تتطور القرحات الهضمية على طول السبيل الهضمي، والقرحة هي حدوث أذية في منطقة من الطبقة المخاطية التي تُبطن السبيل الهضمي، وأكثر القرحات الهضمية شيوعاً هي التي تحدث في القسم العلوي من الأمعاء الدقيقة، وتُسمى قرحة الاثني عشر، تليها شيوعاً "القرحة المعدية" والتي تسبب أعراضاً أوضح عند المصابين بها مقارنةً بسابقتها.
نتيجة للأعراض الصاخبة التي ترافق الإصابة بالقرحة المعدية، وعلى رأس ذلك الآلام المبرحة عند تناول الطعام ونقصان الوزن المترتب على ذلك والشعور الدائم بالغثيان والإقياء، يتطلب تدبيرها العمل على عدة مستويات منها الدوائي ومنها الغذائي، حيث يندرج تعديل النظام الغذائي الخاص بالمرضى المصابين في الخطة العلاجية بشكل دائم؛ نظراً للدور الكبير الذي يؤديه تناول الأطعمة المناسبة في تسريع الشفاء والتخفيف من شدة الأعراض.
اقرأ أيضاً: ما النظام الغذائي الملائم لمرضى السكر التراكمي؟
ما سبب حدوث القرحة المعدية؟
السبب الأكثر شيوعاً لحدوث القرحة المعدية هو تدمير جراثيم تُسمى الملتوية البوابية أو (H.Pylori) الحاجز المخاطي الوقائي للمعدة ما يُسهّل تخريب بطانة المعدة وإصابتها بالتقرح والالتهاب. تشمل الأسباب الأخرى كلاً من التدخين والاستخدام المزمن لمضادات الالتهاب غير الستيرويدية مثل الأسبرين والإيبوبروفين بشكل غير مضبوط.
وبناءً على سبب الإصابة، يُحدد الطبيب المعالج التدبير، ففي حال كان استخدام مضادات الالتهاب غير الستيروئيدية سبب الإصابة، يُنصح عندئذ بإيقاف تناولها بشكل تام واقتراح تناول نوع آخر من مسكنات الألم مع أحد أدوية حماية المعدة مثل مثبطات مضخة البروتون التي تقلل من إنتاج الحمض المعدي. أما عندما تكون الملتوية البوابية هي السبب عندئذ يُطبق علاج يتضمن مجموعة من الصادات الحيوية.
ولكن مهما كان سبب الإصابة، لا يكتمل العلاج ولا يتحقق الشفاء التام بوتيرة سريعة إلا عند إقرانه مع الالتزام بنظام غذائي يُعزز من التأثيرات الإيجابية للعلاج ويقلل من عوائق حدوث الشفاء.
الأغذية التي يُنصح بإضافتها إلى حمية مرضى القرحة المعدية
"ركّز على هذه" و"ابتعد عن ذاك" هذه التوجيهات ليست بغريبة على مسمع مرضى القرحة المعدية إذ تُقدم لهم نصائح لا تعد ولا تحصى بشكل يومي حول ما يجب تناوله، وعادةً ما يكون تقديم هذه النصائح عشوائياً وغير مدروس ولا يعتمد على البراهين.
لهذا السبب، واعتماداً على العلوم الطبية المثبتة، إليك أفضل الأغذية ذات التأثير الإيجابي عند مرضى القرحة المعدية بعد إضافتها إلى نظامهم الغذائي.
الأطعمة التي تحتوي على البروبيوتيك
تكافح هذه الأطعمة الإنتان الذي سببه الملتوية البوابية وبذلك تدعم عمل الصادات الحيوية، وتعزز من تأثيرها العلاجي. ومن الأطعمة الغنية بالبروبيوتيك نذكر كلاً من الزبادي والملفوف والكومبوتشا.
الأطعمة الغنية بالألياف
تساعد الأطعمة الغنية بالألياف في علاج القرحة المعدية بطريقتين؛ فهي تقلل من كمية الحمض الذي تفرزه المعدة، كما أنها تخفف من الانتفاخ والانزعاج الهضمي المرافق للإصابة. وأبعد من ذلك، يساعد تناول الأطعمة الغنية بالألياف في الوقاية من الإصابة بالقرحة بالدرجة الأولى. ومن أهم هذه الأغذية نذكر التفاح والكمثرى والشوفان والجزر والشعير والبقوليات.
اقرأ أيضاً: ما النظام الغذائي الملائم لمرضى القصور الكلوي؟
البطاطا الحلوة
تساعد البطاطا الحلوة في ترميم الأنسجة البطانية المخاطية المصابة لما تحتويه من نسب عالية من المغذيات وعلى رأسها فيتامين أ، حيث تؤدي الأغذية الغنية بهذا الفيتامين دوراً وقائياً يحمي من الإصابة بالقرحات الهضمية. وإلى جانب البطاطا الحلوة، يعتبر كل من السبانخ والجزر والشمام وكبد البقر والبروكلي أغذية غنية بفيتامين أ.
الفلفل الأحمر
يحمي الفلفل الأحمر من الإصابة بالقرحة نظراً لغناه بفيتامين سي، فهو يساعد في التئام الجروح والذي بدوره يؤدي إلى ترميم الأذية الحاصلة في الأنسجة البطانية في المعدة. من جهة أخرى، يعتبر الأشخاص الذين لا يحصلون على ما يكفي من فيتامين سي أكثر عرضة للإصابة بالقرحة المعدية، لهذا السبب يُنصح بالحصول عليه من الحمضيات والفراولة والكيوي والبروكلي.
الشاي الأخضر والأطعمة الغنية بالفلافونويد
للشاي الأخضر والأطعمة الغنية بالفلافونويد دور في حماية المعدة من الالتهاب المزمن والإنتان بالملتوية البوابية وسرطان المعدة. وتشمل الأطعمة الغنية بالفلافونويد كلاً من العنب والفراولة والثوم والبصل والبروكلي والجزر والبازلاء.
التوت البري
يساعد التوت البري في تجنب إحدى أهم مشكلات علاج القرحة المعدية ألا وهي حدوث مقاومة على الصادات الحيوية أثناء العلاج، إذ إن شرب كوبين فقط من عصير التوت البري يومياً يقلل من خطر عودة نمو جراثيم الملتوية البوابية في المعدة، وذلك عن طريق عدم السماح لهذه الجراثيم بالالتصاق وفك ارتباطها بأنسجة المعدة.
الأغذية التي يُفضل تجنبها عند الإصابة بالقرحة المعدية
على الرغم من أن الطعام لا يسبب القرحة، فإن لبعضه دوراً كبيراً في زيادة الألم الذي يرافقها، وعلى رأس الأغذية التي تُتهم بذلك نذكر التالي.
الحليب
انتشر قديماً وعلى نطاق واسع أن شرب الحليب يساعد في علاج القرحة المعدية، إلا أن هذه معلومة غير دقيقة، إذ يحث الحليب المعدة على إنتاج المزيد من الحمض، ما قد يزيد من حدة الأعراض وشدتها على عكس ما كان معروفاً. من جهة أخرى، يؤدي شرب الحليب إلى تراكم الغازات في البطن والذي بدوره قد يسبب إزعاجاً هضمياً إضافياً.
اقرأ أيضاً: ماالنظام الغذائي الملائم لمرضى النقرس؟
الكحول
يُفضل الحد من تناول الكحول عند مرضى القرحة الهضمية وتجنبه تماماً إن أمكن؛ إذ تؤذي المشروبات الكحولية بطانة الغشاء المخاطي الواقية على طول السبيل الهضمي، ما يؤدي إلى إضعاف خطوط الدفاع الطبيعية والذي بدوره يزيد من الالتهاب والنزيف.
الأطعمة الدسمة
يتأثر عمل المعدة ودورها الهاضم عند إصابتها بالقرحة، ولهذا السبب قد تكون الأطعمة الدسمة التي تتطلب هضماً مطولاً ليست بالخيار الأفضل للمصابين. فالمعدة لن تكون قادرة على هضمها بشكل تام محدثةً حالة من عسر الهضم والتي تتظاهر على شكل آلام وانتفاخ في البطن.
الأطعمة الحارة
اعتقد الأطباء سابقاً أن الطعام الحار هو أحد الأسباب الرئيسية لحدوث القرحة المعدية، إلا أننا نعلم الآن أن هذا ليس صحيحاً، وعلى الرغم أن هذه الأصناف لا تسيء إلى القرحة، فإنها قد تكون غير محمولة عند بعض المصابين، لهذا يُنصح بحذفها من النظام الغذائي للمصابين في حال سببت لهم الإزعاج، أما في حال كنت ممن يتحملون الأطعمة الحارة رغم إصابتهم، لا تقلق فلن تسيء الأطعمة الحارة إلى عملية شفائك.
الحمضيات
من المنطقي أن نكون متأكدين أن الأطعمة الحامضة مثل الحمضيات والطماطم تسيء إلى القرحة المعدية، وكيف لا وهي حامضية القوام فحتماً ستزيد من حموضة الوسط المعدي، إلا أنه لا يوجد دليل قوي يدعم ذلك، إذ لا تؤثر هذه الأطعمة سلباً على القرحة المعدية ولكنها تبقى ضعيفة التحمل عند نسبة كبيرة من المرضى المصابين، فإذا كانت المواد الحامضة تجعل أعراض القرحة لديك أسوأ فلا تتردد في تجنبها.
الشوكولاتة
على الرغم من الفوائد الصحية الجمة للشوكولاتة وخاصةً السوداء، فإنها أحد أهم الأغذية التي تسيء لأعراض القرحة المعدية، لهذا ننصحك بتجنب تناولها وتجنب تناول الأغذية التي تدخل الشوكولاتة في تركيبها أثناء الإصابة، وتأجيل تدليل نفسك بقطعة منها إلى حين التئام القرحة وحدوث الشفاء.
الكافيين
تختلف الآراء فيما إذا كان الكافيين، والقهوة على وجه الخصوص، يجعل من القرحة المعدية أسوأ، ويقتصر تأثيرها على تحريض إفراز الحمض المعدي، الأمر الذي يكون مزعجاً لدى البعض. لا توجد نتائج مثبتة لحد الآن تدعم إيقاف القهوة بشكل تام طالما أنها لا تُسيء إلى أعراض الإصابة، ولكن لا يوجد ضرر في الاعتماد على القهوة منزوعة الكافيين أثناء فترة العلاج، فهذا النوع من القهوة لا يُحرض إفراز الحمض المعدي كالقهوة الحاوية على الكافيين.
اقرأ أيضاً: ما الحمية الغذائية التي تخفف من أعراض القولون العصبي؟
ختاماً، الأمر ليس معقداً، ببساطة ابتعد عن أي غذاء يُزعج معدتك واعتمد على الأطعمة التي تُسرّع من شفاء إصابتك بالقرحة المعدية، مع مراعاة دعم النظام الغذائي بالخضروات والفاكهة والحبوب الكاملة وأي غذاء غني بفيتامين أ وفيتامين سي والألياف الغذائية، مع وضع تجنب تناول المشروبات الكحولية والغنية بالكافيين في عين الاعتبار، واعتماد شرب الشاي الأخضر بدلاً عن ذلك.