي أعتقد أنني مريض، لكن الحقيقة أنني لم أكن كذلك». هكذا يقول مغني الراب الشهير «إيمينم» غاضباً في أغنية «Cleanin Out My Closet»، والتي يحكي فيها عن «متلازمة مونخهاوزن بالوكالة» التي أصيبت بها أمه، وعاني هو من آثاراها في طفولته. فقد عانى إيمنيم من التنمر في المدرسة في طفولته المبكرة، كانت أمه تختلق أمراضاً وتلحقها به، من أجل أن يكتسب ابنها بعض التعاطف. سُميت متلازمة مونخهاوزنباسم الضابط الألماني «بارون فون مونخهاوزن»، الذي عُرف باختلاق قصص وهمية عن مغامراته في الحرب.
حقائق عن متلازمة مونخهاوزن
تصاب النساء بالمتلازمة بنسبة أكبر من الرجالة تصل لـ 4:1، ومعظمهم من النساء ما بين 20 - 40 عاماً، ويصاب بها الرجال من عمر 30 - 50 عاماً. متلازمة مونخهاوزن هي اضطراب نفسي نادر، فيه يختلق المصاب بهذه المتلازمة أمراضاً وهمية بشكلٍ متكرر ويدّعي الإصابة بها. يُقسّم الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطراب النفسية (DSM-5) هذه المتلازمة إلى قسمين:
1. شخص يزيّف إصابته بالأمراض.
2. شخص يزيّف أمراض نيابةً عن الآخرين، وهم أشخاص في رعايته، وعادةً ما تكون أم بالوكالة عن ابنها، حيث تسمى «متلازمة مونخهاوزن بالوكالة». أول من وصف متلازمة مونخهاوزن بالوكالة هو طبيب الأطفال البريطاني «روي ميادو» عام 1977.
عن شكل الإصابة بهذه المتلازمة
في مسلسل «the act»؛ قالت الأم المصابة بمونخهاوزن بالوكالة عن ابنتها، والتي كانت تتكسب من إمراض ابنتها عاطفياً ومادياً: «لقد تعرضَت للصرع والشلل النصفي، وحساسية من تناول السكر، والاختناق حد الموت بسبب لعابها، وفقر الدم».
تقوم الأم في هذه الحالة باختلاق أكاذيب عن مرض ابنها، أو تزييف نتائج التحاليل الخاصة به، أو تقوم بإيذائه بدنياً لتظهر عليه أعراض المرض، أو تبالغ في وصف عرض بسيط. الغرض من ذلك هو الحصول على بعض التعاطف، أو الاحساس بالسّلطة، أو امتلاكها بعض المعلومات الطبية المشتتة. وقد يصاب ذلك الطفل نفسه في المستقبل بهذه المتلازمة. يدّعي الشخص المصاب بالمتلازمة إصابته بأمراض جسدية مثل ألم المعدة، أو آلام الكتف من أجل كسب الأموال، سواء كان غايته كسب التعاطف، أو الانتباه، أو حتى الحصول على مسكنات قوية.
سبب حدوث هذه المتلازمة غير معروف بوضوح، لكن المعلوم أن الشخص المصاب بالمتلازمة يعاني في الغالب من عقدة إهمال أبوي، أو إساءة المعاملة في فترة الطفولة، أو إهمال طبي. بالإضافة إلى ضعف في الثقة بالنفس، وعدم السيطرة على القلق الذي يعتريه دائماً، يجعله ذلك يستعذب دور المريض. وهناك بعض الاضطرابات النفسية المتعلقة بالمتلازمة مثل؛ النفور الاجتماعي من البشر، واضطراب الشخصية الحدية المعروف باسم «البوردر لاين». ولكن ما خطورة أن يختلق شخص مرضاً ليكسب تعاطف ما من حوله؟
يبدو أنه أمر عاطفي للغاية، لكن طبياً قد يخضع هذا المريض لعمليات غير ضرورية بناءً على تاريخه المرضي الذي يقوم بتزييفه، والأعراض التي يدّعيها ولا يستطيع الطبيب تعليلها. أما مونخهاوزن بالوكالة فهي شكل من أشكال الإساءة للأطفال بدون وعي خاصة أن ولي الأمر في هذه الحالة يُحدث إصابات لطفله، أو يعرضه لفحص طبي مؤلم ويعطيه أدوية لا يحتاجها. يمكن أيضاً أن يفقد الطفل حياته إذ يتعرض لأدوية سامة يقدمها له الشخص المصاب.
وفي دراسة قُدمت لوحدة مراقبة طب الأطفال البريطانية، ونُفذت في الفترة من عام 1992 لعام 1994 في إنجلترا وأيرلندا؛ لتحديد الأسباب الكامنة وراء متلازمة مونخهاوزن بالوكالة التي نتج عنها حالات تسمم واختناق. بحثت الدراسة 128 حالة، ووجدت أن الأم هي المسئولة عن إحداث الإصابات في 85% من الحالات، ومعظم الحالات كانوا أطفال تحت عمر 5 سنوات. وقد عانى 68% من الأطفال من إعياء شديد نتج عنه موت 8 حالات.
كيف يُشخّص الطبيب هذه الحالة؟
في الحقيقة يصعب اكتشاف هذه الحالة، فقد يجلس المصاب بالمتلازمة أمام الطبيب ليحكي له تاريخ مرضي درامي غير متسق، مع ملاحظة أنه يمتلك بعض المصطلحات الطبية من طول إدمانه للمستشفيات، ويمتلك أيضاً قدرة فائقة على الخداع والتلاعب. كما يحتوي جسده على عدة ندبات من عمليات جراحية سابقة. وفي الغالب يهاب المرضى من العمليات الجراحية، لكن المصاب بالمتلازمة يحب إجراء العمليات.
أما الطفل الذي تدّعي أمه مراراً وتكراراً بأنه مصاب؛ فهو لا يتعافى من أمراضه التي لا يُعرف سببها حتى بعدما يحصل على العلاج الذي يناسب هذه الحالة. وتنفي نتيجة التحاليل ما تدعيه الأم من أعراض مرضية. وتكذب الأم بالطبع بشأن تحاليله السابقة، أو يجد الطبيب دماء في عينة البول لا يطابق فصيلة دم الطفل. وإمعاناً في التلاعب تغيّر الأم طبيب ابنها بشكل مفاجئ لتذهب لطبيب آخر، ويجد الطبيب تاريخ طويل للتردد على المستشفيات، يقارن الطبيب بين التاريخ المرضي المزيف، والتاريخ الحقيقي، وإذا شعر بأن المريض يزيف الأعراض المرضية يحيله إلى طبيب نفسي.
هل هناك علاج لهذه المتلازمة؟
يبدو علاج هذه الحالة مُعقداً وطويلاً ويحتاج لعدة تخصصات، لأن المريض لا يعترف بمرضه، ويمتلك قدرة فائقة على الخداع والتلاعب، لكن خط العلاج هو التحليل النفسي، والعلاج السلوكي المعرفي، والعلاج النفسي طويل الأمد. أيضاً فحص التاريخ المرضي للمصاب، وللضحية والعائلة لمعرفة حقيقة إدعائات المصاب، كما أن أهم عنصر في العلاج هو إرساء الثقة بين الطبيب والمريض، والوصول إلى السبب الكامن وراء هذه المتلازمة. أحد الحلول الناجحة لمتلازمة مونخهاوزن بالوكالة هي فصل الأم عن طفلها لفترة طويلة. قد يصعب التعاطف مع ذوى مونخهاوزن بالوكالة؛ خاصةً من عانى منها مثل إيمينم لدرجة جعلته يتمنى قتل أمه، لكن الحقيقة أن المصاب بمتلازمة مونخهاوزن بالوكالة هو شخص مريض لا يعي ولا يرى أن ما يفعله ضاراً.
ومن هنا تأتي أهمية التوعية بالصحة النفسية، وكيفية التعامل مع المريض ومع الاضطرابات النفسية بشكل عام، لأنه من القسوة هو أن يُعاقب المريض على مرضه.