هل حدث أن انتابك شعور بالخمول في منتصف النهار؟ تلك الرغبة الجامحة في وضع رأسك على مكتبك بعد الغداء، وإغماض عينيك دقائق. جميعنا مررنا بهذه التجربة، وهو ما قد تلقي اللوم بسببه على ليلة مرهقة، أو إجهاد في العمل، أو ربما وجبة طعام ثقيلة. ولكن ماذا لو أخبرتك أن السبب قد يكون بعضاً من أطعمتك اليومية المفضلة، وحتى الصحية منها؟
حدد فريق من الباحثين في مستشفى بريغهام التابع لجامعة ماساتشوستس العامة وجود سبعة جزيئات دموية ترتبط بحالات النعاس المفرط خلال النهار، من بينها عناصر توجد في بعض الأطعمة. فما هي هذه الجزيئات؟ وفي أي الأغذية توجد؟
اقرأ أيضاً: 8 أسباب للشعور بالنعاس المستمر والنوم الطويل وكيفية علاجها
كيف تسبب بعض الأطعمة النعاس؟
قاد الدراسة الباحث السعودي الحاصل على درجة الدكتوراة، وزميل ما بعد الدكتوراة في قسم اضطرابات النوم والساعة البيولوجية بمستشفى بريغهام والنساء، طارق فقيه، وزملاؤه من مستشفى ماساتشوستس العام بريغهام، حيث أجروا تحليلاً دقيقاً لعينات دم مأخوذة من 6071 شخصاً من أصول لاتينية يعيشون في الولايات المتحدة ضمن دراسة مجتمعية واسعة.
قاس الفريق 877 مركباً أيضياً في الدم باستخدام تقنيات متقدمة من التحليل الطيفي، إلى جانب استبيان يقيس عدد مرات الغفوة خلال اليوم. بعد ذلك، أكدوا نتائجهم من خلال دراسات إضافية في أميركا وبريطانيا وفنلندا.
كشف الباحثون عن وجود سبعة مستقلبات رئيسية، تؤدي دوراً كبيراً في مسار تخليق الهرمونات الستيرويدية، بما في ذلك إنتاج هرمونات أساسية مثل الكورتيزول (منظم للتوتر والإيقاع اليومي) والبروجيسترون (هرمون جنسي معروف بتفاعله مع مستقبلات حمض الغاما-أمينوبيوتيريك المهدئة في الدماغ، وذلك على نحو مشابه لعمل أدوية النوم). والأهم من ذلك، وجدت الدراسة علاقة واضحة ذات جانبين؛ زيادة الشعور بالنعاس وانخفاضه:
- ارتبطت المستقلبات المرتبطة ببعض الهرمونات الستيرويدية، مثل مشتقات البروجيسترون، بانخفاض الشعور بالنعاس، لأنها تؤثر في الميلاتونين (هرمون النوم).
- ارتبطت الأمينات المنقولة بالغذاء، مثل التيرامين، بزيادة النعاس، وخاصة لدى الرجال.
- ارتبطت بعض الدهون الصحية، مثل أحماض أوميغا 3 وأوميغا 6 الدهنية، بانخفاض الشعور بالنعاس المفرط في أثناء النهار.
بعبارات أبسط، وجد الباحثون نمطاً بيولوجياً للنعاس في أثناء النهار يتميز باختلال في كيفية معالجة الجسم للهرمونات الستيرويدية وبعض المركبات الموجودة في الطعام. يشير هذا إلى أن النعاس المفرط خلال النهار لا يقتصر على قلة النوم المزمنة فحسب، بل هو أيضاً انعكاس لعملية فيزيولوجية أساسية خاصة بالجنس تتأثر بالنظام الغذائي.
الأطعمة التي قد تسبب النعاس
إذاً، لا يرتبط النعاس في أثناء النهار فقط بتقلبات السكر، بل قد يكون كما أشارت الدراسة الحديثة مرتبطاً بوجود مستقبلات محددة تنتج عن تناول بعض الأغذية، ومن أهمها:
- الأطعمة المخمرة والمعتقة: كالأجبان المعتقة (كالجبن الأزرق)، واللحوم المصنعة كالسلامي والهوت دوغ، التي تحتوي على مركبات مثل التيرامين والتي تؤثر سلباً في الناقلات العصبية المرتبطة باليقظة.
- منتجات الألبان واللحوم الغنية بالسفينجوميلينات والأحماض الدهنية: مثل الحليب الكامل والبيض واللحوم الحمراء، التي قد تزيد مستويات بعض الدهون المرتبطة بزيادة النعاس.
- الفواكه الحمضية مثل الجريب فروت: التي قد تؤثر في استقلاب الكورتيزول، وتأثيره على التوازن الهرموني وتنظيم اليقظة.
اقرأ أيضاً: لماذا يصاب البعض بالنعاس والخمول بعد تناول الطعام؟
كيف تتناول الطعام حتى تتجنب الشعور بالنعاس في أثناء النهار؟
بناءً على نتائج الدراسة، يمكن اتباع الإرشادات التالية للحفاظ على يقظة أفضل خلال اليوم، وتجنب النعاس في أثناء النهار:
- تقليل تناول الأطعمة المخمرة والمعتقة: خصوصاً تلك الغنية بالتيرامين، لأنها قد تزيد الشعور بالنعاس.
- الاعتدال في استهلاك منتجات الألبان كاملة الدسم واللحوم الحمراء: لتفادي ارتفاع المكونات الدهنية التي ترتبط بمستويات النعاس.
- اعتماد نظام غذائي غني بأحماض أوميغا-3 وأوميغا-6 الصحية: مثل تناول الأسماك الدهنية (السلمون والسردين)، والمكسرات (الجوز واللوز) والزيوت البكر.
- التركيز على الكربوهيدرات المعقدة: لأنها تساعد على استقرار مستوى السكر في الدم، وتهضم ببطء وتوفر طاقة ثابتة، بما فيها الحبوب الكاملة (الأرز البني والكينوا)، والبقوليات مثل الحمص والعدس، والخضروات النشوية، والفاكهة.
- تجنب الكربوهيدرات المكررة: التي تسبب انهيار السكر وما يتبعه من خمول وتعب وتشتت، مثل الخبز الأبيض أو الحلويات أو الوجبات الخفيفة السكرية.
- اتباع نمط غذائي صحي: عزز الوجبة بتناول الكربوهيدرات مع البروتين أو الدهون الصحية، لأنها تمنح شعوراً مطولاً بالشبع، وتدعم إنتاج النواقل العصبية لتحسين التركيز.