مع إعلان مطوري لقاح فيروس كورونا تحقيق نتائج واعدة، واقتراب التوصل إلى لقاحٍ فعال له، يتبادر إلى الذهن سؤال مهم يتعلّق بالصحة العامة وهو: هل يحق للحكومات إلزام المواطنين بالحصول على اللقاح؟
من المتوقع أن يرفض البعض الحصول على لقاح كورونا، وهناك جدل كبير منتشر بين الناس في دول العالم حول ارتداء الأقنعة الواقية، كما يوجد هناك نشاطٌ متزايد عموماً لحركات مضادة للتطعيم في كل مكانٍ بشكلٍ عام، لذلك لن يكون إلزام الناس بالحصول على اللقاح أمراً سهلاً.
في الواقع، هناك حقوق وواجبات متناقضة للناس في كلا الاتجاهين. فإجبار الفرد على أخذ اللقاح يُعد انتهاكاً لحقه الأساسي في الاستقلال الذاتي الشخصي، والذي يتضمن -من بين حقوقٍ أخرى- حريته في التصرف بجسده. في الأساس، تضمن هذه الحقوق لأي شخصٍ حرية اتخاذ أي قراراتٍ تتعلق به، وماذا يمكنه فعله بجسده.
The Serum Institute was the first to announce, in April, that it was going to mass-produce a coronavirus vaccine candidate before clinical trials even ended https://t.co/t7NbvTvR41
— New York Times World (@nytimesworld) August 1, 2020
واجب الدولة في حماية مواطنيها
بينما تدعم المعاهدات الدولية لحقوق الإنسان هذا الأمر، فإنها لا تتحدث عن الحق في رفض العلاج الطبي تحديداً. وبدلاً من ذلك، فإنها تقول أن لكل فرد الحق في عدم التعرض للتجارب الطبية دون إرادتهم وموافقتهم التامة.
وهنا نرى مدى المخاطر العالية التي يمكن أن تحصل. هذه الحقوق هي جزء من مجموعة أوسع من الحقوق التي تتضمن عدم التعرض للتعذيب، أو المعاملة والعقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة. والإشارة التي تذكر الحق في عدم التعرض للتجارب الطبية؛ كانت استجابة لما حدث في ظل النظام النازي خلال الحرب العالمية الثانية.
لكن الحق الأساسي في الحياة يبرز أهمية الحصول على لقاح فيروس كورونا، لأنه يعني ضمنياً أنه يجب على الحكومات بذل الجهود لحماية حياة مواطنها من خلال حمايتهم من الأمراض التي تهدد حياتهم.
ورغم أن لكل فرد الحق في التمتع بأعلى مستوى صحي ممكن، فإن ذلك يشمل أيضاً الحق في عدم تلقي العلاج الطبي دون الموافقة على ذلك. ولكن ذلك بدوره قد يكون خاضعاً لالتزام الدولة بمنع المرض ومكافحته.
لا يمكن تقييد الحق في عدم تلقي أي علاجٍ بدون موافقة إلا في ظل ظروف محددة تحترم أفضل الممارسات والمعايير الدولية. لذلك، يتطلب تنفيذ برامج التطعيم الشاملة إجراءاتٍ متوازنة.
منذ فترة طويلة؛ اعترفت المحاكم في نيوزيلندا، ومن قبلها الإنجليزية، بالحق في السلامة الجسدية وحمايته. كما ينص قانون شرعة الحقوق النيوزيلندية لعام 1990 بوضوح على أن لكل شخص الحق في رفض العلاج الطبي.
هل يمكن للصحة العامة أن تقيد الحقوق الفردية؟
إن أي تقييد لهذا الحقوق وأي تدخل في السلامة الجسدية للفرد، سيحتاج إلى إذنٍ قانوني صريح. ويتعين تبرير مثل هذا التشريع بمزيدٍ من التفصيل، وحيثما أمكن، بما يتفق مع قوانين شرعة حقوق الإنسان.
هناك عدة أمثلة على كيفية القيام بذلك. على سبيل المثال، عالج قرار صدر مؤخراً عن المحكمة العليا لنيوزيلندا مشكلة ما إذا كانت فلورة المياه (فحص التسمم الرصاصي وتمييز الفلزات) كتدبير من تدابير الصحة العامة؛ تمثل انتهاكاً للحق في رفض العلاج الطبي. وجدت المحكمة أن الأمر كذلك فعلاً، لكن المحكمة قررت أن بعض إجراءات الصحة العامة يمكن أن تلغي الحق في رفض العلاج الطبي حين تكون هذه الإجراءات مبررة بوضوح.
بالنسبة للتطعيم الإجباري، فالتبرير الواضح يعني أنه يجب أن يكون هناك هدف منطقي ومبرر للتطعيم الإلزامي؛ يبرر القيود التي ستُفرض على الحق في رفض العلاج الطبي. كما ينبغي أن تكون هذه القيود منطقية وغير مبالغٍ فيها، وتحقق أهداف الصحة العامة، ويجب أن تكون متناسبة مع مدى أهمية التطعيم الإلزامي.
عواقب رفض التطعيم
في النهاية، إذا توفر لقاح فيروس كورونا، سيكون للمواطنين في بعض دول العالم الحق (ولكن ليس الحق المطلق) بموجب القانون الدولي والمحلي في رفض الحصول على لقاح كورونا. لكن يمكن للحكومات -بل وربما تكون مُلزمة أيضاً- بتجاوز هذا الحق. لذلك ليس هناك إجابة قاطعة حول ما إذا كان لقاح كورونا ينبغي أن يكون إلزامياً أم لا. علاوة على ذلك، فإعلان الحكومات أن التطعيم إلزامي لا يعني هذا أنه أصبح إلزامياً بالفعل. فلا يزال بإمكان الشخص ممارسة حقه في رفض الحصول على اللقاح، ولكن يمكن للحكومات بعد ذلك فرض قيود على الحقوق والحريات الأخرى.
قد يعني ذلك عملياً منع السفر أو إغلاق المدارس أو أماكن العمل إذا كان أي منها يعرّض صحة وحياة الآخرين للخطر. وبالمثل، فإن رفض التطعيم يمكن أن يهدد صحة الآخرين، ويهدد الصحة العامة، ويحد من فرصة الآخرين من قدرتهم على العمل وتحسين رفاههم.
ولكن، مرة أخرى، سيتعين على الحكومات تقديم مبررات واضحة لأي من هذه القيود.
القبول العام أمر مهم للغاية
من دون شك، سيكون فرض التطعيم مثار جدل كبير، وستحتاج الحكومة إلى اللجوء إلى مقارباتٍ متوازنةٍ أخرى. لكن لجوء الحكومة إلى خيار اللقاح الطوعي البحت؛ سيكون له نتائج متباينة أيضاً كما أظهرت فاشية الحصبة التي حدثت عام 2019. تمثلت المشكلة الرئيسية حينها في سوء تصميم برنامج التحصين الذي نجم عنه إغفال أهدافٍ عرقية واجتماعية واقتصادية وإقليمية مختلفة.
في الواقع، سيعتمد نجاح مقاربة اللقاح الطوعي على تصميم برنامج تطعيمٍ عالي الأداء يمكن أن يصل لجميع المواطنين في كل دولة، ودعمه أيضاً بحملة تثقيف وتوعيةٍ عامة ومؤثرة.
في النهاية، كما أظهرت تجربة نيوزيلندا الناجحة بالفعل في مكافحة انتشار فيروس كورونا، فإن فعالية أي قانونٍ يعتمد على كل شخص، وعلى القرارات التي تتخذها الحكومات.