ما هي الرياضة الساخنة؟ وما الفرق بينها وبين الرياضة العادية؟

6 دقيقة
ما هي الرياضة الساخنة؟ وما الفرق بينها وبين الرياضة العادية؟
حقوق الصورة: بوبيولار ساينس العربية. تصميم: عبدالله بليد.

تنتشر حصص التمارين في أجواء حارة باعتبارها وسيلة أكثر فاعلية لحرق الدهون وتعزيز اللياقة، لكن الأبحاث تكشف صورة مختلفة. ليست الحرارة دائماً مفتاحاً لنتائج أفضل، بل قد تزيد الضغط على القلب وتقلل الاستفادة من التمرين:

الجسم يعمل بكفاءة في نطاق ضيق من الحرارة (37-39 مئوية)، …

لقد مر الكثير منا بالموقف التالي: تدخل إلى صالة اللياقة البدنية الجماعية لتتعرض لصدمة مفاجئة من الأجواء الحارة. كنت تظن أنها من المفترض أن تكون مجرد حصة من حصص البيلاتس التدريبية، ولكنها تقام لسبب ما في صالة ساونا محاطة بالمرايا. ومع كل حركة، تزداد شدة التمرين، ويصبح الشعور بالحرارة الحارقة مضاعفاً. وبعد ذلك، تشعر بإرهاق شديد. لا بد أن هذا يعني أنك حصلت على تمرين أكثر فعالية، أليس كذلك؟ ليس بالضرورة.

لقد انتعشت صيحة ممارسة تمارين اللياقة البدنية في جو ساخن في السنوات الأخيرة. فما بدأ مع ممارسة اليوغا تحول إلى توجه يغطي مجالات التمارين المختلفة بالكامل. تقدم سلاسل الصالات الرياضية الكبيرة الآن إصدارات ساخنة من تمارين اللياقة البدنية العالية الكثافة وتمارين القوة وتمارين البيلاتس. وقد عمدت بعض صالات اللياقة البدنية في أنحاء الولايات المتحدة كافة إلى بناء علامتها التجارية بالكامل على فكرة العروض الساخنة، مدعية أنها تقدم تمارين أكثر كثافة بالإضافة إلى فوائدها في إزالة السموم وتحسين صحة القلب والأوعية الدموية وفقدان الوزن وبناء العضلات.

ومع ذلك، يبدو أن هذه الادعاءات كلها لا تتطابق مع ما يقوله العلم. لا شك في أن التمارين الرياضية مفيدة لك، لكن الخبراء يقولون إنه ليس من الضروري إضافة الحرارة المرتفعة إلى التمارين الرياضية لجني ثمار الحركة الصحية. في بعض الحالات، قد تكون التمارين الساخنة أقل فعالية من جلسات اللياقة البدنية في درجة حرارة الغرفة. إليك نصائح عملية تساعدك على فهم الأوقات المناسبة لرفع درجة الحرارة والأوقات المناسبة لجعلها منخفضة.

اقرأ أيضاً: لماذا يعد المشي الياباني رياضة ممتعة من أجل اللياقة البدنية وإطالة العمر؟

العمل بظل درجات حرارة أعلى، لا بجهد أكبر

يعمل جسم الإنسان على أفضل وجه ضمن نطاق ضيق من درجات الحرارة الداخلية، يتراوح تقريباً من 37 إلى 39 درجة مئوية. وعند تجاوز هذا النطاق، تبدأ أجهزة الجسم -بما في ذلك الأعضاء الحيوية- بالفشل في أداء وظائفها. لذا، تبذل أجسامنا الكثير من الجهد لتنظيم درجة حرارتها والبقاء ضمن هذا النطاق المثالي.

تؤدي التمارين الرياضية نفسها إلى رفع درجة حرارة الجسم بسبب الحرارة الإضافية الناتجة عن العمل الخلوي الذي ينطوي عليه الأمر. ولتبريد أجسامنا، فإننا نتعرق. تقول الاختصاصية في فيزيولوجيا التمارين الرياضية في جامعة سنترال ميشيغان، راشيل نيلسون، لمجلة بوبيولار ساينس، إنه عند ممارسة التمارين في ظروف دافئة، يتعين على جسمك بذل جهد إضافي للحفاظ على برودته، ما يؤدي إلى سلسلة من الضغوط الجسدية. إذ تتعرق أكثر ومن ثم يفقد جسمك المزيد من السوائل وينخفض حجم الدم. ملاحظة: التعرق ليس مرادفاً لإزالة السموم، ولا يؤدي إلى أي فائدة تطهيرية.

واستجابة لفقدان السوائل الزائد (أي الجفاف)، يتعين على القلب أن يضخ الدم بقوة أكبر وبسرعة أكبر للحفاظ على إمداد العضلات بالدم. كما يتطلب الحفاظ على البرودة أيضاً نقل الدم إلى سطح الجلد لتخليص الجسم من الحرارة الزائدة. وتوضح نيلسون أن ذلك يجبر القلب على العمل بجهد أكبر وبقدر أقل من الموارد.

وتقول: "سيرتفع معدل ضربات القلب"، ما يجعل التمرين "يشعرك بصعوبة أكبر لكنك في الواقع تبذل القدر نفسه من الجهد".

وهذا ما تؤكده الأبحاث. في دراسة أجريت في عام 2017 شاركت نيلسون في تأليفها، أفاد المشاركون في حصص اللياقة البدنية أنهم مارسوا تمريناً أشد وبذلوا جهداً أكبر في جلسة يوغا ساخنة مدة 20 دقيقة مقارنة بجلسة مماثلة في درجة حرارة الغرفة. ومع ذلك، كان استهلاكهم للأوكسجين في كلا الوضعين متساوياً تقريباً، ما يشير إلى أنهم بذلوا القدر نفسه من الجهد البدني. كانت معدلات ضربات القلب لدى المشاركين أعلى خلال الحصة الساخنة، لكن هذا الإجهاد القلبي الوعائي الإضافي لم يترجم إلى زيادة في الجهد البدني عموماً.

في الواقع، إذا لم تكن معتاداً على الإرهاق، فإن التمرن في أجواء حارة قد يقلل جهدك في التدريب، على حد قول عالمة الفيزيولوجيا في جامعة تكساس، ستايسي هنتر-كوبر. وتضيف هنتر-كوبر: "عندما تكون في جو حار، تضطر أحياناً إلى أخذ فترات راحة لأن الجهد المبذول يكون مرهقاً للغاية. فهو يستهلك الكثير من طاقتك الجسدية والعقلية أيضاً"، مستندة في ذلك إلى تجربتها الخاصة بصفتها ممارسة لليوغا وباحثة. وقد يعني هذا التحدي النفسي الإضافي "أنك قد تقلل استفادتك من التمرين عندما تمارسه في جو حار".

ومرة أخرى، يوضح أستاذ الطب في مركز ساوث ويسترن الطبي التابع لجامعة تكساس، كريغ كراندال، في حديثه إلى مجلة بوبيولار ساينس، أن الأبحاث تثبت ذلك. في البيئات الحارة، "غالباً ما تكون فعالية التمرين أقل" على حد قول كراندال. ويضيف كراندال أن الشخص الذي يجري مسافة 3 كيلومترات سيؤدي ذلك بصورة أسرع في درجة حرارة قدرها 15 درجة مئوية مقارنة بأدائه في درجة حرارة قدرها 40 درجة مئوية، وسيشعر بقدر أقل من الإعياء بعد ذلك. كما أنه سيكون أكثر استعداداً للجري مسافات أطول وبسرعة أكبر، إذا طلب منه بذل أقصى جهد بدني. ويقول: "ستبذل جهداً أكبر في تلك الصالة التي تبلغ درجة حرارتها 15 درجة مئوية" مقارنة بصالة ذات درجة حرارة أعلى. لذا، إذا كنت تحاول بناء العضلات أو القدرة على التحمل، فمن المحتمل ألا تكون التمارين الساخنة هي الطريقة الأسهل لفعل ذلك.

اقرأ أيضاً: هل يمكن لحرارة الصيف أن تزيد حرق الدهون في الجسم؟

الحرارة وصحة القلب

ثمة فائدة واحدة لا جدال فيها جراء ممارسة التمارين في جو حار، وهي فائدة لا يمكن الحصول عليها من ممارسة التمارين في صالة مكيفة، وهي التأقلم مع الحرارة المرتفعة. يقول كراندال في حديثه مع بوبيولار ساينس إن ممارسة التمارين في جو حار تحسن أداءك لهذا النوع من التمارين، إذا مارستها بانتظام وتكرار بما فيه الكفاية. يمكننا التكيف مع درجات الحرارة المرتفعة، إلى حد معين.

تظهر الدراسات التي أجريت على الرياضيين الذين يتدربون بصورة روتينية أنه مع التعرض المنتظم لدرجات الحرارة المرتفعة، يتحسن الأداء في الظروف الحارة بمرور الوقت. يمكن أن يؤدي التأقلم مع درجات الحرارة المرتفعة إلى تغيرات فيزيولوجية، بما في ذلك زيادة حجم الدم، وزيادة كمية العرق، والتغيرات المحتملة في مدى كفاءة استجابة الأوعية الدموية لهذه التغيرات في الحجم والإجهاد. وهذه العوامل مجتمعة تعني أن على قلبك أن يعمل بجهد أقل في الظروف الحارة.

ومع ذلك، لم تتوصل الأبحاث كلها إلى النتيجة نفسها هنا، وقد تختلف التأثيرات والفوائد وفقاً لمدى انتظام التعرض أو نوع التمرين أو تختلف بين الرياضيين والأشخاص العاديين.

على سبيل المثال، في دراسة مدتها 12 أسبوعاً شملت 52 شخصاً بالغاً قليل الحركة ولكن يتمتع بصحة جيدة، لم تجد هنتر-كوبر أي فائدة إضافية على صعيد الأوعية الدموية لحضور جلسات اليوغا الساخنة ثلاث مرات أسبوعياً، مقارنة بجلسات اليوغا في درجة حرارة الغرفة. وقد شاركت في تلك الدراسة معتقدة أن الفريق البحثي سيكتشف تأثيراً تكاملياً مشتركاً للحرارة والحركة، لكنها تقول إن "فرضيتنا لم تدعمها البيانات".

بل بدا لهم أن ممارسة اليوغا، بأي شكل من الأشكال، تعزز صحة الأوعية الدموية ولم تعزز الحرارة هذا التأثير بصورة ملحوظة. قد يعني هذا أن ثلاث جلسات يوغا، مدة كل منها 90 دقيقة أسبوعياً، لا تكفي لتحفيز التأقلم مع الحرارة. أو قد يعني ذلك أن فوائد التأقلم الحراري لا تظهر إلا بعد مستوى معين من اللياقة البدنية أو شدة التمارين.

اقرأ أيضاً: اليوغا أقل فاعلية من التمارين التقليدية في تعزيز صحة الشرايين والقلب

يشير كراندال إلى أن ثلاث جلسات تمارين ساخنة في الأسبوع ربما تمثل الحد الأدنى المطلوب لتحقيق التأقلم الحراري. وفي الحقيقة، إن ممارسة التمارين الرياضية يومياً هي الخيار الأمثل؛ إذا كنت تمارس التمارين الساخنة بمعدل أقل من ذلك، فإن كل ما تفعله هو إضافة ضغط حاد على القلب وجهاز الأوعية الدموية في كل مرة.

ليس بالضرورة أن يكون تعريض القلب للإجهاد أمراً سيئاً، إذا كنت تتمتع بصحة جيدة بما يكفي لتحمله. فالتمارين الرياضية في حد ذاتها تجهد القلب بهدف تعزيز صحته على المدى الطويل ما دام يتكيف مع ذلك. ولكن في الوقت الحالي، يقول كراندال إنه لا توجد إجابة واضحة حول إن كان الإجهاد الحراري غير المنتظم يقدم أي فائدة للقلب. ويشدد على ضرورة أن يستشير أي شخص يعاني مشاكل في القلب والأوعية الدموية مقدم الرعاية الصحية قبل تجربة حصص التمارين الرياضية الساخنة.

مزايا الحرارة الأخرى

بالإضافة إلى التأقلم مع الحرارة، تستند الفوائد الأخرى التي يجري الترويج لها على نطاق واسع للتمارين الساخنة إلى أبحاث محدودة ومبالغ فيها في كثير من الأحيان.

على سبيل المثال، ثمة ادعاءات متعلقة بالسعرات الحرارية وفقدان الوزن. تشير نيلسون إلى أن أجسامنا تجري تعديلات أيضية طفيفة عند ممارسة التمارين في البيئات الحارة. فمع ارتفاع درجات الحرارة، تفضل الخلايا استقلاب الكربوهيدرات على الدهون. ولأن الكربوهيدرات هي مصدر طاقة أقل كفاءة بقليل، تقول نيلسون إن ممارسة التمارين في درجات حرارة مرتفعة يمكن أن تحرق كمية أكبر من السعرات الحرارية "لكن الفرق ضئيل جداً"، إذ لا يتجاوز ارتفاعاً طفيفاً في جلسة مدتها 30-60 دقيقة.

وتقول إن ذلك قد يتراكم مع مرور الوقت، ولكن قد يكون السبب أيضاً أن التمارين المرهقة في درجات الحراراة المرتفعة تدفع الناس إلى تعويض تلك الخسارة بتحفيز المزيد من الجوع. وتقول إنه لا توجد لدينا أبحاث كافية حتى الآن لنقول بصورة قاطعة إذا كانت التمارين الرياضية في درجات الحرارة المرتفعة تؤثر في جهود إنقاص الوزن أو نوضح كيفية تأثيرها.

وبالمثل، تشير بعض الدراسات إلى أن الحرارة المرتفعة يمكن أن تعزز المرونة ونطاق الحركة خلال تمارين الإطالة. لكن هذه التجارب كانت محدودة، وتقتصر إلى حد كبير على التطبيق المباشر للحرارة على أحد الأطراف أو مجموعة عضلية، وليس مجرد تحريك تلك العضلات في صالة دافئة.

اقرأ أيضاً: أخطاء شائعة قد ترتكبها في أثناء ممارسة التمارين الرياضية

وأخيراً، نشرت هنتر-كوبر دراسة أجريت في عام 2023 وجدت أن جلسات اليوغا الساخنة تخفض ضغط الدم وتقلل الآثار السلبية لاتباع نظام غذائي غني بالصوديوم لدى المشاركين. لكن هذا البحث افتقر إلى التحكم في درجة حرارة الغرفة من أجل المقارنة. ومن المحتمل أن تكون الحركة نفسها، وليس درجة الحرارة، هي التي أدت إلى تعزيز هذه الفائدة.

وتشير هنتر-كوبر إلى أن "أهم أنواع التمارين الرياضية هي التمارين التي يرغب الناس في ممارستها". فإذا كنت تحب التمارين الساخنة، فهذا هو نوع التمارين الذي يجب أن تمارسه. ومن ناحية أخرى، إذا كنت لا تستمتع بالإجهاد النفسي والجسدي الإضافي الذي تتسبب به صالة اللياقة البدنية ذات الأجواء الحارة، فلا توجد ضرورة علمية تحتم عليك إخضاع نفسك لها. "الأمر كله يعتمد على أهدافك".

تشير الأبحاث إلى أنه على الرغم من أن التمارين الرياضية الساخنة تبدو أكثر حدة، فقد لا تعني بالضرورة أنك تتدرب بصورة أفضل.

المحتوى محمي