هل ثمة صلة بين اللحوم الحمراء والسرطان؟ سؤال مُلحّ لا يزال يُثير جدلاً بين الأوساط العلمية؛ فعلى الرغم من أن كثيراً من الدراسات أشارت خلال السنوات الماضية إلى وجود صلة محتملة بين تناول اللحوم الحمراء وزيادة خطر الإصابة بالسرطان.
إلا أن بروتوكولاً لمراجعة حديثة منشور في دورية بلوس وان (PLOS ONE) عام 2025، أشار إلى أن النتائج التي توصلّت إليها الدراسات السابقة تصعّب استخلاص استنتاجات عامة منها؛ وذلك نتيجة غياب التعريف الواضح للحوم الحمراء واللحوم المصنعة، وتنوّع طرائق تصميم الدراسات، وتفاوت النتائج بين الجرعة المتناولة وتأثيرها المسرطن، ونقص تقييم المصداقية الإحصائية للنتائج.
لذلك، سنستعرض في هذا المقال ما أظهرته الأبحاث السابقة عن هذه الصلة، وكيف ستستدرك هذه المراجعة القيود والفجوات المعرفية في العلاقة بين اللحوم الحمراء والإصابة بالسرطان.
اقرأ أيضاً: ما مدى فعالية نخيل الدوم ضد سرطان والتهاب البروستات؟
هل ثمة علاقة بين اللحوم الحمراء أو المصنعة والإصابة بالسرطان؟
في الواقع، صنّفت الوكالة الدولية لبحوث السرطان (International Agency for Research on Cancer) التابعة لمنظمة الصحة العالمية في تقريرها عام 2015، اللحوم المصنّعة (اللحوم التي تمت معالجتها بالتمليح أو التدخين أو التخمير أو غيرها من العمليات التي تعزز النكهة أو تحسّن عملية الحفظ) ضمن المجموعة 1؛ أي مادة مسبِّبة للسرطان لدى البشر.
ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية، يتم استخدام هذا التصنيف عند وجود أدلة كافية ودامغة على أن مادة ما تسبب السرطان لدى البشر. ويستند هذا التقييم عادة إلى دراسات وبائية تتم على البشر؛ أي استندت في هذه الحالة إلى دراسات أثبتت فعلاً أن تناوُل اللحوم المصنعة يسبّب سرطان القولون والمستقيم.
في حين صنّفت اللحوم الحمراء (مثل لحم البقر والضأن والماعز) ضمن المجموعة A2؛ أيّ إنها مادة من المحتمل أن تسبب السرطان لدى البشر. معنى هذا الكلام أن تصنيف اللحوم الحمراء ضمن هذه الفئة يعتمد على أدلة محدودة.
لكن هذه العلاقة ليست بالضرورة سببية؛ إذ، ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية، لا يمكن استبعاد وجود تفسيرات أخرى، مثل الصدفة أو التحيّز أو عوامل مربكة أُخرى (مثل كون الأشخاص الذين يتناولون كميات أكبر من اللحوم الحمراء مدخنين أيضاً أو يتبعون نمط حياة خامل، ما قد يؤثّر في خطر الإصابة بالسرطان).
اقرأ أيضاً: الحمية الغنية بأوميغا 3 تساعد في تقليل خطر الإصابة بالسرطان
لماذا قد تسبب اللحوم الحمراء أو المصنعة السرطان؟
يعزا ذلك إلى عدة أسباب محتملة مثل:
- احتواء اللحوم الحمراء على نسبة عالية من الحديد الهيمي الذي يمكن أن يفاقم الإجهاد التأكسدي ويتلف الحمض النووي.
- احتمال تفاعُل النتريت المضاف إلى اللحوم المصنعة، بغية تثبيط نمو الميكروبات الممرضة وإعطاء اللحوم لونها الوردي ونكهتها المميزة، مع الأمينات (الناتجة عن تحلل البروتين) في أثناء المعالجة الحرارية وتكوين مركبات النتروزامينات (N-nitroso)؛ وهي مركبات مسببة للسرطان بدرجة كبيرة.
- تدخين اللحوم يسهم في إنتاج الهيدروكربونات العطرية متعددة الحلقات التي تتلف الحمض النووي وتسبِّب السرطان.
- طهي اللحوم بدرجات حرارة عالية، مثل الشواء أو القلي، يسبب إنتاج أمينات عطرية غير متجانسة مسبِّبة للسرطان.
علاوة على ذلك، ثمة فرضية أُخرى تقول إن اللحوم الحمراء تحتوي على سكر حمض السياليك؛ وهو سكر لا يصنّعه جسم الانسان بصورة طبيعية؛ لكن من الممكن أن يستخدمه عن طريق الخطأ مضيفاً إياه إلى غشاء الخلية، ما يحفّز استجابة مناعية مصحوبة بالتهاب مزمن؛ من ثم يؤدي الالتهاب المزمن إلى إنتاج جزيئات الأوكسجين التفاعلية؛ وهي جزيئات شديدة التفاعل قد تسهم مع مرور الوقت في تلف الحمض النووي وتعزيز نمو الأورام والسرطانات.
اقرأ أيضاً: اللحوم النباتية: هل هي حقاً صحية أكثر من اللحوم الحيوانية؟
هل ستسهم المراجعة المذكورة في حسم الجدل؟
سعى الباحثون هذه المرة إلى إجراء ما سموه بـ "مراجعة شاملة" (Umbrella Review)؛ وهي من بين أعلى مستويات الأدلة في الطب، إذ تقدم تقييماً شاملاً للمعلومات المتاحة حول هذا الموضوع عبر مراجعة المراجعات المنشورة عنه؛ لكن هذه المراجعة بالتحديد لم تنشر سوى بروتوكولاً إلى حد الآن.
وبروتوكول الدراسة أو المراجعة البحثية؛ هو وصف مفصّل لكيفية إجراء الدراسة من بيانات وأساليب تحليل النتائج وتقييمها، وهو، في هذه الحالة، عبارة عن خطة لمراجعة لم تنتهِ بعد؛ أي إن نتائج المراجعة غير منشورة بعد، لكن من المقرر نشرها في مجلة محكّمة حين استكمالها، وفقاً لما ذكره الباحثون.
وأهم ما يميّز هذه المراجعة من وجهة نظر الباحثين هو تركيزهم على البيانات البشرية الحقيقية المستخلصة من دراسات طويلة الأمد ودراسات الحالات والشواهد، وتصنيف مصداقية الأدلة من "قوية جداً" إلى "ضعيفة جداً" بناء على الدلالة الإحصائية وحجم العينة والتحيّزات المحتملة. علاوة على تقييم تأثير الاستجابة للجرعة؛ أي تحديد فيما إذا كان الخطر يرتفع مع تناول كميات أكبر من اللحوم وما إذا كانت الكميات الصغيرة مثيرة للقلق أيضاً.
اقرأ أيضاً: تعرّف إلى حمية الكارنيفور الغذائية لإنقاص الوزن بتناول اللحوم فقط
إذاً، وفي حال تم إجراء هذه المراجعة بصورة صحيحة، فقد يستكشف الباحثون أنواع السرطان التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً باستهلاك اللحوم الحمراء والمصنعة ومعدل الإصابة والوفيات بها، علاوة على فهم كيف يرتبط استهلاك اللحوم الحمراء والمصنعة بمعدل الإصابة والوفيات بهذه السرطانات وفهم العلاقة بين الكمية المتناولة والأثر المسرطن، فضلاً عن تقدير مدى انتشار أنواع السرطانات الناتجة عن تناول هذه اللحوم لدى الفئات السكانية المختلفة.
الجدير بالذكر أن المراجعة لا تهدف إلى تخويف الناس أو حثّهم على تغيير نظامهم الغذائي فوراً، بل إلى منحهم صورة أوضح وأكثر موثوقية عن المخاطر الفعلية ومدى قوة الدعم العلمي لها.