من الصعب الاتفاق على تعريف واحد للوعي، لذلك نصاب بالحيرة عندما نقرأ عن شخص كان في غيبوبة لمدة 15 عاماً، ثم استعاد وعيه فجأة. ماذا يعني أن تكون واعياً بنفسك وبالعالم من حولك؟ إذا كنت فقدت وعيك ومن ثم استعدته، فمن الواضح أنك استيقظت مع العديد من القدرات نفسها التي كانت لديك قبل أن تفقد وعيك. ولكن ليس هذا ما حدث لهذا المريض. فما الذي استعاده هذا المريض بالضبط؟
صدر تقرير حالة نشر في دورية "كارانت بيولوجي" Current Biology في سبتمبر 2017، يتحدث عن رجل تعرض لحادث سيارة قبل 15 عاماً، جعله يرقد في وضع يدعى الحالة الخضرية (وهي حالة من اللاوعي أثناء اليقظة تستمر لفترة شهور أو سنين طويلة). وانطلاقاً من فرضية أن تحفيز العصب المبهم -وهو أحد الأعصاب القحفية الرئيسية- قد يساعد الدماغ في استعادة وظيفته، بدأ علماء الأعصاب علاج الرجل بنبضات كهربائية صغيرة. ويمكن أن يساعد تحفيز العصب المبهم مرضى الصرع والأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب، ولكن مازال البحث جارياً حول دور ذلك في علاج مجموعة واسعة من الاضطرابات الأخرى. ويرتبط هذا العصب بالعديد من الأعضاء التي يمكن أن تؤثر على العديد من وظائف الجسم، دون أن يكون لذلك آثار جانبية قد تأتي من الأدوية. ويبدو أن الأمر يستحق المحاولة، لذلك زرع الأطباء جهازاً صغيراً في الجزء العلوي الأيسر من صدر المريض، بحيث يمكن أن يحفز العصب المبهم.
ولاحظ الأطباء تحسناً بعد شهر واحد فقط، واستمر التحسن خلال الأشهر التالية مع استمرار العلاج. وأظهر الدماغ نشاطاً متزايداً في المناطق التي كانت هادئة في السابق. وكان المريض في النهاية قادراً على متابعة جسم متحرك بعينيه، وتحريك رأسه لينظر إلى الشخص المتكلم. بل كان قادراً حتى على البكاء والابتسام بالجزء الأيسر من وجهه عندما كان يستمع إلى موسيقاه المفضلة. ولم تصدر أي مستجدات عن تقدم حالته منذ تاريخ كتابة الدراسة، ولذلك لم يتضح بعد إن كان هناك أي تحسن جديد.
ويمكننا جميعاً أن نتفق على أن الشخص في هذه الحالة، وقد تفاعل مع الناس والموسيقى والأسئلة، قد استعاد وعيه. ولكن المشكلة ليست في الطريقة التي نحدد بها الوعي على أساس كل حالة على حدة؛ ولكنها في الطريقة التي نحدد بها المفهوم بشكل عام.
وتعرّف الحالة الخضرية عموماً بأنها فقدان إدراك المريض لنفسه ولبيئته، بينما يكون الشخص الواعي بالحد الأدنى قادراً على إدراك الأشياء، والتواصل البصري، والاستجابة للأوامر.
وتساعد أجهزة تصوير الدماغ في تحديد ما إذا كان هناك أي نشاط يحدث في غياب الحركة. وهناك أيضاً مقياس الشفاء من الغيبوبة الذي يتتبع العديد من الطرق التي يمكن للمريض استعادة وظائفه من خلالها، من حركات العين إلى وظيفة السمع إلى الحركة المادية. وتساعد الدرجة التي يحصل عليها المريض من خلال هذا المقياس في تحديد ما إذا كان واعياً بالحد الأدنى أو في حالة خضرية تامة. وكان مقياس الشفاء من الغيبوبة مجرد جهاز واحد من الأجهزة التي استخدمها الباحثون في هذه الحالة. كما قاموا بتنفيذ تقنيات مختلفة في تصوير الدماغ لتحديد أي أجزاء من دماغ المريض كانت نشطة.
وعلى عكس العدوى والاضطرابات الوراثية، لا يوجد اختبار واحد لتحديد حالة الوعي. هناك إرشادات وتسجيل نقاط ودعوات محاكمة. وللأسف فإن هذا الأمر يقود أحياناً إلى ارتكاب أخطاء.
وقد وجدت دراسة تعود إلى عام 2010 نشرت في دورية "نيو إنجلاند الطبية"، أن حوالي 40 في المائة من مرضى اضطرابات الوعي قد تم تشخيص حالتهم بشكل خاطئ. وكان أولئك الأشخاص قادرين على التواصل بشكل فعلي، حتى وإن كان بمجرد الرد على الأسئلة بنعم أو لا، ولكن كان يفترض أن يكونوا في حالة خضرية تامة. كما وجدت دراسة مشابهة نشرت في دورية "ذا لانسيت" نفس المعدل من سوء التشخيص. ويشير مؤلفو الدراسة إلى عدد أكبر من المرضى الذين يمكن أن يكونوا واعين، ولكن غير قادرين على التواصل مع العالم الخارجي ولو بحركة العين. ومن ناحية أخرى، تجادل إحدى دراسات المتابعة بأن هذه النتائج كانت تفسيراً خاطئاً للتشويش العشوائي في التصوير الدماغي، ولا تشير فعلياً إلى الوعي على الإطلاق.
ولكن كل هذا لا يشير إلى أن الأطباء يهملون أو يتجاهلون عمداً علامات الحياة في مرضى الغيبوبة. كل ما في الأمر أنه من الصعب جداً تحديد هذه المسألة، ولكنها في الوقت نفسه مهمة بشكل استثنائي. يمكن نزع وسائل دعم الحياة عن مرضى الحالة الخضرية بموافقة أسرهم. ولكن إذا كان من الصعب معرفة ما إذا كان الشخص واعياً أم لا، فما مدى صعوبة الوضع الذي يواجهه الأطباء للنظر في حالة المريض قبل أن يتمكنوا من تصنيفه على أنه لا يستجيب؟ إن الأسر التي تختار أن تنزع عن أقاربها وسائل دعم الحياة قد تواجه شعوراً هائلاً بالذنب بسبب قرارها. ويزيد الأمر سوءاً فكرة أن أحباءهم قد يكونوا في مكان أفضل، على الرغم من كل ما لدينا من أدلة على عكس ذلك.
وماذا لو كان المريض الواعي نفسه يريد رفع وسائل دعم الحياة؟ ماذا لو لم تكن الحياة مع عدم وجود حركة أو اتصال حقيقي هادف هي الحياة التي يريدونها؟ فبعض الولايات والبلدان تمنح الأشخاص المصابين بمرض عضال الحق في إنهاء حياتهم. هل علينا أن نقدم نفس العرض لمرضى الغيبوبة الواعين؟ وإذا كان الأمر كذلك، فكيف يمكننا التأكد من توفر هذا الخيار إذا لم نتمكن من تحديد من هو المريض الواعي أصلاً؟
إن دراسة هذه الحالة هي في الواقع خطوة واعدة لعلاج مرضى الغيبوبة (على الرغم من أنها مجرد حالة واحدة، ولا يمكننا أن نفترض أن نفس الإجراء يعمل مع أي شخص آخر). ولكن الأسئلة الأكبر التي أثارتها نتائج هذه الدراسة وما شابهها لها جوانب أخلاقية وفلسفية ستحير العلماء وممارسي الطب في المستقبل. إن تحديد حالة الوعي ،وتحديد كيفية تقييمها، هو مسعى صعب وربما مستحيل، لكنه مهم أيضاً. وإذا كنا لا نعرف أين تبدأ الحياة الواعية وأين تنتهي، فلا يمكننا أن نعرف كيفية حمايتها أو الحفاظ عليها، أو حتى تحديد متى نتخلى عنها.