ماذا لو كان بالإمكان إضافة المزيد من الأعوام إلى عمرك؟ يبدو وقتاً كافياً نسبيّاً لتحقيق المزيد من الأحلام والطموحات. حسناً، إليك السر، إنّه بتقييد السّعرات الحرارية. قد يُخيّل إليك أنه عليك الالتزام بنظام غذائي صحيٍّ وصارم للفوز بالأعوام الإضافية. لكن وفقاً لنتائج عقود من الأبحاث، توصل العلماء إلى أهمية تقليل الطعام في إطالة العمر، وإمكانية التحكّم في الجين المسؤول عن زيادة الوزن، وبالتالي تقليل الأمراض والالتهابات المرتبطة بها، والتي تؤثّر مباشرةً في عمر الإنسان.
تقييد السعرات الحرارية وعلاقته الوثيقة بإطالة العمر الافتراضي
بدايةً، لفهم ما يفعله تقييد السعرات الحرارية، سنوضح ماذا يحدث في جسم الإنسان كلّما تقدّم به العمر. مع التقدم بالعمر، يضعف الجهاز المناعيّ للإنسان، وتقلّ معه القدرة على مقاومة الأمراض والالتهابات، ويصبح مهيّئاً للإصابة بأنواع معينة من السرطان، بمرور السنوات. يعود ذلك لتقلّص الغدة الزعترية المسؤولة عن إنشاء خلايا المناعة (الخلايا التائية)، فتصبح دهنيةً في معظمها وتفقد قسماً كبيراً من وظائفها بحلول عمر الـ 70. وفي تجربةٍ مهمةٍ استنتج العلماء قدرة هذا العضو على التجدّد، واستعادة قسمٍ كبيرٍ من وظائفه؛ من خلال تقييد السعرات الحرارية المتناولة، حيث أنتج الجسم المزيد من خلايا المناعة (التائية).
لا يقتصر دور الخلايا التائية على تعزيز مناعة الجسم فحسب، بل تساعد أيضاً بتزويد الجسم بالطاقة من خلال حرق مخازن الأحماض الدهنية، وبالتالي منع تحوّلها إلى دهونٍ متراكمةٍ على الأعضاء، وهو ما يرتبط بشكلٍ وثيقٍ بأمراض الشيخوخة والسكري من النوع 2، ومقاومة الأنسولين، بالإضافة إلى انخفاض معدلات التمثيل الغذائي ليلاً. من هنا استنتج العلماء الدور المهم الذي يلعبه تقييد السعرات الحرارية في الحماية من السمنة والأمراض، وإضافة المزيد من السنوات إلى العمر الافتراضي.
اقرأ أيضاً: الحقيقة حول حساب السعرات الحرارية
تقييد السعرات المرتبط بالجينات
إكسير الحياة، هذا ما قد يراه البعض في الدواء المتحكّم بكمية الطعام التي يتناولها الإنسان. مؤخّراً، نُشرت دراسة في دورية ساينس العلمية، أجراها فريق علماء من كلية الطب في جامعة ييل الأميركية، لتوضيح أهمية تقييد السعرات الحرارية على حياة الإنسان. أُطلق على التجربة اسم «كاليري» (CALERIE) اختصاراً للتقييم الشامل للتأثيرات طويلة المدى لتقليل تناول الطاقة. في التجربة، قسّم العلماء 200 فرداً مشاركاً إلى مجموعتين؛ تناولت الأولى الكمية المعتادة من الطعام، في حين قللت المجموعة الثانية من استهلاكها للسّعرات الحرارية بنسبة 14%.
وعلى مدى العامين التاليين، حلّل العلماء الآثار الصحية طويلة المدى لتقييد السعرات الحرارية، فلاحظوا بفحص الرنين المغناطيسي للغدة الزعترية، في المجموعة التي قلّلت نسبة السعرات الحرارية، أنها احتوت على دهونٍ أقل وحجمٍ وظيفيٍّ أكبر. كما وجدوا تغييراتٍ جينية في النسيج الدهني للفئة ذاتها. وبالتالي استنتجوا دور الجينات في إطالة عمر الحيوانات المشاركة في دراسات سابقة.
أحد الجينات التي لاحظ العلماء تثبطها خلال تجارب تقييد السعرات الحرارية هو الجين الخاص بالبروتين PLA2G7؛ وهو بروتين تنتجه الخلايا المناعية. وفي محاكاة لتقييد السعرات الحرارية في البشر، قلّل العلماء من البروتين PLA2G7 في فئران التجارب، ما نتج عنه تأثيرات مشابهة لما حدث في تقييد السعرات الحرارية لدى البشر. فأشار ذلك إلى وجود ارتباط بين البروتين وتأثيرات تقييد السعرات الحرارية.
عبر استهداف هذا البروتين بدواءٍ محددٍ يمكن الحدّ من السعرات الحرارية جينيّاً، وبالتالي إيقاف زيادة الوزن. على وجه التحديد، حافظت الغدة الزعترية على نشاطها الوظيفي في تصنيع الخلايا التائية، فقلّت الالتهابات والأمراض المرتبطة بها، ما أطال من العمر الافتراضي للإنسان.
من خلال التحكم بالجين الخاص ببروتين (PLA2G7)، يمكن الحصول على الفوائد دون تقييدٍ صارمٍ للسّعرات الحرارية. ولكن إلى حين تصنيع الدواء الآمن والمتحكم في هذا الجين، يبقى إتباع النظام الغذائي الصحي، أكثر الطرق المتاحة أماناً وفعاليةً في الحصول على صحة أفضل.
اقرأ أيضاً: لماذا لا يمكننا الوثوق بأرقام السعرات الحرارية على ملصقات الأغذية؟
إتباع نظام غذائي صحي، وتأثير خياراتنا في إطالة العمر الافتراضي
لإضافة أكثر من عقدٍ من الزمن إلى عمرنا، يجب التحوّل إلى النظام الغذائي المحسّن، والمتضمن مزيداً من الحبوب والبقوليات والمكسرات، وكميةً أقل من اللحوم الحمراء والمعالجة. هذا ما استنتجه الباحثون في دراسة حديثة أجراها (لارس فادنيس) وزملاؤه في جامعة بيرغن في النرويج، مطورين أداة لتقدير عدد السنوات التي قد يكتسبها الفرد من خلال تغيير عاداته وأنماطه الغذائية.
فيما يخصّ كبار السن، لم تستثنهم الدراسة بالمطلق من الفوائد المكتسبة، ولكنها حددتهم كأقلّ الفئات استفادةً من التغييرات الغذائية. لذلك ستكون النتائج أكبر كلّما بدأت التغييرات في وقتٍ أبكر من الحياة.
ومما نصح به الباحثون للوصول إلى نظامٍ غذائيٍّ صحيٍّ وقليل السعرات الحرارية، ما يلي:
- تتبع عادات الغذاء الحالية: ربما تسليط الضوء على أهم أخطاء ممارساتنا الغذائية البداية المثالية لتغيير نظامنا الغذائي. لذلك تقول أخصائية التغذية (كاثلين زيلمان): "اكتب كل ما تأكله ليوم واحد، وقم بتضمين التفاصيل مثل الوقت والموقع والعوامل الأخرى التي تؤثر على عاداتك الغذائية".
- وضع خطة نموذجية: استبدل مخزونك بالمؤن الغذائية الصحية التي ستحتاجها في كل الأماكن المحتمل وجودك فيها.
- تقليل السكريات في وجبة الفطور للحفاظ على مستوى ثابت له في الدم على مدار اليوم، للمحافظة على الطاقة والنشاط.
- تقليل عدد وجبات اللحوم الحمراء: وفقاً للدراسة، تتربع النباتات على عرش النظام الغذائي الصحي، كالعدس والفاصولياء والحبوب الكاملة. وتساعد الأغذية النباتية على التحرير التدريجي والبطيء للسكريات في الدم، فتحافظ على مستوى ثابت من الطاقة.
- ممارسة التمارين الرياضية، والنوم الكافي، يساعد في تنظيم التمثيل الغذائي في الجسم، ومنع تراكم السعرات الحرارية.
ختاماً، يقول خبير التغذية (ديفيد سينكلير) حول مكافحة الشيخوخة وإطالة العمر: "إذا لم تجعلك قيود السعرات الحرارية تعيش لفترة أطول، فستمنحك بالتأكيد شعوراً بهذا". فعلى مدى قرنٍ من الزمن، وفي أبحاثٍ متواصلةٍ، توصّل العلماء لوجود علاقة وثيقة بين النظام الغذائي الصحي، وتقييد السعرات الحرارية، وتأثيرها على صحتنا العامة، والقدرة على إضافة المزيد من السنوات إلى عمر الإنسان. لذلك ربما ستعيد التفكير في المرة القادمة التي ستتناول بها وجبة دسمةً من الهمبرغر.