تناول الكافيين بعد نوم قليل يفاقم الآثار السلبية الناتجة عن قلة النوم وإليك التفاصيل

6 دقيقة
تناول الكافيين بعد نوم قليل يفاقم الآثار السلبية الناتجة عن قلة النوم وإليك التفاصيل
حقوق الصورة: shutterstock.com/Shidlovski

هل تعاني مشكلة في النوم؟ لست وحدك، فقد يعاني شخص من كل 3 أشخاص في العالم الأرق، وترتبط قلة النوم بزيادة خطر الإصابة بالعديد من الأمراض الرئيسية المسببة للوفاة عالمياً مثل السكري، وأمراض القلب والأوعية الدموية، وارتفاع ضغط الدم، والسمنة، بالإضافة إلى تدهور الوظائف المعرفية الدماغية، وزيادة الحوادث في أماكن العمل، وحوادث المركبات بسبب الحرمان من النوم، الذي وصفته بعض الدراسات بأنه وباء عالمي لا يُعترف به غالباً، ولا يُبلغ عنه عادة.

لكن بعد ليلة طويلة من الأرق والنوم القليل، قد تبحث مثل الكثيرين عما يمكن أن يمدك بالطاقة في الصباح، مثل تناول مشروبات تحتوي على الكافيين، وتشمل القهوة والشاي والكاكاو ومشروبات الطاقة والمشروبات الغازية، لكن إذا كنت تعتقد أن فنجان قهوة يمكن أن يمحو الآثار الجانبية لقلة النوم، فقد تفاجئك النتائج، حيث تشير دراسة حديثة إلى أن الكافيين قد يزيد الضرر الذي يلحق بالدماغ نتيجة الحرمان من النوم. فما هي الآثار المترتبة على استهلاك الكافيين وقلة النوم؟ وما هي الحلول البديلة للحصول على الطاقة والتركيز؟

اقرأ أيضاً: كيف يهدد الكافيين جودة نومك؟

استهلاك الكافيين لتعويض قلة النوم قد يعرّض الدماغ إلى مضاعفات لا يمكن عكسها

كشفت دراسة حديثة نشرتها دورية التقارير العلمية ((Scientific Reports في يونيو/حزيران 2024، وجود علاقة بين استهلاك الكافيين خلال فترات الحرمان من النوم وتقلص حجم المادة الرمادية في الدماغ، المسؤولة عن معالجة المعلومات، مقارنة بمَن لم يستهلكوا الكافيين خلال قلة النوم.

أجرى الدراسة باحثون من عيادات الطب النفسي بجامعة بازل في سويسرا، ومعهد علم الأعصاب والطب في ألمانيا، وشارك في الدراسة 36 شخصاً بالغاً وبصحة جيدة. وبيّنت النتائج أنه بعد مرور 5 أيام من النوم، مدة 5 ساعات فقط يومياً، ومع غياب الكافيين، بدأ الدماغ بالتكيُّف، وازداد حجم المادة الرمادية في بعض أماكن الدماغ. في الواقع، يبدأ الدماغ بالتكيُّف طبيعياً مع آثار الحرمان من النوم وزيادة حجم المادة الرمادية بعد نحو 20 ساعة من اليقظة، لكن عند استمرار الحرمان من النوم يعجز الدماغ عن تعويض آثار هذا الحرمان فتقل الزيادة مرة أخرى بعد نحو 36 ساعة. عموماً، يشير ذلك إلى أن الدماغ يعزز حجم المادة الرمادية كآلية تعويضية للتعامل مع الإجهاد الناجم عن عدم كفاية النوم حتى لو كان ذلك لمدة قصيرة. في المقابل، انخفض حجم المادة الرمادية عند المجموعة التي تناولت الكافيين خلال فترة الحرمان من النوم، ما يشير إلى أن الكافيين يعرقل عمليات التكيُّف الطبيعية في الدماغ.

لتفسير النتائج، وجد الباحثون أن الكافيين يمنع  عمل الأدينوزين، وهو ناقل عصبي يعزز النوم، وينتجه الجسم في الدماغ خلال ساعات الاستيقاظ، ويستمر في إنتاجه كلما طالت ساعات الاستيقاظ، ويؤدي تزايد إفراز الأدينوزين إلى زيادة الشعور بالنعاس. يعرقل الكافيين هذه العملية، حيث يرتبط بمستقبلات الأدينوزين، وخاصة مستقبلات A1 ​​وA2A، كي يبقيك مستيقظاً، لذلك يمكن أن يؤخّر الكافيين موعد نومك، ويعوق حصولك على نوم عميق ومتصل.

أظهرت النتائج أن انخفاض توفر مستقبلات الأدينوزين A1 يرتبط بانخفاض أكبر في المادة الرمادية، ما يعني أن الاختلافات الفردية في مستويات هذه المستقبلات قد تؤدي إلى تأثيرات متفاوتة في المادة الرمادية عند استهلاك الكافيين.

ومع أن الأشخاص المشاركين تعافوا من معظم التأثيرات السلبية المتعلقة بانخفاض حجم المادة الرمادية بعد الحصول على نوم كافٍ والامتناع عن الكافيين فترة محددة، فقد بقيت بعض التأثيرات المتعلقة بمناطق دماغية محددة، والمرتبطة بتقييد النوم واستهلاك الكافيين، ما يشير إلى أنه من الصعب عكس بعض التغييرات في الدماغ المرتبطة بالحرمان من النوم، واستهلاك الكافيين فترات طويلة وبجرعات عالية. لكن لم تستطع الدراسة تأكيد ذلك بسبب عدد المشاركين القليل وقصر مدة الدراسة. لذلك، هناك حاجة إلى مزيد من الدراسات لاستكشاف الآثار طويلة المدى للحرمان من النوم واستهلاك الكافيين.

اقرأ أيضاً: بين فوائده وأضراره: ما الذي لا يعرفه العرب عن الكافيين؟

ما بين الفوائد والأضرار: تأثيرات مختلفة للكافيين

يُعدّ الكافيين مادة منبّهة تعزز نشاط الدماغ والجهاز العصبي خلال 30 إلى 60 دقيقة، وتستمر هذه التأثيرات مدة مؤقتة تصل إلى 5 ساعات، وقد تستمر أطول من ذلك، بحسب الشخص والكمية المستهلكة. يوجد الكافيين في أكثر من 60 نوعاً من النباتات، مثل حبوب البن والكاكاو وأوراق الشاي، كما قد تحتوي بعض أنواع ألواح البروتين وكذلك بعض الأدوية على الكافيين.

يمكن أن يؤثِّر الاستهلاك المعتدل للكافيين إيجابياً في الصحة العامة، إذ قد يعزز عملية فقدان الوزن، ويحسِّن الأداء الرياضي، وقد يسهم في الحماية من بعض أمراض، مثل الزهايمر وأمراض الكبد وإعتام عدسة العين وحصوات الكلى وبعض أنواع السرطان.

ومع ذلك، يمكن أن يسبب الاستهلاك الزائد للكافيين بعض الآثار الجانبية المحتملة، التي تتباين في شدة تأثيرها بحسب الكمية المستهلكة وحساسية الشخص للكافيين. وتشمل هذه الآثار: العصبية، والصداع، وزيادة التبول، وتشنج العضلات، والارتعاش، وضربات القلب السريعة أو غير المنتظمة، والدوار، وتهيج الجهاز الهضمي.

وفي بعض الحالات، قد يؤدي إلى الهلوسة، والارتباك، ونوبات الصرع. علاوة على ذلك، قد يزيد الاستهلاك المتزايد للكافيين مخاطر الإصابة بالاكتئاب والقلق، ويرفع مستويات السكر في الدم، وقد يؤدي إلى حدوث مضاعفات في أثناء الحمل.

حلقة مفرغة: التفاعل بين الكافيين وقلة النوم

على الرغم من أن الكافيين يعزز الوظائف المعرفية؛ مثل الذاكرة والانتباه، فهو ليس بديلاً عن الحصول على نوم مريح وعميق، ولا يستطيع دفع أضرار الحرمان من النوم على المدى الطويل. وتكمن المشكلة في أن الأشخاص الذين يعانون الأرق يستهلكون الكافيين في النهار للتغلب على آثار الحرمان من النوم ليلاً.

وبحسب دراسة علمية نشرتها دورية أبحاث طب النوم (Sleep Medicine Reviews) في يونيو/حزيران 2023، فإن استهلاك الكافيين يقلِّل إجمالي وقت نوم الشخص بمقدار 45 دقيقة، ويخفّض جودة النوم بنسبة 7%، ويؤدي تفاقم الحرمان من النوم إلى تزايد شعور الأشخاص بالتعب، وزيادة الحاجة إلى استهلاك المزيد من الكافيين، ما يدخلهم في حلقة مفرغة، ويتزايد شعور الأشخاص بالنعاس خلال النهار إلى درجة لا يستطيع الكافيين عكسها. على الجانب الآخر، قد يؤدي الاستهلاك اليومي للكافيين إلى تحوله لعادة دائمة يصعب معها الاستغناء عنه،ويمكن أن يقلل آثاره في تعزيز اليقظة؛ لذلك قد يلجأ البعض إلى زيادة الاستهلاك.

اقرأ أيضاً: دراسة حديثة تؤكد التأثير السلبي للكافيين فيمَن يعملون ليلاً

كيف تستهلك الكافيين باعتدال وبطريقة آمنة؟

بصفة عامة، لا يعني ما سبق الامتناع التام عن استهلاك الكافيين، إلّا في حال وجود حالات صحية تمنع استهلاكه، لكن يجب توخي الحذر خصوصاً عند استهلاكه على نحو متزايد لتعويض آثار الحرمان من النوم.

يوضّح طبيب الصحة العامة، أحمد العمار، أن الكافيين مُركّب آمن، لكنه يحذِّر من الكافيين الموجود في مشروبات الطاقة نتيجة أضرار هذه المشروبات، ويوصي بمنع استهلاكها لمَن هم دون 16 سنة.

ويمكن أن تساعدك النصائح التالية على الاستهلاك الصحيح والمعتدل، والاستفادة من فوائد الكافيين، والحد من أضراره المحتملة:

  1. استهلك الكافيين باعتدال: تنصح إدارة الغذاء والدواء الأميركية (FDA) الأشخاص البالغين الأصحاء باستهلاك ما لا يزيد على 400 مليغراماً يومياً، فمثلاً، يحتوي كوب القهوة الواحد من 100 إلى 200 مليغراماً من الكافيين. لكن قد تختلف استجابة بعض الأشخاص عند تناول الكافيين. من ناحية التمثيل الغذائي، فقد يستطيع البعض استهلاك معدلات أعلى بأمان، وقد يحتاج آخرون إلى تقليل استهلاكهم عن الحد الموصى به. لذلك، من الأفضل التحدث إلى مقدم الرعاية الصحية لتحديد الكمية المحددة المناسبة لك.
  2. توقف عن تناول الكافيين قبل النوم بوقت كافٍ: يحتاج جسم الشخص السليم إلى نحو 5 ساعات على الأقل للتخلص من نصف كمية الكافيين المتناولة. لذلك، يوصى بالتوقف عن تناول المشروبات المحتوية على الكافيين قبل 6 ساعات على الأقل من النوم. لكن يمكن أن يحتاج الجسم ما بين 1.5 ساعة و9.5 ساعات للتخلص من نصف كمية الكافيين، تبعاً لعوامل فسيولوجية وبيئية تؤثّر في استقلابه مثل، الحمل والسمنة واستخدام موانع الحمل الفموية، والتدخين. لذلك، قد يتوجب زيادة هذه المدة أو تقليلها بحسب الحالة الصحية، والخصائص الفردية للشخص، ومعدل الاستهلاك، والعمر، وغيره.
  3. قلل استهلاكك تدريجياً: توقُّف الأشخاص المعتادين على استهلاك الكافيين فجأة يمكن أن يؤدي إلى أعراض انسحاب مثل الصداع والقلق وسوء الحالة المزاجية، وتبدأ هذه الأعراض عادة بعد 12 إلى 24 ساعة، وتصل إلى ذروتها خلال يوم أو يومين، وقد تستمر مدة أسبوع واحد، لكنها تزول فوراً بمجرد استهلاك الكافيين مرة أخرى. لذلك، ينصح بالتقليل التدريجي  لتجنب هذه الأعراض.
  4. استشر الطبيب: إذا كنت تعاني صعوبة في النوم أو الاستغراق فيه، أو تشعر بالغثيان، أو الصداع، أو العصبية، فقد يكون ذلك من علامات الإفراط في استهلاك الكافيين، أو الاعتماد عليه. أمّا إذا كنت تعاني الشعور بالنعاس المفرط في أثناء النهار، ولا يساعدك الكافيين على درء ذلك، فقد يُعدّ ذلك مؤشراً على الإصابة باضطرابات النوم، أو مشكلة طبية أخرى، ويمكن أن يساعدك مقدم الرعاية الصحية على تحديد المشكلة الأساسية، ووضع حلول مخصصة لحالتك المحددة.

اقرأ أيضاً: هل يحتوي الشاي الأخضر على الكافيين؟

نصائح لتعزيز الطاقة والنوم الصحي

هناك العديد من الطرق لتعزيز الطاقة بدلاً من الاعتماد على استهلاك الكافيين، ويمكن أن تساعدك هذه النصائح على الحصول على نوم مريح وعميق:

  1. تعرَّض إلى الضوء في الصباح: تعرض إلى الضوء الطبيعي في النهار، أو أشعِل الأضواء الساطعة إذا لم تستطع الخروج؛ فالضوء يعطي الساعة البيولوجية في الجسم إشارة على أن النهار قد حل، ويعزز اليقظة.
  2. مارِس عادات النوم الصحية: حدد جدول نوم واستيقاظ ثابتاً، وأعد بيئة نوم مريحة.
  3. مارِس الرياضة: تعزز ممارسة التمارين الرياضية يقظتك، وتساعدك على النوم بطريقة أفضل.
  4. احصل على قيلولة قصيرة: إذا كنت تشعر بالنعاس، فيمكن أن يسهم الحصول على قيلولة تصل إلى 20 دقيقة في استعادة طاقتك مؤقتاً، مع العلم أنها ليست بديلاً عن النوم الجيد ليلاً.