ماذا لو كان بالإمكان الحصول على التأثيرات الصحية للتمارين الرياضية دون ممارستها؟ هذا ما حاول الإجابة عنه فريق من الباحثين في دراستهم التي نُشرت في دورية "نيتشر" (Nature)، حيث استطاعوا تحديد المركب الذي يتم إنتاجه في الدم أثناء التمارين الرياضية والذي يقلل بشكل فعال من تناول الطعام لدى فئران التجربة.
المستقلب الذي تنتجه التمارين الرياضية
في دستور الأدوية ليس هناك ما يماثل تأثير النشاط البدني والتمارين الرياضية، إذ يوصي الأطباء حول العالم بالتمارين الرياضية كعلاج مفيد لمرضى السكري من النوع 2، ولصحة القلب والأوعية الدموية، وهشاشة العظام والتدهور المعرفي ومستويات الدهون والمشاكل الصحية الأخرى.
للحصول على بعض فوائد التمارين الرياضية، حاول فريق البحث معرفة التغيرات الجزيئية للعمليات الفيزيولوجية في الجسم لدى ممارسة التمارين الرياضية. تعاون فريق بحثي من جامعة ستانفورد مع عدة جامعات أخرى لإجراء دراسة على الفئران باتباع استراتيجية تُعرف بـ "الأيض غير المستهدف". في المرحلة الأولى من الدراسة، خضعت حيوانات التجربة للتمرين المكثف على جهاز المشي، وراقبوا التغيرات الجزيئية في بلازما دم الفئران. تبين للباحثين أن هناك كميات متزايدة من مركب له الصيغة الكيميائية C12H14NO4، وهو ما عُرف لاحقاً على أنه "N- لاكتويل فينيل ألانين" (N-lactoyl-phenylalanine) أو اختصاراً "لاك-في" (Lac-Phe)، وينتج عن تفاعل الحمض الأميني فينيل ألانين مع جزيء آخر يسمى اللاكتات.
اقرأ أيضاً: كيف تحافظ التمارين الرياضية على صحة الدماغ؟
تمكن الباحثون أيضاً من تحديد الإنزيم المساهم في إنتاج "لاك-في" وهو الببتيداز الخلوي غير النوعي (CNDP2)، حيث لم ينخفض وزن الفئران التي تفتقر لهذا الإنزيم بعد برنامج من التمارين الرياضية، بالمقارنة مع المجموعة التي تمتلك الإنزيم والتي خضعت لنفس البرنامج الرياضي.
كرر فريق البحث التجربة على خيول السباق، ووجدوا ارتفاعاً ملحوظاً في نسبة "لاك-في" في دمها. كذلك الأمر لدى 36 متطوعاً بشرياً بعد ركوبهم الدراجة ورفع الأثقال. استنتج الباحثون أن "لاك-في" هو المستقلب الذي ينظم التمارين الرياضية في الجسم، ما طرح أمامهم السؤال التالي: هل يمكن لهذا المستقلب أن يكون مسؤولاً عن الآثار الصحية للتمارين الرياضية؟
اقرأ أيضاً: 4 طرق تجعل التمارين الرياضية جزءاً من حياتك اليومية
تثبيط الشهية لدى الفئران: كيف يؤثر "لاك-في" على سلوك الأكل؟
في المرحلة التالية من التجربة، حاول الباحثون معرفة التأثير الصحي للمستقلب "لاك-في" في الجسم، لذا قسموا 12 فأراً يعاني من السمنة إلى مجموعتين، وعلى مدى عشرة أيام وبشكل يومي تم حقن المجموعة الأولى بمحلول "لاك-في" والثانية بمحلول ملحي. لاحظ الباحثون تراجع شهية الفئران التي حقنت بالمستقلب بحيث انخفض استهلاكها من الطعام إلى النصف في غضون 12 ساعة بعد أول حقنة، دون التأثير على حركتها أو إنفاق الطاقة، وبحلول اليوم الثالث خسر كل فأر نحو 3 غرامات من وزنه. ومن الأمور المثيرة التي استنتجها العلماء أيضاً أن الفئران النحيفة والخالية من الدهون لم تبد أية تغييرات في سلوك الأكل بعد حقنها بمحلول المستقلب، ما يشير إلى أن الجزيء "لاك-في" يثبط الشهية فقط في الفئران التي تعاني من السمنة وتمتلك دهوناً زائدة. خلص الباحثون إلى أن العلاج بحقن لاك-في يقلل من السمنة ويحسن تحمّل الغلوكوز في الفئران البدينة.
اقرأ أيضاً: هل سيُستخدم رذاذ الإنسولين في المستقبل من أجل كبح الشهية للطعام؟
آليات عمل المستقلب لتثبيط الشهية والشعور بالجوع
ربط الباحثون قدرة المستقلب على تقليل السمنة بتأثيره على قابلية الأكل، إلا أنهم لم يتمكنوا بعد من تحديد الآلية الدقيقة التي يؤثر بها مستقلب "لاك-في" على الجسم. يقول "يونغ شو" الباحث في كلية بايلور للطب في تكساس في الولايات المتحدة الأميركية: "نظريتي المفضلة هي أنه أثناء السمنة تزداد نفوذية الحاجز الدموي الدماغي الشوكي للمستقلب لاك-في ما يعني أن لديه وصولاً أفضل إلى الدماغ لقمع الرغبة بتناول الطعام، وذلك فقط في الفئران التي تعاني السمنة، وليس الفئران الخالية من الدهون. نحن نحقق في هذه الفرضية حالياً".
استنتج الباحثون أن تأثير المركب المباشر يكون في الدماغ، حيث يمكن التحكم في التغذية، لذا حاولوا تحديد مستقبلات لاك-في في الدماغ والدوائر العصبية التي يتحكم بها. وضع الفريق عدة خيارات محتملة؛ فقد ينتج التأثير عن منطقة "تحت المهاد" التي تنظّم الجوع والشبع، أو عن دارة المكافأة العصبية.
اقرأ أيضاً: كيف يؤثر اضطراب فقدان الشهية العصبي على وظائف الدماغ؟
قيود الدراسة: لا يتوفر المستقلب لاك-في في حبوب
لدى دراسة العلماء تأثير الجرعة الفموية من المستقلب "لاك-في" تبين أنه غير فعال، حيث لم يتحلل في القناة الهضمية، لذا حالياً لا يمكن استخدام المستقلب للحصول على الآثار الصحية المفيدة سوى في الحقن. علاوة على ذلك، أشار الطبيب "لورانس تشيسكي"، رئيس قسم دراسات التغذية في جامعة جورج ماسون الأميركية، إلى أنه ما زالت الآثار الجانبية والفعالية الطويلة المدى للمركب غير معروفة، إذ لم تُدرس النتائج سوى على سلالة خاصة من الفئران المصابة بالسمنة. تبقى نتائج الدراسة محصورة بحيوانات التجربة حتى الآن ومازالت هناك حاجة إلى المزيد من الأبحاث على البشر ودراسة آثارها وقدرتها على التداخل مع وظائف التمثيل الغذائي في الجسم البشري.
اقرأ أيضاً: ربما يجب على الأطباء تغيير طريقتهم في معالجة مرضى السمنة
ساعد هذا الاكتشاف للمستقلب "لاك-في" في إحياء الأمل لدى كبار السن وبعض الأفراد ممن يعانون من حالات خاصة تمنعهم عن ممارسة التمارين الرياضية في صنع دواء للبشر يوفر بعض فوائد التمارين الرياضية الصحية في مقاومة الأمراض في المستقبل القريب ويثبط السمنة.