حتى لا تؤذِ عضلاتك: أهم الممارسات المفيدة والضارة في تعافي العضلات

8 دقائق
تمارين الإحماء وتعافي العضلات
Shutterstock.com/baranq

 

تأتي أصعب مرحلة من التدريبات غالباً بعد ممارسة التمارين. سواء في اليوم الذي يلي ممارسة الجري أو بعد جلسة مكثفة لحمل الأوزان، يعاني أغلب الناس من الآلام المرتبطة بإجهاد العضلات. يسمي الأطباء هذه الظاهرة باسم «ألم العضلات»، وهي السبب وراء لجوء الكثيرين للعديد من التقنيات المختلفة التي قيل أنها تخفف الألم وتسرّع عملية تعافي  العضلات.

أصبحت طرق مثل الوسادات الاسطوانية والجوارب الطويلة الضاغطة، والاستحمام بالجليد شائعة بين الرياضيين على مختلف اختصاصاتهم. ولكن هذه الطرق ليست سحرية كما نتوقع غالباً.

إن سبب آلام العضلات بالأساس له علاقة بما يحدث داخل عضلاتنا أثناء ممارسة التدريبات: فهي تسبب مقداراً ضئيلاً من التلف للألياف العضلية نفسها. هذا أمر طبيعي وهو جزء من عملية بناء العضلات. يستطيع الأطباء المعالجون الفيزيائيون وحتى الرياضيين أيضاً أن يختبروا هذا عن طريق قياس ما يدعى بـ «مقدار إنتاج القوة»، وهو عدد المرات التي تستطيع فيها أداء نشاط معين أو رفع وزن ما. مقارنة هذا المقدار عند ممارسة التمارين وبعدها بـ 24 إلى 48 ساعة يعطيك لمحة عن مدى تلف العضلات. كلما كان إنتاج القوة بعد التمارين أقل مقارنة بنظيره خلال ممارستها، كان تلف العضلات أشد.

ووفقاً لـ «نيكول دابز»، عالمة الحركة في جامعة ولاية كاليفورنيا، سان بيرناردو: «يسبب تلف العضلات بعض الألم، ولكن الإثنين ليسا مرتبطين بشكلٍ خطي». إن مستوى الألم الذي يعاني منه شخص ما بعد التدريب لا يرتبط دائماً بشكلٍ مباشر بمقدار التلف. يعود ذلك إلى أن الألم هو مقياس محسوس لتلف العضلات، وهو نسبي للغاية. أي يمكن أن تسبب مستويات متماثلة من تلف العضلات عند شخصين مختلفين آلاماً بليغة عن أحدهم، وآلاماً أخف بكثير عند الآخر.

ولكن الألم، وليس التلف الحقيقي للعضلات، هو الذي يدفع الأشخاص ليجربوا طرق تعافي العضلات سابقة الذكر. بالحقيقة، تقول دابز أنه على الأرجح لم تكن لتوجد هذه التنويعات المختلفة من الطرق العلاجية لو لم يكن عامل الألم موجوداً. مع ذلك، تشير دابز إلى أن «الألم عامل مهم»، بغض النظر عن مقدار تلف الألياف العضلية، والأشخاص الذين يعانون منه لن يستطيعوا أن يمارسوا التمرين بشكل مكثف كما كانوا يفعلون من قبل حتى يختفي هذا الألم.

هناك العديد من الناس الراضين لكل واحدة من طرق التعافي، ولكن الدراسات التي تبحث فيما إذا كانت هذه الطرق نافعة فعلاً هي أقل شيوعاً.

تقول دابز: «عادة ما نرغب بأن يكون الموضوع بسيطاً كأن نستطيع أن نقول أن الوسادات الاسطوانية مثلاً تنفع الجميع، لكن أعتقد أنه من الصعب بالنسبة للناس، ومن ضمنهم الباحثين، أن يفهموا أنه لا يوجد طريقة واحدة مثالية بالنسبة للجميع»، ما يمكن أن يفيد شخص ما، كما تضيف دابز، قد لا يفيد الآخر بسبب عوامل مثل ظروف التمرين، ونسبة الألياف العضلية سريعة الانقباض إلى الألياف بطيئة الانقباض، والجنس، ونوع التدريبات وغيرها. بالإضافة إلى ذلك فإن المستهلكين يقيّمون المنتَج عادة بناءً على مستويات آلامهم بعد استخدامه، وليس على الأدلة العلمية التي تثبت تعافي العضلات.

لذلك، إليكم بما يقوله العلم عما إذا كانت هذه الطرق العلاجية تنفع بالفعل.

حمام الجليد وتعافي العضلات

أخذت «بولا رادكليف»، وهي صاحبة الرقم القياسي العالمي في ماراثون النساء، حماماً جليدياً لمدة 10 دقائق بعد فوزها في ماراثون لندن في 2003. وبعد أن صرحت بسباحتها في المياه القطبية لوسط الأخبار، أصبح هذا الطقس العلاجي الرائج أكثر شيوعاً ومحط ثقة للرياضيين على مختلف اختصاصاتهم حول العالم.

بسبب رواج هذه الطريقة وربما بساطتها، يعتبر حمام الجليد واحداً من أكثر أساليب تعافي العضلات المدروسة. تكمن الفكرة في أن التعرض لدرجات حرارة منخفضة للغاية بشكل مطول يخفف التورّم الذي يترافق مع تلف العضلات. (أغلب المرات، يكون التورم خفيفاً لدرجة أنه لا يُلاحظ بالنسبة لشخص يتدرب يومياً). مع ذلك، تشير دابز، كما وتشير عدة دراسات حديثة، إلى أن انخفاض التورم قد يعيق عملية التعافي لأنه ضروري بالنسبة لشفاء العضلات واستعادة قوتها.

بالنسبة لما إذا كانت هذه الطريقة تخفف الآلام أم لا، فتبين بعض الدراسات أنها تفعل ذلك، ويبين بعضها الآخر العكس. عموماً، يبدو أن حمام الجليد يخفف بالفعل من الآلام المترافقة مع التمرين، ولكن مقدار التخفيف قد لا يكون أفضل من أثر الدواء الوهمي.

في إحدى الدراسات، طلب الباحثون من مجموعة من الرجال «النشطين استجمامياً» أن يركبوا الدراجات الهوائية لمدة قصيرة، ثم أخضعوهم لواحد من 3 علاجات: حمام جليدي، حمام دافئ (لتشكيل مجموعة مرجعية)، وحمام مع منظف جلدي عادي قيل للمشاركين أنه نوع جديد من «الزيوت العلاجية». حصل أفراد المجموعة الأخيرة أيضاً على كتيب يشرح الأدلة المزعومة التي تدعم منافع هذا الزيت حتى يدفعوهم ليعتقدوا بأنه سينفع.

قبل البدء بالعلاج، كان أفراد مجموعة حمام الجليد ومجموعة الدواء الوهمي الخاصة بـ «الزيت العلاجي» مقتنعين بدرجات متقاربة، بعد سؤالهم، بموثوقية الطرق العلاجية التي كانوا على وشك الحصول عليها. وإذا لم يكونوا مقتنعين من البداية، فسيؤثر هذا على نظرتهم للطرق في النهاية. بلّغ أفراد المجموعتين السابقتين عن تحسن متشابه فاق ذلك الذي بلغ عنه أفراد مجموعة الحمام الدافئ، وهي المجموعة المرجعية. للمقارنة، حصل أفراد مجموعتي الحمام الدافئ والعلاج الوهمي على نفس النتائج تماماً.

تقول دابز أنه قد يكون هناك منفعة من أخذ حمام جليدي بعد التمرين في بعض المراحل المعينة من التمرين. إنه لمن الجيد استخدام هذه الطريقة إذا خففت الآلام التي تحس بها بالفعل، وإذا لم تكن بحاجة إلى التعافي بسرعة. على سبيل المثال، إذا ستخوض سباقاً أو تخضع لجلسة تدريب قاسية في الفترة القادمة. مع ذلك، من المرجح أن الاستحمام بالجليد قبيل تدريب مكثّف أو مسابقة ما ليس فكرة سديدة. وبالنسبة لهذه الفكرة فنتائج الأبحاث واضحة أكثر: انخفاض درجة حرارة العضلات يؤثر على الأداء، والعضلات الأكثر دفئاً تؤدي بشكل أفضل دائماً (ولهذا نقوم بالإحماء بالأساس).

إذا كان هذا هو الحال وإن كنت لا تتحمل البرد، يمكنك القيام بحمام جليدي لتجربة الأثر الوهمي على الأقل.

تعافي العضلات بالتبريد

العلاج بالتبريد -الذي يدخل ضمنه الشخص إلى غرفة درجة حرارتها أدنى من الصفر لمدة لا تتجاوز عدة دقائق-، هو ببساطة حمام جليدي محدّث. الفرق الرئيسي بين الاثنين هو في طريقة تعريض الجسم للبرودة. الماء يستطيع تخزين كمية أكبر من الحرارة لفترات أطول مقارنة بالهواء، مما يجعله قادراً على تبريدك أكثر. وجدت دراسة قارنت بين العلاجين -الحمام الجليدي التقليدي والعلاج بالتبريد لكامل الجسم- أن نقع الجسم بالماء المثلّج يخفض التروية الدموية ودرجة حرارة الأنسجة أكثر من العلاج بالتبريد. ما هو تأثير ذلك على عضلاتك هو سؤال مختلف، ويخضع لجميع النتائج المتناقضة مثل الحمام الجليدي القياسي. مع ذلك، يكلّف طقس السباحة في المياه القطبية أقل بكثير من العلاج بالتبريد، وذلك يعتمد على الموقع الذي تتم السباحة فيه، بينما دخول غرفة العلاج بالتبريد قد يكلف حوالي 75 دولاراً للزيارة الواحدة.

الوسادات الاسطوانية

تعتبر الوسادات الاسطوانية المصنوعة من مادة الفوم المضغوط أحد العناصر الأساسية في العديد برامج التدريب الخاصة بالرياضيين. تعمل هذه الوسادات عن طريق آلية تدعى العلاج بتحرير اللفافة العضلية الذاتي، وهو يحدث عندما تلين طبقة الأنسجة التي تغلف العضلات. في بعض الحالات، يمكن أن ينتج تورم العضلات عن تشنج الأنسجة الرابطة، والضغط عليها يهدف لتخفيف هذا التشنج. يعتقد أن هذا يحسن مجال حركة المفاصل ويخفف ألم العضلات (دي أو إم إس).

وفقاً لدابز، لسوء الحظ، ليس من الواضح فيما إذا كانت الآلية سابقة الذكر تحسن الأداء الرياضي فعلاً، أو تعافي العضلات أم لا. معظم الدراسات على الوسادات الاسطوانية لا تبين أي منفعة لها على الأداء خلال عملية التعافي

تحتوي الوسادات الاسطوانية الحديثة مكونات هزازة، والهدف منها هو المزج بين الضغط والمنافع الناتجان عن التدليك، وميزات تكنولوجيا الاهتزاز. وجدت دراسة حديثة أن الوسادات الاسطوانية المهتزة زادت من قدرة المشاركين على تحمل الألم. بينما لم تجد دراسات أخرى أي فرق بين الوسادات المهتزة والعادية. مع ذلك، لم تظهر الوسادات المهتزة إلا قبل سنتين، وقد لا تكون هناك دراسات معمقة تكفي لحسم الموضوع.

الجوارب الطويلة الضاغطة

تصنيع الألبسة الضاغطة للرياضيين هو صناعة تقدر بمليارات الدولارات، وارتدائها أصبح تقريباً إشارة على المكانة: إذا كنت بحاجة لها، فعلى الأرجح أنك تمارس التدريبات المكثفة. ولكن مثل الطرق العلاجية الأخرى، فالأبحاث حول جدواها ليست حاسمة.

استخدمت الجوارب الطويلة الضاغطة تقليدياً لأهداف طبية لمساعدة الأشخاص الذين يعانون من مشاكل في جهاز الدوران. عند ارتدائها، فإنها تخلق ضغطاً متدرجاً ينخفض ابتداءا من الجزء القاصي (الأبعد عن الجسم) من الرجل أو الذراع باتجاه الجزء الداني (الداخلي). هذا يزيد التروية الدموية عبر الأوردة ويخفف التورم. تبين الأبحاث أن ارتداء هذه الجوارب مفيد للناس الذين يعانون من مشاكل في جهاز الدوران والأصحاء على حدٍ سواء.

بالنسبة للرياضيين، تكمن الفكرة في أن زيادة التروية الدموية تزيد من معدل تنقية الدم من اللاكتات وكيناز الكرياتين، كلاهما يفرزان من العضلات إلى مجرى الدم بعد التمرينات العنيفة، ويعتبران من مؤشرات التلف العضلي.

مع ذلك، البيانات التي تدعم الادعاءات السابقة ليس وافرة. في أحسن الأحوال، تبين بعض الدراسات أن الجوارب الضاغطة فعالة بقدر أي طريقة علاجية أخرى تُذكر في هذا المقال، وفعاليتها هذه ضئيلة. في أسوأ الأحوال، تبين الأبحاث أن الجوارب هذه لا تقدم أي فوائد على الإطلاق. إحدى المشاكل، والتي ذكرت في مقال مراجعة من سنة 2010 ألفته الفيزيولوجية الأسترالية «شونا هالسون»، هي أن العديد من الدراسات على الجوارب الطويلة الضاغطة لا تقيس القوة الضاغطة، ولذلك فمن المستحيل التأكد مما إذا كانت تزيد التروية الدموية بمقدار مناسب.

قد يكون من الأفضل لك أن تجرب طرقاً علاجية أخرى، ولكن إذا قررت أن تجرب الملابس الضاغطة، فالوقت الأفضل لذلك هو بعد التمرين، وليس خلاله. تشير بعض الدراسات أيضاً أنه كلما لبستها لفترة أطول، كان ذلك أفضل. تعمد شراء الجوارب الطويلة أو الجوارب التي تغطي أسفل الأرجل بدلاً من الجوارب القصيرة.

تمدد العضلات

إذا كنت تتذكّر صفوف التعليم الجسدي، فقد تتذكر الجلوس في دائرة ومط كل منطقة من الجسم على حدى. ولكن على الأقل خلال العقد الأخير، وجد الباحثون أدلة مقنعة أن هذه العملية، والتي تدعى التمدد الساكن، ليست مفيدة فعلاً في إحماء عضلاتك. والأفضل من ذلك بكثير هو عملية تدعى التمدد الديناميكي، والذي يتضمن الحركة وإشراك أكثر من مجموعة عضلية بنفس الوقت.

يزيد التمدد الديناميكي التروية الدموية ويحمّي العضلات، وهما شيئان حاسمان للأداء الرياضي. بينما التمدد الساكن لا يفعل ذلك. لكن هذا لا يعني أنه ليس مهم. فوفقاً لدابز، هذه الممارسات تزيد مجال حركة المفاصل التي تصل بين العضلات. وهي حاسمة في أداء طيف من الحركات اليومية والرياضية مثل حمل الأوزان، الجري، والنشاطات اليومية.

إذاً، فالتمدد يبقى ضرورياً، ولكن تذكر: التمدد الديناميكي يأتي قبل التمرين، التمدد الساكن بعده.

اقرأ أيضاً: لماذا نحتاج إلى أداء تمارين التمدُّد عند ممارسة الرياضة؟

التدليك وتعافي العضلات

مثل الطرق العلاجية الأخرى، هناك العديد من الأدلة المتضاربة حول التدليك، والذي يعمل من خلال تخفيف التوتر في الأنسجة الرابطة. عموماً، التدليك مفيد فعلاً. ولكن المشكلة الأساسية، حسب دابز، هي فيما إذا كان الناس قادرين على استخدامه بشكل عملي منتظم كآلية علاجية. يقوم المحترفون عادة بإجراء التدليك، وهم المعالجون الفيزيائيون الذين يعرفون كيفية أدائه بشكل سليم. تقول دابز: «حتى ولو كان التدليك مفيداً، معظم الأشخاص لا يملكون ما يكفي من المال والوقت له»، ولكن مع ذلك، كما تضيف دابز: «هناك بعض المنافع السريرية للتدليك الذي يتم ضمن سياق إعادة التأهيل».

الأدوية مسكنة الآلام

هناك كمية أكبر من الأدلة الرصينة على كفاءة الأدوية من أي طريقة علاجية أخرى، ولكن مع ذلك، يجب أن تكون الأدوية هي الملجأ الأخير. في حين أن الأدوية مثل مضادات الالتهابات اللاستيرويدية، مثل الأسبرين والإيبوبروفين فعالة في تخفيف الآلام، إلا أن لها سلبيات. تبين العديد من الدراسات الحديثة أن هذه الأدوية تثبّط عملية تعافي العضلات الطبيعية. وتشير بعض هذه الأبحاث أن هذه الأدوية تثبط توالد مجموعة من الخلايا العضلية الجذعية التي تعرف باسم الخلايا الساتلة، والتي تلعب دوراً حاسماً في ترميم العضلات. لذلك تقول دابز أنه إذا كنت قادراً على تحمل الألم، فمن الأفضل على الأرجح ألا تتناول الأدوية. ولكن، بالتأكيد هناك توقيت مناسب لتناولها. تقول دابز: «إذا كنت تعاني من ألم لا يمكن تحمله (بما أنك لا تزال بحاجة للتحرك)»، فإن المنافع تفوق المساوئ على الأرجح. وتضيف: «ولكن اعلم أنها قد تعيق عملية التعافي».

الطريقة التي ينساها معظم الناس: النوم

معظم الأميركيين، والرياضيين، وهؤلاء الذين يمارسون التمارين يومياً لا يحصلون على كمية كافية من النوم. يحتاج البشر وسطياً إلى حوالي 8 ساعات من النوم. بينما يحتاج الرياضيون المحترفون والرياضيون الذين يمارسون رياضات التحمل إلى حوالي 9 أو 10 ساعات. في السنوات الأخيرة، أجريت العديد من الدراسات في آثار النوم على تعافي العضلات وأداء الرياضيين.

وعلى الرغم من أن العلماء لم يكتشفوا بعد الآليات الدقيقة التي يؤثر فيها النوم السليم على تعافي العضلات، إلا أنهم يعلمون أن النوم يلعب دوراً حاسماً في أداء كل أجهزة الجسم تقريباً. وإذا كنت مستعداً لتكبد كل هذا العناء وصرف الأموال على كل الطرق العلاجية الأخرى، فيجب عليك على الأقل أن تتأكد من أن تحصل على كمية كافية من النوم الليلي أيضاً.

المحتوى محمي