تنتشر اضطرابات الأكل في عائلتي، وتوفّي أحد أبناء عمومتي مؤخراً بسبب أحدها. لم تكمن المشكلة في كمية الطعام التي تناولها، بل في نوعيتها؛ إذ إنه كان يشرب المشروبات الغازية ويأكل رقائق البطاطس والحلوى طوال الوقت.
كان ابن عمي يتناول كميات كبيرة من الوجبات الخفيفة التي أدت إلى موته، فهذا النظام الغذائي تسبب في إصابته بالأمراض القلبية والسكري والمضاعفات الصحية الأخرى. يتمثّل أحد الأسباب التي دفعته لتناول الأطعمة غير الصحية في عامل غير متوقع، وهو أنه لم يكن قادراً على الشعور بالشبع لفترة طويلة.
تقول أخصائية التغذية ومؤسسة شركة ستريت سمارت نيوتريشن (Street Smart Nutrition)، كارا هاربستريت (Cara Harbstreet): "تعتبر الأطعمة التي تتألف من الكربوهيدرات والتي تحتوي على كمية كبيرة من السكر مستساغة؛ فهضمها سهل ولها حجم ضئيل لأنها لا تحتوي على الكثير من الماء. لذلك، يمكن أن تتناول كمية كبيرة منها قبل أن تتوسع معدتك. مع ذلك، لا تحتوي هذه الأطعمة على الألياف أو المغذيات الأخرى التي تحفّز الشعور بالشبع وتخفض من سرعة الأكل".
هل تتذكّر شعور الامتلاء الذي تحس به بعد تناول شريحة من اللحم أو حساء البازلاء؟ يطلق الباحثون على هذا الشعور اسم الشبع. طوّر باحثون أستراليون في عام 1995 مؤشراً للشبع لتصنيف الأطعمة التي تُشعر البشر بالشبع أكثر من غيرها. وجد الباحثون بعد تقديم الأطعمة المختلفة لمجموعة من المشاركين ومراقبة شعور الشبع لديهم أن الأطعمة التي تتسبب في أدنى درجة من الشعور بالشبع هي تلك الغنية بالكربوهيدرات والسكر. هذه الأطعمة لذيذة، لكنها تحفّز شعور المكافأة الناجم عن إفراز الجسم لهرمون الدوبامين بعد تناولها على الرغم من أن السعرات الحرارية الموجودة فيها غير مفيدة.
اقرأ أيضاً: لماذا نستمر بالأكل حتى بعد الشبع؟
الأطعمة عالية الحرارة
يقول عالم الأغذية الدكتور تيلور والاس (Taylor C. Wallace) إن الأطعمة ذات مؤشر الشبع المرتفع، أي التي تشعرك بأكبر درجة من الشبع للفترة الأطول، هي أطعمة ذات "حرارة عالية"، ما يعني أن "عضلات المعدة والأمعاء تستهلك كمية كبيرة من الطاقة لهضمها". يعتبر البروتين من المواد الغذائية العالية الحرارة الأساسية. يقول والاس: "يستهلك الجسم نحو 30% من السعرات الحرارية التي يكتسبها من تناول البروتين في هضمه".
تأتي الدهون بعد البروتين مباشرة في قائمة الأطعمة العالية الحرارة، وهي تبطّئ امتصاص الجسم للكربوهيدرات. يعلم كل شخص يحب تناول الخبز المحمّص المدهون بالزبدة أن الدهون تتمتع بنكهة لذيذة تحفّز الشعور بالشبع والرضا. تلي الألياف الدهون في القائمة، وهي مواد "خشنة" تجعل هضم الحبوب الكاملة والفاكهة والخضار والبقوليات أصعب على الجسم (ولكن بطريقة غير مضرة). تحتوي الأطعمة الغنية بالألياف عادة على كمية كبيرة من الماء، والذي يتسبب في امتلاء المعدة أكثر.
مقياس الشعور بالشبع
ثمة أطعمة يستغرق هضمها وقتاً أطول من غيرها، وهذا هو جوهر مقياس الشعور بالشبع. تقول أخصائية الأنظمة الغذائية والتغذية وخبيرة التغذية الرياضية الوظيفية التي تعمل مع الرياضيين المحترفين، كايلين بوغدن (Kylene Bogden): "تشعرك الأطعمة الكاملة عموماً بالشبع لفترة أطول من الأطعمة المعالجة".
اقرأ أيضاً: 15 سبباً تجعلك تشعر بالجوع حتى بعد تناول الطعام
مع ذلك، حذّر الخبراء الذين تكلّمت معهم من استخدام مؤشر الشبع لتحديد النظام الغذائي الذي يجب اتباعه، ويقولون إن الأنظمة الغذائية ليست فعالة. يقول والاس: "بيّنت الدراسات السريرية أن تأثير هذه الأنظمة ضئيل إلى معدوم". استخدم الباحثون مؤشر الشبع بشكل محدود فقط في المختبرات، ولم يتم تطبيقه في دراسات واسعة تخص السلوكيات اليومية حيث يمكن اختبار فعاليته بدقة.
مع ذلك، يعتبر مفهوم الشبع مفيداً. تقول الطاهية المتخصصة في الأنظمة الغذائية الخاصة (أي المصممة بعناية لاستثناء بعض الأطعمة لأسباب تتعلق بالحساسية أو عدم تحمّل الأطعمة وغيرها من العوامل) وأخصائية التغذية التي عملت مع مشاهير مثل الممثلة غوينيث بالترو (Gwyneth Paltrow) والمغنية بينك (P!nk)، آريان ريزنك (Ariane Resnick): "إذا أكلت قطعة دونَت (doughnut) وشعرت بالمكافأة، لن تستغرب رغبة جسمك في تناول وجبة أخرى. وإذا أكلت الأسماك والخضار، وحصل جسمك على المغذيات التي يحتاج إليها، فلن تستغرب الرغبة التي يولّدها دماغك في تناول الدونَت".
يبدو ذلك منطقياً بالنسبة لي. وفي عالمنا الذي يسعى فيه المشاهير للتوصل إلى طرق مختصرة لتخفيف الوزن مثل تناول عقار أوزمبيك (Ozempic) وغيره من أدوية علاج مرض السكري بهدف تخفيف الشهية، وحيث يرفض آخرون، مثل ابن عمي، معالجة السكري ويستمرون في تناول الأطعمة غير الصحية، يبدو أن الانتباه لشعور الشبع هو نهج متوازن وعقلاني في تناول الطعام. قدّم المحترفون الذين تحدّثت إليهم بعض النصائح حول الاستفادة من مؤشر الشبع، وسنوردها أدناه.
لا تخلط بين الشبع وتعزيز الصحة
يقول والاس: "يمكنك تناول شطيرة البرغر التي تحتوي على 3 شرائح من اللحم دون الخبز، وهذه وجبة تحفّز شعور الشبع لكنها ليست صحية. قد تخفف وزنك بهذه الطريقة، ولكن قد يتسبب ذلك في ارتفاع مستويات الكوليسترول الضار أو ارتفاع ضغط الدم". مع ذلك، قد تساعدك الاستفادة من شعور الشبع في تجنّب أضرار عدّ السعرات الحرارية. تقول بوغدن: "يمكنك أن تُجوّع نفسك من خلال تناول رقائق البسكويت الفقيرة بالسعرات الحرارية التي تتسبب بارتفاع كبير في مستويات السكر في الدم. ولكن سيجعلك ذاك تشعر بالجوع دائماً ولن يفيدك في تخفيف الوزن، كما أنك ستعاني من انخفاض الطاقة. تحافظ الأطعمة التي يستغرق هضمها وقتاً أطول على استقرار مستويات السكر في الدم".
اقرأ أيضاً: كيف تحافظ على مستوى سكر الدم في موسم العطلات والحفلات؟
اجعل شعور الرضا بوصلتك
لا تحب ريزنك تناول الخضار المسلوقة، تقول: "أفضّل تناول الخضار المشوية مع الدجاج أو المقلية بالتحريك" (القلي بالتحريك هو تقنية للطهي تقلى فيها الأطعمة بكمية قليلة من الزيت مرتفع درجة الحرارة). إذا كانت تفضيلاتك مشابهة لتفضيلات ريزنك، فمن المرجّح أنك تتناول كمية قليلة من الدهون عند تناول الخضار. ثمة أنواع من الفيتامينات الموجودة في الخضار تعتبر قابلة للانحلال في الدهون، ولن يستطيع الجسم امتصاصها ما لم تكن الخضار مشبعة بالدهون (مثل مرق لحم الدجاج). تضيف ريزنك قائلة: "لذلك، عليك أن تفكر في تناول الأطعمة التي تشعرك بالرضا بالإضافة إلى أنها مغذّية. يمكن للبشر إرضاء رغباتهم أكثر من الالتزام بقناعاتهم".
تناول الأطعمة المتنوعة
يتطلب الشعور بالشبع 3 مكونات، البروتين والدهون والألياف. تقول هاربستريت: "ستشعر بالجوع إذا افتقرت وجباتك لأحد هذه المكونات؛ إذ إنك لن تشعر بالرضا، وقد تبحث عن أطعمة أخرى لتناولها". يعني ذلك أنه يجب عليك تناول الأطعمة مختلفة القوام وذات الألوان والنكهات المختلفة قدر الإمكان.
تجنّب الأفكار المتطرّفة في تناول الطعام
تقول ريزنك: "من المحتمل ألا تقتصر الأطعمة التي سيحتاج إليها جسمك على الأسماك والخضار، وذلك لأن هذه الأطعمة لا تشعرك بأكبر قدر ممكن من السعادة والرضا لأنها ليست غنية بالسكر أو الملح أو الدهون، والتي تعتبر من المواد المحفزة عاطفياً. لذلك، يمكنك تناول الأطعمة التي تحتوي على الكربوهيدرات أيضاً". إذا كان تناول الأطعمة الغنية بالكربوهيدرات المكررة (مثل الخبز الأبيض والمعكرونة) يشعرك بالرضا، تناول هذه الأطعمة أولاً ثم حاول تناول الكربوهيدرات الأقل تكريراً مثل الأرز البني وحبوب البقوليات.
اقرأ أيضاً: «لحم الفقراء»: ما فوائد البقوليات لصحة الجسم؟
كن استباقياً
إن الامتناع عن تناول الأطعمة التي لا تشعرك بدرجة عالية من الشبع أمر مستحيل؛ إذ إن البشر يعجزون عن مقاومة رغباتهم في أغلب الحالات. تنصح هاربستريت باتباع نهج مدروس وواعٍ بدلاً من حرمان نفسك من الأطعمة التي تحبها؛ إذ تقول: "إذا تلقيت دعوة لحضور حفلة عيد ميلاد على سبيل المثال، اتبع استراتيجية استباقية، تناول وجبة متوازنة قبل الذهاب للحفلة، ثم تناول الكعك هناك. لا توجد حقائق مطلقة الصحة أو الخطأ في هذا المجال، ويمكنك اتخاذ القرار بتناول الكعك من عدمه حسب الحالة.
اكتب مذكراتك الخاصة لتتبع الأطعمة التي تناولتها
حاول أن تحدد ميولك الخاصة من خلال تتبع الأطعمة التي تتناولها. تقول بوغدن: "وثّق أنواع الأطعمة التي تتناولها عادة وحاول وصف المشاعر التي تحفّزها هذه الأطعمة بالكتابة، ووثق درجة الشبع التي تشعر بها بعد نصف ساعة أو ساعة أو ساعتين من تناول الطعام". يمكن تضمين معلومات مثل طاقة جسمك بعد تناول الطعام أو ما إذا كانت لديك رغبة بتناول المزيد.
تضيف بوغدن قائلة: "حاول بعد ذلك تناول الأطعمة التي تشعرك بالشبع ووثّق تجربتك مجدداً". إذا استحضرتْ كتابةُ المذكرات مشاعر سلبية، استشر متخصصاً يمكنه مساعدتك على الاستفادة من شعور الشبع والآليات الأخرى بطريقة تناسب عقلك وجسمك. تقول ريزنك: "لا توجد طريقة واحدة فعالة بالنسبة للجميع. يمكنك تطبيق العديد من الطرق للتوصل إلى الطريقة التي تناسبك".