دائماً ما تكون الحاجة أمّ الاختراع، وهكذا الأمر بالنسبة لحفظ الأغذية. فعلى الرغم من شيوع تقنيات التبريد ووجودها في كل المنازل، فإن هناك عدة طرق أخرى يمكن استخدامها لحفظ الغذاء بكفاءة ولمدة جيدة، وتختلف هذه الأساليب تبعاً لنوع الغذاء المستخدم والإمكانات المتاحة، ومعظم هذه التقنيات عمره مئات السنين.
لماذا يجب أن نحفظ الطعام؟
يُحفظ الطعام ليكون قابلاً للاستهلاك البشري مدة أطول ولتأمين إمدادات منه في أوقات عدم توفره، وأهم العوامل التي تسبب فساد الأطعمة ويجب التعامل معها ما يلي:
-
التلف الناجم عن تفشي البكتيريا الضارة للإنسان
ومن أهم تلك البكتيريا الإشريكية القولونية والسالمونيلا وغيرها من الممرضات، ولكي تنمو البكتيريا فهي بحاجة للرطوبة والدفء وزمن قليل نسبياً لكي تتكاثر وتفسد الطعام من خلال سمومها، مسببة تغيراً في الطعم أو تسمماً غذائياً.
-
أثر إنزيمات تَحلُّل الفواكه والخضار
هي الإنزيمات والمواد التي توجد داخل الخلية النباتية، وعند تعرض النباتات للقطع أو التلف تخرب هذه الإنزيمات من الخلايا فتسبب تلفها، وأحد أشهر الأمثلة على ذلك اغمقاق لون التفاح عند قطعه في النصف، إذ تتأكسد مركبات الفينولات بواسطة إنزيم بولي فينول أوكسيداز فتعطي مركبات بنية اللون تدعى الكينونات، وهناك عدة إنزيمات أخرى تعمل بنفس المبدأ.
-
نمو العفن
وهو فطريات تتغذى على المواد النباتية والحيوانية في البيئة، ويحتاج إلى رطوبة وتوفر المواد العضوية، وتنتشر أبواغه عبر الهواء أو الماء، وتنشر سموماً مؤذية، ومن أشهر هذه الأعفان والتي تنمو على الخبز هي الرشاشيات والبنسليوم والفيوزاريوم والميجور والجذمور.
اقرأ أيضاً: ما التوقيت المناسب لإضافة الملح إلى الطعام؟
التقنيات المستخدمة لحفظ الطعام والفواكه
قد نُضطر بسبب عطل في الثلاجة أو وجود خلل بالكهرباء إلى اتّباع طرق جديدة في حفظ الأطعمة، ومبدأ عمل التبريد في الحفظ هو منع البكتيريا من التكاثر والإنزيمات المحللة من العمل نتيجة البرودة الشديدة، فالإنزيمات بحاجة لحرارة معينة لتعمل بها بكفاءة، مثلاً عند الإنسان درجة حرارة 37 مئوية هي المثلى لعمل إنزيمات الجسم. ومن أهم التقنيات التي تحفظ الأطعمة من الفساد ما يلي:
-
التعليب
وتعتمد هذه الطريقة على حفظ الطعام المطبوخ جزئياً، والهدف من طبخه جزئياً هو تعريضه للحرارة التي تقتل البكتيريا الموجودة في هذا الطعام، ومن ثم حفظه بعلبة نظيفة ضمن سائل لاستخدامه لاحقاً، وتستخدم لحفظ سمك التونة والذرة والبازلاء وغيرها من المواد.
-
التجفيف
وهي طريقة بسيطة نتبعها لإزالة محتوى الرطوبة من الطعام، فالبكتيريا وتفاعلات تحلل الطعام بحاجة إلى وسط تفاعل لكي تتم وهو الماء، فإزالة الماء توقف التلوث والفساد، ومن الممكن أن يتم التجفيف في الفرن أو تحت أشعة الشمس، ويمكن استخدامه للطماطم والنعناع وغيرها.
-
التدخين
يستخدم في حفظ اللحوم غالباً، ويتم فيه إزالة رطوبة الطعام عن طريق الطهي فوق الدخان، حيث يوضع اللحم فوق نوع خشب مشتعل مثل الصنوبر والجوز والبلوط، وتقوم حرارة الدخان بقتل الحشرات أو البكتيريا الموجودة في اللحوم وتعطيها نكهة خاصة، ومن ثم يمكن حفظها للاستخدام لاحقاً.
-
التمليح
وتعتمد هذه الطريقة على تغطية الطعام بطبقة من الملح الذي يقيه من نمو البكتيريا أو العفن، ومبدأ عمل الطريقة هو أن التوازن الحلولي للوسط بوجود الملح سوف يؤدي لسحب الماء من البكتيريا لكي يعادل نسبة الشوارد، فيخرج منها تجاه الملح وتموت البكتيريا، وتستخدم في حفظ اللحوم غالباً.
-
التفريغ من الهواء
تقوم هذه الطريقة على سحب الهواء أي الأوكسجين الموجود ضمن العلبة أو الكيس الذي يحفظ الطعام به، ما يمنع حدوث تفاعلات الأكسدة التي تضر بالأغذية، ومن الممكن تطبيقها عن طريق وضع الطعام ضمن كيس وسحب الهواء منه من خلال قشة أو جهاز تفريغ، وختم الكيس بواسطة قفل موجود على الكيس أو باستخدام سكين محمّى على النار ليقفل به الكيس البلاستيكي، ويمكن لهذه الطريقة أن تحفظ الخبز أحياناً لبضعة أيام دون وجود ثلاجة.
اقرأ أيضاً: دليلك الشامل لتدخين الأسماك
-
التخمير
وتعد من الأساليب المشهورة في حفظ الطعام، ومن أهم المأكولات التي تحفظ بالتخمير المكدوس واللبن، ومبدأ الحفظ فيها هو تحويل الكربوهيدرات التي يمكن أن تتغذى عليها البكتيريا إلى أحماض عضوية وخل بواسطة أنواع مفيدة من البكتيريا.
-
الحفظ بالعسل
ومن خلالها يمكن حفظ الفواكه لمدة جيدة، إذ يمكن أن يبقى العسل صالحاً لفترة 3000 سنة بحسب بعض السجلات، ويمكن استخدامه أيضاً لحفظ اللحوم في بعض الثقافات، فالعسل يحتوي على نسبة سكر مثالية تقتل البكتيريا بنفس مبدأ التمليح عن طريق التناضح وفرق الضغط الحلولي، وهي طريقة حفظ مشابهة لمبدأ المربيات.
-
الحفظ بالخل
يمكن اعتبار المخللات بأنواعها خاضعة للتخمر الخلي ومن ثم تحفظ في الخل، وهناك عدة مواد وخضروات يمكن حفظها بالخل ومنها ما يلي: الطماطم والجزر والبامية والشوندر والفلفل واللفت والبيض والفلفل والباذنجان والثوم والبصل والفاصولياء الخضراء والذرة والفطر واللحوم والفجل والكوسا والقرع والأفوكادو.
-
التشعيع
تعد طريقة حديثة نسبياً، إذ يتم تعريض الأطعمة للإشعاع المؤين لحفظها، والأشعة المستخدمة لهذا الغرض هي أشعة غاما والأشعة السينية وإشعاع الإلكترون، ويمكن استخدام الأشعة فوق البنفسجية أيضاً بنسب مضبوطة. وتمت الموافقة على هذه الطريق من قِبل منظمة الصحة العالمية وغيرها من الهيئات الغذائية الدولية، وتستخدم في حفظ اللحوم والخضار والفواكه والبيض وغيرها.
-
التشميع
ويمكن استخدام هذه الطريقة لعمل حاجز ضد الرطوبة والتعرض للبكتيريا، وتستخدم لحفظ الخضار والفواكه وبعض أنواع اللحوم، وقد يكون الحفظ عن طريق رش طبقة شمعية أو وضع ورق تغليف يحتوي على الشمع، ويعد صحياً أكثر من التغليف بالبلاستيك، وكذلك يمكن استخدام الشحوم الحيوانية للحفظ بشكل مشابه، ويعتمد البعض على الزيت للحفظ لكن بالغمر به وليس كطبقة واقية.
على الرغم من أن التبريد بالثلاجة يعد أبسط طرق حفظ الأغذية وأكثرها ملاءمة لنمط حياتنا العصري، إذ يكفي أن تفتح باب الثلاجة وتضع الطعام بها لتحفظه، فإن هناك عدة طرق أخرى أكثر صداقة للبيئة يمكن تجربتها لحفظ الطعام واستخدامه، واكتساب نكهات جديدة في الوقت نفسه.