في 10 فبراير/ شباط 2022، كاد المتزلج الفني الياباني «يوزورو هانيو» أن يحقق أول قفزة محور رباعي في تاريخ الألعاب الأولمبية خلال برنامج التزلج الحر للرجال. لقد كان هدفاً طموحاً جداً وجريئاً حقاً، ويقول الخبراء والرياضيون والمشجعون على حد سواء إن محاولة هانيو لتحقيق هذا الإنجاز هي انتصار بحد ذاتها. ربما لم يحقق هانيو القفزة المثالية عندما لم يدر بشكلٍ مثالي واقترب من السقوط تقريباً خلال عرضه، لكنه كاد أن يحققها بالفعل.
تقول سارة ريدج، عالمة الميكانيكا الحيوية في جامعة بريغهام يونغ: «إذا كان بإمكان أي شخص تحقيق قفزة محور رباعي في دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين هذا العام، فسيكون هانيو. ما يميزه أن جسمه مثالي تماماً لتحقيقها، ولديه المهارات والموهبة المناسبة». وتضيف: «تحقيق هذه القفزة ليس مستحيلاً في المستقبل بالنسبة لهانيو»
تتطلب القفزة الرباعية أربع دوراتٍ كاملة وصعبة في الهواء. بينما تصعب قفزة المحور الرباعي، والتي تنطوي على الإقلاع من الأمام ثم الهبوط للخلف، التحدي، وتتطلب من المتزلجين القيام بنصف دورة إضافية إلى قفزتهم القوية. وفقاً لصحيفة واشنطن بوست، فإن الحاصل على الميدالية الذهبية في التزلج الفني على الجليد للرجال في أولمبياد 2022، ناثان تشن، قد نفّذ بنجاح جميع القفزات الرباعية باستثناء قفزة المحور الرباعي.
اقرأ أيضاً: كيف يكسب المتزلجون ميدالياتهم بالاستفادة من الفيزياء؟
فيزياء القفز على الجليد
يحتاج المتزلج إلى القيام بسلسلة معقدة من الخطوات من أجل أن يكمل أي قفزة دورانية على الجليد. قبل القيام بالقفزة، ينبغي على المتنافس أن يخلق زخماً دورانياً عندما يكون على الأرض الصلبة عن طريق مد أطرافه ولف جسمه كزنبرك مضغوط، ثم يجب عليه أن يقفز في الهواء، (كلما كانت القفزة أعلى، زاد الوقت الذي يقضيه في الهواء). بمجرد أن يندفع المتزلج في الهواء، يحافظ على وضع مستقيم بالكامل، حيث يضم الذراعين والساقين إلى وسط الجسم ومحور الدوران. ما يقلل من عزم القصور الذاتي للجسم (أو مقاومة الدوران)، ويسرع الدوران. عند الهبوط، يفرد المتزلج أطرافه لزيادة القصور الذاتي لإيقاف الدوران بشكلٍ أساسي، مع الحفاظ على التوازن على شفرات حذاء التزلج الرفيعة. إنها عملية مذهلة تجري في أجزاء من الثانية وتنطوي على قدر كبير من التغيرات الجسدية والسرعة في اتخاذ القرار.
تقول ديبورا كينج، عالمة الميكانيكا الحيوية في كلية إيثاكا: «يصبح هامش الخطأ أصغر عندما يحاول الرياضي إضافة المزيد من الدورات في حركة بهلوانية هوائية سلسة. نظراً لقصر الوقت الذي يمكن أن يبقى المتزلج فيه في الهواء، يجب عليه تحقيق أقصى سرعة دوران له بمجرد اندفاعه في الهواء لإنجاز الدورات المستهدفة. وبمجرد وصوله إلى السرعة القصوى، يجب أن يحافظ على وضعية جسمه ليدور أطول فترة ممكنة حتى الهبوط».
حتى الآن، لم يتجاوز أي متزلج من الإناث أو الذكور عدداً أكثر من أربع دورات. ما يجعل تحقيق هدف أربع دوراتٍ ونصف، أو قفزة المحور الرباعي أمراً مغرياً ومثيراً للإعجاب حقاً كما تقول ريدج.
لكن هل من الممكن تجاوز هذا الرقم؟ يشير شعار الألعاب الأولمبية إلى «الأسرع» و«الأعلى» و«الأقوى»، ويمكننا إضافة «الأخف» أيضاً عند الحديث عن التزلج على الجليد.
حدود جسدية
تقول ريدج: «الحد الأقصى لعدد الدورات الممكنة محدود بسبب عزم القصور الذاتي للمتزلج على الجليد، والذي يعتمد بدوره على كتلة الجسم وشكله. يمنح التركيب الجسدي الخفيف بشكل طبيعي المتزلج ميزة المقاومة المنخفضة للدوران». وتوضح كينج أنه بغض النظر عن مقدار انقباض جسم الرياضي ومد جسده أثناء القفز، لا يمكنه ضغط نفسه أكثر من عرض كتفيه ووركيه. وتضيف: «سترى كيف يحاول المتزلج ضغط نفسه بقدر ما يستطيع عندما يكون في الهواء أثناء تنفيذه القفزة الرباعية».
من الأشياء الأخرى التي يجب أن يتمتع بها المتزلج القوة، ولكن دون أن تكون لديه زيادة في الكتلة العضلية. (يزن هانيو 57 كيلوجراماً وطوله 154 سنتيمتراً). تفيد قوة المتزلج بدفع المتزلج للأعلى أكثر وتزيد قدرته على ضم نفسه بإحكام أثناء الدوران في الهواء، وهي عملية مرهقة جداً على الرغم من أن الرياضيين المحترفين يجعلون أداءها يبدو سهلاُ جداً. كلما زادت سرعة دوران المتزلج، زادت قوة الطرد المركزي التي تؤثر على أطرافه، ما يتسبب في ابتعادها عن الجسم وعن وضعها المثالي المناسب للدوران. قد يشعر المتزلج في بعض القفزات الدورانية بقوة تصل إلى مرة ونصف وزن جسمه على أطرافه.
ومع ذلك، هناك سرعة وارتفاع معينين لا يمكن للرياضي تجاوزهما. تقول كينج: «لا يمكن للمتزلج استخدام كل قوته في الدوران أو في القفز. هناك توازن جيد يجب المحافظة عليه. عادة ما يحلق المتزلجون في الهواء لمدة نصف ثانية، ولكن ليس أكثر». وتعتقد كينج أنه في هذه الرياضات ربما يكون أقصى عدد يمكن تحقيقه هو خمس دورات، وأي رقمٍ أعلى من ذلك مستحيل تقريباً.
تقول في هذا الصدد: «لا أستطيع تخيل حدوث ذلك حقاً، ولكن آمل أن يثبت أحد ما أني مخطئة».
ويتفق خبراء آخرون على أن القفزة الخماسية قد تكون أقصى الدورات الممكنة في هذه الرياضة. لقد قامت ريدج بنفسها بقياس معدل دوران أفضل المتزلجين الأميركيين على الجليد، وقد وجدت أنه، وحتى بالنسبة لأولئك الذين يتجاوز معدل دورانهم 2000 درجة في الثانية (وهو أعلى معدل يمكن لأدوات ريدج قياسه)، فهي لا تتوقع أن يحقق أي متزلج أكثر من خمس دورات في قفزة واحدة. تقول: «ربما يكون ذلك ممكناً، ولكن لا يمكنني تخيل ذلك مطلقاً».
اقرأ أيضاً: ديزني تستعين بالروبوتات لتنفيذ الأكروبات الجوية الخطرة
معدات التزلج: شريك في المعادلة
وتضيف ريدج بأن الطريقة الوحيدة لتجاوز هذا الرقم هي من خلال إدخال تغيير جذري على معدات التزلج على الجليد للسماح للرياضيين بتسخير حركتهم بشكل أفضل من أجل القيام بهذه القفزات المثيرة. ولكن بالنظر إلى أن المتزلجين لا يمكنهم استخدام سوى أحذيتهم المخصصة، فليس هناك مجال كبير للمناورة لتصميم طريقةٍ يمكنهم من خلالها تحقيق اختراقٍ كبير في هذا الصدد.
View this post on Instagram
تعتقد ميراي ناجاسو، أول متزلجة أميركية على الجليد تحقق قفزة محور ثلاثي في أولمبياد عام 2018، أنه يمكن تحقيق قفزةٍ خماسية. وتقول: «الرياضيون الشبان، مثل «إيليا مالينين»، سوف يستلهمون من الإنجازات القياسية للمتزلجين الحاليين لدفع حدود الرياضة أكثر في السنوات القادمة». وتضيف بأن تحقيق أرقام قياسية جديدة ليس مهماً ما لم يكن من الممكن تحقيقها بأمان.
تقول ناجاسو: «نحن بحاجة إلى مزيد من الحماية لهؤلاء الرياضيين الشباب الذين يدفعون بأجسادهم إلى أقصى الحدود لأنهم يتوقون للفوز بشدة».
لقد مزقت ناجاسو شفتها السفلى أثناء تدريبها على قفزة المحور الثلاثي، واضطرت إلى الخضوع لعدة جراحات على الورك. تضيف ناجاسو: «قد لا يستحق تحطيم الأرقام القياسية كل هذا العناء إذا كان المقابل إصابة تعاني منها لبقية حياتك». بقدر ما يسعد الجمهور بالعروض الرياضية الجديدة المثيرة، في النهاية، يتطلب الأمر من الأولمبيين تضحيات كبيرة لجعل المستحيل ممكناً.