لكل الآباء الذين يشعرون بالإرهاق من الطهي والتنظيف والتخطيط للوجبات خلال الجائحة؛ هناك أخبار سارّة، الوجبات العائلية ومشاركة الطعام مع الآخرين مفيدة للصحة العقلية والجسدية.
يعلم معظم الآباء سلفاً أن الوجبات العائلية مفيدة جداً لأدمغة الأطفال وصحتهم الجسدية وصحتهم العقلية، وقد بيّنت الدراسات على مر أكثر من عقدين من الزمن أن الأطفال الذين يتناولون الطعام مع عائلاتهم يؤدّون دراسياً بشكل أفضل، ولديهم موسوعة مفردات أفضل. يعاني هؤلاء من الاكتئاب والقلق واضطرابات الأكل بمعدلات أقل، كما أنّهم يتمتعون بأنظمة غذائية أكثر صحيّةً، وصحّة قلبية وعائية أفضل.
ولكن الأمر غير المتوقّع بالنسبة للآباء هو أن هذه الوجبات التشاركية نفسها مفيدة للبالغين أيضاً. بالنسبة للأشخاص من مختلف الفئات العمرية؛ من الآباء صغار السن الذين يتناولون الطعام مع الأطفال الصغار، إلى هؤلاء الذين يتناقشون مع أطفالهم في سن المدرسة حول آليّات التأقلم مع الجائحة، والبالغين المؤهّلين للحصول على التأمين الصحّي الذين يتناولون الطعام مع الأشخاص من الأجيال الأصغر سنّاً؛ ترتبط الوجبات التشاركية بعادات الأكل الصحية والمزاج الجيّد.
صحيّ لكل البالغين وللآباء بشكلٍ خاص
بالنسبة للبالغين؛ سواء الذين لديهم أطفال أم لا، هناك عدد كبير من المنافع الصحية لتناول الطعام مع الآخرين. حتى البالغون الذين لا تجمعهم صلة قرابة؛ مثل رجال الإطفاء، يتحسّن أداؤهم ضمن الفريق عندما يطهون الطعام، ويتناولوه معاً أثناء انتظار نداء العمل.
وجد الباحثون أن تناول الطعام بشكلٍ فردي يرتبط بازدياد احتمال تفويت الوجبات وظهور بعض الآثار اللاحقة؛ مثل انخفاض مدخول المغذّيات، وانخفاض الطاقة، وتردّي الصحية الغذائية.
بغض النظر عمّا إذا كان البالغون آباء أم لا، فهؤلاء الذين يتناولون الطعام مع الآخرين يميلون لتناول كمّيات أكبر من الفواكه والخضار، وكمّيات أقل من الوجبات السريعة؛ مقارنةً بالأشخاص الذين يتناولون الطعام بمفردهم. حتى إذا كان الطبّاخ المنزلي لا يركّز بشكلٍ خاص على الطعام الصحّي، فتناول الوجبات المحضّرة منزلياً يقلل احتمال أن يكون البالغون مصابين بالسمنة. الكميات الكبيرة من الطعام، وتناول الأطعمة المقلية، وكميات كبيرة من الدسم، هي أمور أكثر شيوعاً في المطاعم مقارنةً بالمطابخ المنزلية.
البالغون الذين يتناولون طعام العشاء أثناء مشاهدة التلفاز قد يكونون أكثر عرضةً لاكتساب الوزن، تماماً كما تدعم الأدلة العلمية -من الولايات المتّحدة والسويد وفنلندا والبرتغال- أن هناك صلةً بين السمنة وتناول الأطفال وجبات العشاء أثناء مشاهدة التلفاز.
بالإضافة إلى منافع تناول الطعام مع الآخرين؛ هناك فوائد أخرى بالنسبة للبالغين الذين يتناولون الطعام مع أطفالهم، وهي تنطبق بشكل متساوٍ على الأمهات والآباء. عندما يتواجد الأطفال عند أوقات الوجبات، فقد يتناول الآباء الطعام بطريقة أكثر صحيّةً، ربما بهدف طرح مثال جيّد على السلوك العام، وتوفير أفضل تغذية ممكنة لأطفالهم. عندما تدور الكثير من الأحاديث التي يشارك فيها الأطفال، تتباطأ وتيرة الأكل؛ مما يسمح لأدمغة الأشخاص الذين يتناولون الطعام أن تتحسس الشبع، وتوقف الأكل.
بالنسبة للأطفال؛ تناول المزيد من الوجبات مع العائلة يرتبط بانخفاض معدّلات السمنة، ومع ذلك؛ فإن تناول الطعام مع الآخرين لا يرتبط بانخفاض اكتساب الوزن عند البالغين؛ إلّا إذا تناولوا الطعام مع الأطفال. الآباء الذين يتناولون الطعام مع أطفالهم، يبلّغون عن نسب أقل من اتّباع الحميات، وسلوكيات الأكل النّهم، قد يخفف الآباء من هذه السلوكيات المدمّرة عندما يعرفون أن أطفالهم يراقبونهم جاهزين لتقليدهم.
الأمر مجهد لكن يحسّن الصحة العقلية
قد يبدو من غير المتوقع أن العملية التي تتطلّب الكثير من الجهد والوقت والموارد - الجهد المستهلك في تخطيط الوجبات، والتسوّق لجلب مستلزماتها، وتقديمها والتنظيف بعدها - يمكن أن تؤدي إلى تحسين الصحة العقلية، ومن البديهي أن الأطفال سيستفيدون من إظهار آباءهم للحب والاهتمام عن طريق توفير الوجبات.
لكن وجد الباحثون أن تناول الوجبات العائلية المختلفة يرتبط بتحسّن الصحة العقلية بالنسبة للأمهات والآباء على حدٍ سواء؛ على الرغم من أن الأمهات يحملهن العبء الأكبر في تحضير الوجبات، ومقارنةً بالآباء الذين يتناولون الوجبات العائلية نادراً؛ فإن الآباء الذين يتناولون الطعام مع أطفالهم بشكلٍ اعتيادي بلّغوا عن مستويات أفضل في الأداء الأسري، ومستويات أعلى من الثقة بالنفس، ومستويات منخفضة من أعراض الاكتئاب والتوتر.
لا تعتمد المنافع للصحة العقلية على الوجبات التي يستغرق تحضيرها وقتاً طويلاً، أو الخضروات العضوية؛ لأن الجو العام أثناء تناول العشاء هو الأكثر مساهمةً في الصحة العاطفية، الوجبات الجاهزة التي يتم تناولها في المنزل لها منافعها في هذا السياق أيضاً.
وجدت إحدى الدراسات التي أُجريت على آباء الرضّع والأطفال الصغار، أن الأزواج الذين ربطوا معنى وأهمية الوجبات العائلية، كانوا راضين أكثر عن علاقاتهم الزوجية. ليس من الواضح اتجاه السببية في هذه الحالة، هل الأمر هو أن الأزواج في الزيجات المرضية يميلون لأن يخلقوا طقوساً يومية؟ أم أن اتّباع الطقوس اليومية يؤدّي إلى علاقات أكثر متانةً؟ في جميع الأحوال؛ فإن تأسيس طقوس ذات معنىً- مثل الوجبات التشاركية- خلال المراحل المبكّرة من الأبوة، قد يعوّد على الروتين، ويمنح القدرة على التنبّؤ في وقتٍ يمكن أن تكون الحياة فيه مزدحمةً ومشتتةً للغاية.
كما هو الحال بالنسبة للأطفال؛ فإن الوجبات العائلية على العشاء هي أكثر الأوقات المناسبة بالنسبة للآباء للاسترخاء وتبادل أطراف الحديث مع أفراد عائلتهم، هو وقت الابتعاد عن مكالمات الفيديو ورسائل البريد الإلكتروني، وقوائم المهام، والتواصل وجهاً لوجه مع الآخرين، وقت العشاء يتضمّن عادةً الضحك، والتخلّص من الضغط، وأيضاً حل المشاكل، والتحدّث عن أحداث اليوم، وما قد يحدث في اليوم التالي.
الوجبات العائلية هي عادة جيدة يجب الحفاظ عليها
بالنسبة للآباء الذين يخططون للمستقبل؛ هناك منفعة أخرى لتناول وجبات العشاء العائلية؛ فعندما يعتاد المراهقون على تناول العشاء مع العائلة، سيكررون تلك العادة في منازلهم عندما يكبرون ويصبحون آباء. البالغون الذين بلّغوا عن أنّهم كانوا يتناولوا 6 أو 7 وجبات عائلية أسبوعياً في طفولتهم، انتهى بهم المطاف بتناول الوجبات العائلية مع أطفالهم بشكلٍ متكرر، وجبات العشاء العائلية وفوائدها قد تكون بمثابة الإرث الذي يمكنك تمريره لأجيال المستقبل.
مع ذلك؛ فإن تناول الوجبات التشاركية ليس أمراً ممكناً بالنسبة للجميع، وجبات العشاء العائلية المتكررة أكثر شيوعاً عند الأميركيين البيض، وذوي المستويات التعليمية الأعلى، والمتزوجين وذوي الدخل الأسري من الطبقة المتوسطة أو أعلى، وفي حين أن تواتر الوجبات العائلية في الولايات المتّحدة ظل ثابتاً إلى حد ما من 1999 إلى 2010؛ إلّا أنّه انخفض كثيراً (من 47% إلى 39%) بالنسبة للعائلات منخفضة الدخل، وارتفع (من 57% إلى 61%) بالنسبة للعائلات مرتفعة الدخل. يمكن فهم هذه الفجوة من منظور التفاوتات البنيويّة؛ لأن قدرة الآباء منخفضي الدخل على التحكّم بجداول أعمالهم تكون أقل، وقد يحتاجون إلى التوفيق بين أكثر من وظيفة واحدة لتغطية نفقاتهم.
مع عودة الناس ببطء لتبنّي نمط حياة أقل تحفّظاً، يعيد الكثيرين النظر في الأمور التي تعلّموها خلال الجائحة؛ والتي قد تستحق التمسّك بها. هناك بعض الأدلّة التي تشير إلى أن عدداً أكبر من العائلات تناول عدداً أكبر من الوجبات التشاركية خلال الجائحة من أي وقت سابق، بعض العائلات التي لم تعطِ الأولوية لتناول الطعام الجماعي قبل الجائحة قد تكون اكتسبت خلال السنة الأخيرة تقديراً جديداً لمتعة تشارك الوجبات.
بالطبع؛ قد يكون الكثير من الأشخاص يتحضّرون من الآن لجعل الطبّاخين في مطاعمهم المفضّلة يطبخون وجباتهم بعد الإرهاق الذي شعروا به نتيجة العمل في المنزل لفترة طويلة؛ لكن قد يرغب الآباء بتذكّر أن الأدلة العلمية تشير إلى أن الوجبات التشاركية مفيدة للصحة العقلية والجسدية لكل عضو من أعضاء الأسرة.
مع بدء الأشخاص بالتعافي من خسائر السنة الأخيرة، وما تخللها من قلق واضطراب، لماذا لا نستمر بالانخراط في الممارسات التي تفيد الجميع؟ في ممارسات العلاج الأسري الخاصّة بي؛ ستكون الوجبات العائلية من التوصيات الأساسيّة.
هذا المقال محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً