لم أكن متفاجئةً، فقد حدث ذلك من قبل؛ مرةً في الفترة الأولى من الجامعة، ومرةً أخرى في أوائل العشرينات من عمري؛ حدثت انقطاعات لدورتي الشهرية في فترات كنت أزيد من نشاطي الجسدي فيها؛ لكن أكثر ما أدهشني هو الآراء المتأرجحة للمهنيين الطبيين الذين أطلعتهم على هذه الحالة حول الدورة الشهرية والرياضة، فأحدهم كان قلقاً للغاية، والآخر لم يكن قلقاً على الإطلاق، والثالث أعطاني الإجابة التي ألهمت هذا المقال: «لا أعتقد أننا نعرف حقاً ما هي آثار التمارين الرياضية على الدورة الشهرية بعد»؛ ولكن لماذا لا نعرف؟
نقص في الأبحاث التي تتناول تأثّر العضلات بالدورة الشهرية
اليوم؛ تشارك النساء في الألعاب الرياضية أكثر من أي وقت مضى. في عام 1972 - كما تشير مجلة «موذر جونز»، فإن فتاةً واحدةً فقط من كل 27 فتاة في المدرسة الثانوية شاركت في الألعاب الرياضية. اعتباراً من عام 2012، شاركت 2 من أصل كل 5 فتيات بهذه الألعاب، ومع ذلك؛ لا نعرف سوى القليل عن التأثيرات التي تحدثها التقلّبات الهرمونية الطبيعية على أداء العضلات، أو ما يحدث لتلك الدورات الهرمونية ولصحتنا عندما نمارس الرياضة.
هذا النقص في الجهد البحثي مثير للدهشة بالنظر إلى أن آلام الدورة الشهرية وعلاقتها بالأداء البدني، موضوع نقاش متكرر بين الرياضيات الإناث؛ لكن يتم نقاش هذا الموضوع بين الأصدقاء فقط، وفي الحوارات الخاصة والمحادثات الجماعية؛ هذا النقص في المعلومات يجعل من الصعب على أي امرأة فهم كيف تؤثر الدورة الشهرية على جسمها كل شهر. المزيد من الأبحاث آخذ في الظهور؛ ولكن ببطء.
أُجريت بعض أول الدراسات العميقة على أداء العضلات في أربعينيات وخمسينيات وستينيات القرن الماضي، ولم تشمل هذه الدراسات النساء؛ وذلك نتيجةً لافتراض أن دراسة الرجال أسهل على وجه التحديد، لأن الباحثين -بشكلٍ خاطئ- افترضوا أنه ليس لدى الرجال دورات هرمونية شديدة، كما تم الافتراض -على نحو متناقض إلى حدٍ ما- أنه يمكن أن يمثّل الرجال تقريباً مقبولاً للنساء؛ وهذا اقتضى أنه حتى العقود القليلة الماضية، لم تُجرَ سوى القليل من الأبحاث حول كيفية تأثير الدورة الهرمونية الشهرية للمرأة على أدائها العضلي أو الرياضي العام. لا تزال الدراسات حول هذا الموضوع نادرةً؛ لكن الباحثين بدؤوا في استخلاص بعض الاستنتاجات بناءً على النتائج المبكرة.
اقرأ أيضاً: بالأدوية والأعشاب: إليكِ طرق التخلص من ألم الدورة الشهرية
تغيّر الهرمونات
ضمن دورة شهرية نموذجية تبلغ 28 يوماً، في الأيام القليلة الأولى، عندما يحدث الحيض أو النزيف، تكون مستويات إنتاج هرمونيّ الإستروجين والبروجسترون منخفضةً، وبعد انتهاء الحيض، يبدأ «الطور الجُريبي»؛ والذي يتّسم بزيادة إنتاج هرمون الإستروجين. في اليوم الـ 14، تحدث الإباضة، ويتضاءل إنتاج الإستروجين، بينما يزداد إنتاج هرمون البروجسترون. إذا لم يحدث الحمل؛ تنخفض مستويات هرمون البروجسترون، ويبدأ الحيض، ويتكرر كل شيء.
تأثير هذه التقلّبات الهرمونية على أداء العضلات ليس واضحاً أبداً. تقول «أندريا دانايف»؛ أخصائية الغدد الصماء في مستشفى «ماونت سيناي» في مدينة نيويورك: «أعتقد أن مجموعةً جزئيةً من النساء يقلن أنهنّ لا يشعرن على ما يرام قبل الدورة الشهرية مباشرةً؛ وهذا بالتأكيد يمكن أن يؤثر على الأداء الرياضي»؛ لكن لا توجد في الواقع الكثير من البيانات حول أثر الهرمونات نفسها على العضلات.
»، وهي عدّاءة مسافات طويلة نخبوية أيضاً، أن الباحثين يعلمون بأن هناك مستقبلات للإستروجين والبروجسترون في أجزاء مختلفة من الجسم؛ ومنها العضلات.
على سبيل المثال؛ يحتوي الرباط الصليبي الأمامي على عدد من مستقبلات هرمون الإستروجين التي يمكن أن تؤثر على الميكانيكا الحيوية في الجسم اعتماداً على نسب هرمون الإستروجين. خلال الطور الجُريبي من الدورة الشهرية، ومع زيادة مستويات هرمون الإستروجين؛ وجدت بعض الدراسات زيادةً في خطر تلف الرباط الصليبي الأمامي، ومع ذلك؛ كما تشير إحدى دراسات المراجعة، فإن الأدلة ليست قوية.
التمارين الرياضية خلال الدورة الشهرية
يعلم الباحثون أن الأداء العصبي العضلي يتغير في مراحلَ مختلفة طوال الدورة الشهرية؛ كما هو الحال مع حالة الاستقلاب في الجسم. في النصف الأول من الدورة الشهرية؛ وهو الطور الجُريبي، تكون الإناث في حالة تدعى «الحالة البنائية»؛ مما يعني أن أجسامهنّ تكون أكثر انخراطاً في تكوين الخلايا والنمو.
لهذا السبب؛ ووفقاً لبروينفيلز، فقد يكون من المفيد أكثر ممارسة تمارين القوة لأن الجسم سيستفيد منها أكثر. في النصف الثاني من الدورة الشهرية، يحدث تحول إلى حالة تدعى الحالة الهدمية (أو التقويضية)؛ مما يعني أن جسم الأنثى يصبح أكثر كفاءةً في استخدام الدهون كمصدر للطاقة، لذلك من المحتمل أن يكون من الأفضل التركيز على تمارين التحمّل؛ إذ أن النساء يمكنهنّ الاستفادة من مخزون الدهون خلال هذه المرحلة.
تأثير الدورة الشهرية على العضلات
استخدمت دراسة حديثة تقنية الرنين المغناطيسي لتصوير العضلات في نقاط مختلفة أثناء الدورة الشهرية، ووجدت أن هناك المزيد من السوائل في العضلات خلال النصف الثاني من الدورة، عندما تكون مستويات البروجسترون في أقصاها. هذا أمر منطقي؛ كما تقول دانايف، لأن البروجسترون يسبب احتباس السوائل، وقد يؤثر هذا -بجانب التغيرات المزاجية التي يسببها هرمون البروجسترون- على النساء بطريقة أقل «فزيولوجيةً». تشرح دانايف قائلةً: «تصاب مجموعة جزئية من النساء بمتلازمة تدعى متلازمة «ما قبل الحيض» أثناء دوراتهنّ، نتيجةً لتأثيرات البروجسترون، وتتضمن الأعراض زيادة الوزن وطراوة الثدي، بالإضافة إلى التقلّبات المزاجية»، وتضيف: «هذا يمكن أن يؤثر نظرياً على الأداء الرياضي من منظور تحفيزي».
اقرأ أيضاً: من مقعد مكتبك: 6 تمارين تبقيك رشيقاً وتحافظ على صحتك
تأثير الدورة الشهرية على الأداء الرياضي
كما تشير بروينفيلز ودانايف؛ تُظهر الدراسات بشكلٍ عام أن الدورة الشهرية لا تؤثر بشكلٍ كبير على الأداء الرياضي، ستقدّم العضلات نفس الأداء تقريباً طوال الشهر؛ ولكن قد يكون الجهاز العضلي أكثر تكيّفاً مع أنواع معينة من التدريب في نقاط مختلفة خلال الدورة الشهرية.
في المقابل؛ يمكن للأداء الرياضي المكثّف أن يؤثر أيضاً على الدورة الهرمونية ويتسبب باضطرابها - خاصةََ رياضات التحمّل؛ مثل الجري لمسافات طويلة، الجمباز، والتزلّج على الجليد. انقطاع الدورة الشهرية -والمعروف طبياً باسم «الضهى»- مدروس بشكلٍ علمي أكثر؛ على الرغم من أن الآليات الدقيقة التي تؤدّي إلى حدوثه لا تزال غير واضحة تماماً.
الآلية الرئيسية هي الإجهاد؛ والذي يؤثّر على المسلك الذي يحفّز إنتاج هرمونيّ البروجسترون والإستروجين - على وجه التحديد عن طريق الهرمون المُفرز للهرمونات المُنشّطة للغدد التناسلية أو (هرمون «جي إن آر» اختصاراً)؛ والذي يفرزه الوِطاء في الدماغ. تؤدي زيادة نسب هذا الهرمون إلى إفراز هرمونين آخرين؛ وهما الهرمون المنبه للجُريب، والهرمون المنشّط للجسم الأصفر، واللذان ينظمان بدورهما إفراز البروجسترون والإستروجين. لكن الإجهاد -أي إجهاد كان- يمكن أن يوقف إفراز هرمون جي إن آر؛ وبالتالي يمكن أن يخفض كمية هرمون الإستروجين المفرَزة، ويُوقف الدورة الشهرية، أحياناً إلى أجل غير مسمى.
يمكن لأي إجهاد جسدي أن يتسبب باضطراب هذا المسلك؛ سواء كان ناتجاً عن التمرين المفرط، أو الأعباء النفسية، أو تناول كمية غير كافية من السعرات الحرارية، أو حتى السفر فقط. تقول دانايف إنه في حالة الإفراط في ممارسة التمارين الرياضية؛ قد تكون هناك علاقة للمواد الأفيونية الذاتية (المعروفة أيضاً باسم الإندورفينات؛ والتي تؤدي إلى ما يدعى بـ «نشوة العدّاء»)؛ للتأكد من ذلك.
قد تؤدي زيادة الإندورفينات -وهو أمر يحدث عند ممارسة الرياضة بشكلٍ متكرر- إلى تثبيط الهرمونات المنخرطة في هذا المسلك بشكلٍ مباشر. في الواقع؛ ووفقاً لدانايف؛ وجدت بعض الدراسات أنه إذا مُنحت الرياضيات الإناث المصابات بانقطاع الطمث مضادات أفيونيةً مثل «نالتريكسون»، فإن بعضهنّ ستشهدن عودة دوراتهنّ الشهرية. غالباً ما يكون انقطاع الدورة الشهرية ناتجاً عن عدة عوامل، لذلك قد يستوجب الأمر معالجة كل أسباب الإجهاد لاستعادة الدورة الشهرية.
لا يعلم الباحثون بعد الفرق في شدّة تأثير كل عامل من عوامل الإجهاد هذه، ففي حين أن عامل الوزن هو المتّهم الأكبر عادةً؛ إلا أن كل من بروينفيلز ودانايف تتفقان على أن المشكلة دائماً ما تكون ناتجةً عن عدة عوامل، وتتبع للفرد بشكلٍ كبير. تختلف درجة وأنواع الإجهاد الذي يمكن أن تتحمله أجسام الناس بشكلٍ كبير. تقول بروينفيلز: «غالباً ما تمتاز رياضيات التحمّل بالرغبة لتحقيق المثالية؛ هذا يعني أنهنّ يمكن أن يتعرّضن لإجهاد كبير للغاية؛ مما يجعلهن في الغالب أكثر استعداداً للإصابة بمشاكل الدورة الشهرية».
العواقب الصحية غير واضحة أيضاً؛ سواءً على المدى القصير أو الطويل. تُظهر الأبحاث أن هرمون الإستروجين مفيد لصحة المرأة، فلا يساهم هذا الهرمون بتنظيم الدورة الشهرية فقط؛ ولكنه يلعب أيضاً أدوارَ رئيسيةً في صحة العظام والكبد والجلد، بالإضافة إلى تعزيز صحة القلب والاستقلاب والوظائف المعرفية.
اقرأ أيضاً: إليك ما يجب أن تعرفه عن العلاج الهرموني لانقطاع الطمث
كسور الإجهاد
تُظهر الدراسات التي أُجريت على التأثيرات قصيرة الأمد، أن الرياضيات الإناث اللواتي يعانين من انقطاع الدورة الشهرية، يملن إلى أن يكنّ أكثر عرضةً للإصابة بـ «كسور الإجهاد»؛ وهي تشققات صغيرة في العظام ناتجة عن الإجهاد المتكرر. تقول بروينفيلز أن الأدلة العلمية أكثر ضبابيةً بعض الشيء بالنسبة للآثار طويلة الأمد؛ ولكن هذا يرجع في الغالب إلى عدم وجود أية دراسات حول كيفية تأثير انقطاع الدورة الشهرية لفترات طويلة على صحة العظام على مدى عقود.
على الرغم من وجود العديد من دراسات الحالات التي أُجريت على الرياضيات الإناث اللواتي عانَين من انقطاع الدورة الشهرية المتكرر لسنوات أو حتى عقود، واللواتي استعدن الدورة الشهرية واستطعن أن يحملن؛ إلا أننا ما زلنا لا نعرف كيف ستكون صحة عظامهنّ عندما يصبحن في الستينيات أو السبعينيات أو الثمانينيات من العمر.
في شركة أوريكو، ساعدت بروينفيلز في تطوير تطبيق يسمى «فيتر وومان»؛ والذي يسمح للإناث بتتبع دوراتهنّ الشهرية وتدريباتهنّ في مكانٍ واحد. أثناء إجراء بحث خلال تطوير التطبيق، وجدت بروينفيلز أن حوالي نصف النساء اللاتي شملهنّ الاستطلاع توقفن عن ممارسة الرياضة بسبب الدورة الشهرية. تأمل بروينفيلز في خفض هذه النسبة مع الحصول على فهم أفضل والمزيد من الموارد المدعومة علمياً؛ مثل تطبيقها. تقول برويفيلز: «إحدى الأشياء الرئيسية في الواقع، هو كسر الحواجز وكسر المحظورات حتى يتمكن الناس من التحدث عن الموضوع ومعالجته».
في الوقت الحالي؛ يجب على الرياضيات الإناث القلقات بشأن انقطاع الدورة الشهرية التحدث إلى أطبائهنّ؛ حيث يمكن للطبيب المساعدة في تحديد العوامل المؤثّرة، واقتراح التغييرات لتحسين الأداء قدر الإمكان.
اقرأ أيضاً: من الأعراض حتى العلاج: كل ما ترغبين في معرفته عن سرطان الرحم
هذا المقال محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً