تزعم دعايات المشروبات الرياضية التجارية -التي نشاهدها في كل مكان منذ عقود- أن لمنتجاتها فائدتين أساسيتين: ترطّب الجسم بشكلٍ أفضل من الماء، ستجعلنا نتعرّق سائلاً برتقالياً أو أزرق بدلاً من قطرات العرق التي يفرزها جسمنا. بالطبع، هذه المزاعم غير صحيحة مطلقاً، لكنها تقودنا إلى نقطة أخرى مثيرة للاهتمام، وهي أن السبب وراء رواج المشروبات الرياضية في الواقع ليس كما نظن.
في الواقع، يعود السبب الحقيقي الذي يدفع الكثير منا لشرب المشروبات الرياضية إلى مزيجٍ من المكافأة الكيميائية العصبية المتأتية من مذاقها الحلو بفعل السكر المكونة منه، بالإضافة إلى الرسائل اللاشعورية المتأصلة في إعلانات المشروبات الرياضية التي تخبرنا أن الرياضيين الحقيقيين يشربونها، ولكننا لا نعتقد أن هذا السبب هو الذي يدفعنا لشربها فعلاً.
ربما نعتقد من الناحية العلمية أن المشروبات الرياضية تقدم فائدة إضافية لأجسامنا لا يقدمها الماء العادي؛ وهذا صحيح في الواقع. لكن من الناحية الرياضية، ليس من الواضح مدى احتياج المتمرن العادي فعلاً إلى هذه الفوائد الإضافية، خاصةً عند النظر إلى ما تحتويه معظم المشروبات الرياضية من كمياتٍ هائلة من السكر. لذلك دعونا نوضح بالضبط لماذا قد تُضطر إلى تفريغ زجاجة كبيرة من تلك السوائل الملونة خلال التمرين التالي، ولماذا قد لا تحتاج إلى ذلك على الإطلاق.
المشروبات الرياضية ترطب الجسم
يأتي هذا الادعاء من دراسةٍ مولتها شركة «جاتوريد» لصناعة المشروبات الرياضية، والتي خلصت إلى أن الأشخاص الذين يشربون منتجاتها كان يتمتعون بمستوى أعلى من الرطوبة من أولئك الذين يشربون الماء. عملياً، إذا شربت نفس الكمية من الماء التي كنت لتحصل عليها من منتجات جاتوريد، فستحصل عملياً على نفس نسبة مستوى الترطيب، ولكن هذا لا يعني أن ما قالته شركة جاتوريد ليس منطقياً بطريقةٍ ما.
تقول «دومينيك أدير»، أخصائية تغذية مسجلة وعضو في اللجنة الاستشارية العلمية للمجلس الأميركي للتمارين الرياضية: «في الواقع، أثبتت الأبحاث أن الناس يشربون أكثر عندما يكون طعم المشروبات لذيذاً، لذلك فإن حقيقة أن هذه المشروبات أكثر قبولاً بالنسبة للبعض من الماء قد تشجعهم على شرب المزيد منه.
في الواقع، لقد اعتاد الكثير على شرب سوائل ومشروباتٍ غير الماء، لذلك قد لا يستسيغون طعم الماء ويعتبرونه مملاً أو سيئاً. إذا كنت أحد هؤلاء الأشخاص، فربما يشجعك شرب مشروب بنكهة لذيذة على شرب المزيد منه أثناء التمرين وبعده، وذلك شيء جيد عموماً. إذ أنه، واعتماداً على شدة نشاطك البدني ومقدار ما تفقده من السوائل، فإنك تحتاج إلى تعويض السوائل التي فقدها جسدك (مع ذلك، تذكر أننا نحصل على جزءٍ من الماء الذي نحتاجه من الطعام، وأن التقيد بالنصيحة القائلة بوجوب شرب 8 أكوابٍ من الماء له من الفوائد أكثر مما تظن).
وبالرغم مما سبق، فإن الزجاجة التي تحتوي 0.35 لتراً من مشروب جاتوريد الرياضي يحتوي على 21 جراماً من السكر، أي ما يعادل قطعتين من حلوى «ريسَز» المصنوعة من زبدة الفول السوداني، أو نصف علبةٍ من الصودا. لذلك ضع في اعتبارك أن هذه المشروبات تحتوي كمياتٍ كبيرة من السكر، وبدقّةٍ أكبر، تحتوي الزجاجة الواحدة من مشروب جاتوريد على أكثر من نصف كمية السكر الموصى بها للبالغين، الأمر الذي من شأنه أن يرفع نسبة السكر في الدم، ويمكن أن يساهم في تطوير مشاكل التمثيل الغذائي مثل مرض السكري من النوع الثاني.
تعويض شوارد الجسم المفقودة
أصبحت الشوارد كلمة ذات بريقٍ بعد أن بدأت المشروبات الرياضية في الظهور في البداية، رغم أن معظمنا ربما لا يعلم طبيعتها وما دورها حقاً. الشوارد، أو الالكتروليتات، هي في الأساس أيونات تحمل شحنة وتقوم بمجموعةٍ كبيرة ومتنوعة من الوظائف في أجسامنا، من ضمنها نقل مختلف الجزيئات الحيوية عبر الأغشية الخلوية، فهي بكل ما تعنيه الكلمة أساسية لحياتنا، فبدونها سنموت حتماً.
ورغم أهمية الشوارد البالغة للجسم، ليس من الواضح مدى حاجتنا للحصول عليها من هذه المشروبات. فنحن نحصل على الشوارد الأساسية، مثل البوتاسيوم والصوديوم والمغنيسيوم، من نظامنا الغذائي. في الواقع، يختلف معدّل فقد الشوارد من شخصٍ لآخر تبعاً على وزن الشخص نفسه ونوع التمرين الذي يقوم به، ولكن بشكلٍ عام، إذا كنت تبذل تمارين مجهدة وتتعرق كثيراً، فمن المرجّح أنك تفقد المزيد منها.
لحسن الحظ، لدى دومينيك قاعدة جيدة ينبغي اتباعها: «إذا كنت تمارس الرياضة لأكثر من ساعة، وظهرت بقعٌ بيضاء على قميصك أو قبعتك بعد أن يجفّ العرق عنها، فهذه علامة على أنك تفقد الكثير من الصوديوم، وقد يكون المشروب الرياضي مفيداً في هذه الحالة في تعويض النقص إلى جانب ما تحصل عليه من الغذاء».
يعوّض الكربوهيدرات
من الفوائد الرئيسية للمشروب الرياضي هو تعويض الكربوهيدرات من خلال السكّر الذي تحتويه. تستهلك العضلات أثناء التمرين الطاقة المخزّنة في العضلات والكبد على شكل جليكوجين. ولكن يمكن أن ينفذ هذا المخزون إذا مارست التمارين الرياضية لفترة طويلة، ولذلك غالباً ما يلجأ عداؤو الماراثونات وغيرهم ممن يمارسون رياضات قاسية؛ لاستهلاك كميةٍ كافية من الكربوهيدرات لتوفير الطاقة اللازمة لعضلاتهم قبل التمرين.
وهنا يمكن للمشروبات الرياضية أن تؤدي المهمة. ولكن هناك نقاط أساسية يجب تذكرها كما تقول دومينيك: معظم من يمارس الرياضات الخفيفة لا يستهلكون مخزون الكولاجين لديهم، لذلك إذا كان هدفك من التمرين هو إنقاص وزنك، فلن تستفيد شيئاً إذا تناولت المزيد من السكريات والسعرات الحرارية. لذلك يعد الماء المشروب المثالي لإعادة ترطيب جسمك؛ إذا كنت ممن لا يمارسون الرياضات المجهدة لفترةٍ طويلة من الزمن.
أما إذا كنت تمارس تمارين مجهدة لأكثر من ساعة، فربما تحتاج إلى مشروب رياضي. من العلامات التي تشير إلى أنك قد تحتاج إلى ذلك، هي الإرهاق الشديد أو الغثيان أو الصداع بعد التمرين. وهذه العلامات تدل على إصابتك بالتجفاف أو نقص شوارد الصوديوم في الدم. سيكون المشروب الرياضي مفيداً في كلتا الحالتين. ولكن إذا كنت تمارس رياضة الجري لمدة نصف ساعةٍ مثلاً، خصوصاً إذا كان هدفك إنقاص وزنك، فقد يكون ضرر المشروب الرياضي أكثر من نفعه.
وذلك يعني أيضاً أنه إن كان هدفك تعويض بعض الطاقة التي تستهلكها أثناء التمرين عبر تناول هذه المشروبات، فعليك ألّا تختار الأنواع الخالية من السكر الذي يُعتبر مصدر الطاقة هنا. بينما يمكنك تناول هذه المشروبات إذا كنت ترغب بتناول شرابٍ لذيذ خالٍ من السعرات الحرارية.
خلاصة القول: «إذا كنت تقوم بتمارين رياضية مجهدةٍ حقاً تدوم لأكثر من ساعة، وكنت تتعرّق كثيراً ويظهر أثر الأملاح على ثيابك بعد أن تجف، فمن المحتمل أنك تستفيد من تناول المشروبات الرياضية. إذا لم يكن الأمر كذلك، فقد لا تحتاج إليها مطلقاً، ومع ذلك، إذا كنت لا تستسيغ شرب الماء العادي، فاحرص على اختيار الصنف الخالي من السكريات.
في النهاية، فإن شرب الكثير من الماء واتباع نظام غذائي صحي ومتوازن كفيل -إلى حدّ كبير- بأن تحصل على كل ما تحتاجه.
هذا المقال محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً