حساب السعرات الحرارية الداخلة، والسعرات الحرارية الخارجة، تعد بمثابة عقيدة عندما يتعلّق الأمر بالحميات الغذائية. إذا تناولت كمية سعرات حرارية أكبر من تلك التي تحرقها، فسيزيد وزنك، بينما إذا تناولت كميةً أقل من التي تحرقها، فستخسر الوزن. إيجاد الطرق للكشف عن توازن السعرات الحرارية أسهل الآن من أي وقت سابق، تحتوي مئات التطبيقات التي تتتبّع الأنظمة الغذائية -من «ماي فتنس بال» إلى «ليف سترونغ»- على قواعد بيانات تتضمن معلومات غذائية عن آلاف أنواع الأطعمة، ما عليك إلا أن تضع سنّك وأبعاد جسمك وجنسك، وستخبرك هذه التطبيقات -حسب ما يدّعي مطوروها- ما هي كمية السعرات الحرارية التي تحتاجها بالضبط لخسارة الوزن، أو تحافظ على ثباته؛ ولكن هل الأمر حقاً بهذه البساطة؟
وفقاً للخبراء؛ الجواب هو لا على الأرجح. في حين أن المراقبة المتّسقة للنظام الغذائي يمكن أن تساعد البعض على فقدان الوزن (الحفاظ على فقدان الوزن هو أمر مختلف)؛ إلّا أن تتبّع مدخول السعرات الحرارية ليس بالدقة التي يبدو عليها. في الواقع؛ إن عدد السعرات الحرارية التي تتناولها يومياً لا يرتبط دائماً بكمية الطاقة التي تستهلكها وتحرقها أجسامنا.
تقول «سوزان فورتوبا»؛ باحثة في التغذية في المعهد الوطني لمرض السكري وأمراض الكلى الهضمية: «لا يجب أن يعتمد الأشخاص على حساب السعرات الحرارية كمرجع عندما يتعلق الأمر بمدخول الطعام واستهلاكه».
ما هي السعرات الحرارية؟
في أواخر القرن التاسع عشر، عمد عالم الكيمياء الأميركي «ويلبر أولن أتواتر»، إلى قياس كمية الطاقة التي نُدخلها إلى أجسامنا عن طريق تفجير الأطعمة حرفياً. استخدم أتواتر جهازاً يدعى «مقياس السعرات الحرارية المتفجّر»؛ وهو وعاء محكم الإغلاق، يوضع في كمية معروفة من الماء، ويقيس كمية الحرارة الناتجة خلال تفاعل كيميائي ما، وضع أتواتر الطعام داخل الوعاء، وقام بتمرير تيار كهربائي عبره؛ مما كان يتسبب بتفجير الطعام.
كلما زادت كمية الطاقة في الطعام، يزيد معدّل تسخينه للماء المحيط، والسعرة الحرارية هي وحدة الطاقة التي نحتاجها لرفع درجة حرارة ميلليلتر واحد من الماء بمقدار درجة مئوية واحدة. السعرات الحرارية التي تراها على ملصقات المنتجات الغذائية هي بالحقيقة الـ «كيلو كالوري»؛ أو السعرة الألفية -أي 1000 سعرة حرارية-؛ وهي الطاقة التي نحتاجها لرفع درجة حرارة لتر واحد من الماء بمقدار درجة مئوية واحدة.
أجسامنا لا تستهلك كل كمية الطعام التي نتناولها، لذا؛ جمع أتواتر أيضاً براز وبول المشاركين وفجّرهما أيضاً. بناءً على الفرق في كمية الطاقة بين كمية الطعام التي تناولها وأخرجها المشاركون؛ استنتج أتواتر أن كل غرام واحد من الدسم يحتوي على 9 سعرات حرارية، وكل غرام من الكربوهيدرات يحتوي على 4 سعرات حرارية، وكل غرام من البروتين يحتوي على 4 سعرات حرارية؛ هذا هو النظام الذي نستخدمه اليوم؛ لكن الفرق هو أننا نادراً ما نفجّر الطعام.
لكن للأسف؛ فالبشر ليسوا مقاييس سعرات حرارية متفجّرة، كما أن الأطعمة ليست كلها متماثلة. وفقاً لـ «ديفيد بير»؛ باحث في الفيزيولوجيا في وزارة الزراعة الأميركية، فإن نظام أتواتر كان دقيقاً للغاية بالنسبة لأنواع الأطعمة التي درسها؛ ولكنه لم يُطوَّر ليُطبَّق على كل أنواع الأطعمة التي نتناولها اليوم. يقول بير: «إذا طبّقناه على بعض أنواع الأطعمة، فسينهار نظام أتواتر نوعاً ما».
وفقاً لـ «بيتر إيلس»؛ عالم كيمياء حيوية في جامعة «كينغز كوليدج لندن»: «لنكن دقيقين أكثر؛ نظام أتواتر لا يخبرنا بما يحدث لأنواع الطعام المختلفة عند مرورها بالجهاز الهضمي، وكيف يمتص جسمنا المغذّيات»، ويضيف: «نعلم منذ زمن أن هناك تنوّعاً كبيراً في طرق هضم الطعام».
اقرأ أيضاً: لماذا لا يمكننا الوثوق بأرقام السعرات الحرارية على ملصقات الأغذية؟
ليست كل الأطعمة متساوية
خذ المكسّرات على سبيل المثال؛ هي غنية بالدسم، ووفقاً لنظام أتواتر؛ إذا أدخلت بضعة حفنات منها إلى بيانات تطبيق تتبّع الحمية، فهذا سيؤثّر بشكلٍ كبير على كمية السعرات التي يجب أن تتناولها يومياً؛ لكن الأبحاث تشير إلى أنه ليست كل تلك السعرات متوفّرةً بالنسبة لنا. وفقاً لإيلس، فإن جزيئات الدسم في المكسرات مغلّفة بجدران خلوية، وتتألف هذه الأخيرة من ألياف لا يمكننا هضمها.
اتّضح أيضاً أن جهازنا الهضمي ليس ذو كفاءة عالية في تفكيك جدران هذه الخلايا لاستخراج الدسم، ولاختبار هذا الموضوع؛ طلب إليس وزملاؤه من مجموعة من المشاركين في دراسة، اتّباع حمية غنية باللوز، وتحتوي على كمية قليلة من أنواع أخرى من الأطعمة، ثم جمع الباحثون وحللوا براز المشاركين، وقد جد بحثهم -الذي نُشر في دورية «ذا أميريكان جورنال أوف كلينيكال نيوتريشن»- أن كميةً كبيرةً من اللوز مرّت عبر الجهاز الهضمي دون أن تتأثر، وظلّت تحتوي على جزيئات الدسم فيها.
أجرى العلماء في وزارة الزراعة الأميركية، تجربةً مشابهةً على الكاجو، وقارنوا فيها بين الطاقة الموجودة في المكسّرات التي تناولها المشاركون، والطاقة التي أخرجوها، وبيّنت نتائج بحثهم -الذي نُشر في دورية «نيوترينتس»- أن المشاركين قد امتصّوا مقداراً أقل من الطاقة من الكاجو مقارنةً بما يتنبّأ به نظام أتواتر، وبلغ هذا المقدار 137 سعرة حرارية وسطياً، بينما المقدار الذي تنبّا به نظام أتواتر هو 157 سعرة حرارية.
يقول إيلس: «الفكرة القائلة بأن كل الأطعمة تُهضم بنفس الطريقة هي خاطئة حتماً»؛ وهذا الأمر لا يقتصر فقط على المكسّرات. وجد إيلس أن جسم الإنسان ليس ذو كفاءة عالية في استخراج النشاء والسكّريات الموجودة في الفاصولياء وغيرها من النباتات، وبشكلٍ مشابه للمكسرات، فالجزيئات الغنية بالطاقة الموجودة فيها تكون مخبّأةً داخل جدران خلوية ليفية، لذا يجب علينا الأخذ بعين الاعتبار تأثير الطبخ على الأطعمة؛ وهو عامل لم يُؤخذ بعين الاعتبار في نظام أتواتر. الطاقة التي تحصل عليها من وجبة مطبوخة تكون أعلى عادةً من مجموع طاقات مكوّناتها قبل الطبخ، لأن معالجة الأطعمة تجعل المغذّيات الكبيرة (النشاء، الدُّسم، والبروتينات) سهلة المنال أكثر بالنسبة لأجسامنا.
أخيراً؛ هناك عامل التباين بين الأفراد؛ إذ أن البشر ليسوا كلهم بنفس الكفاءة في تحصيل الطاقة من الطعام. وفقاً لـ «كاثلين ميلانسن»؛ أستاذ في التغذية في جامعة «رود آيلاند»، هذه الفروق يمكن أن تعود بشكلٍ أساسي إلى الميكروبات المعوية، تساعدنا بعض الميكروبات في استخلاص كمية أكبر من الطاقة من الأطعمة، بينما تسرق ميكروبات أخرى الطاقة لتستفيد منها. إن توازن الميكروبات المعوية في أجسامنا، يساعد في حساب السعرات الحرارية وتحديد الكمية التي نستهلكها.
وفقاً لميلانسن، فالفرق بين 137 و 157 سعرةً حراريةً في حصّة واحدة من الكاجو قد لا يبدو كبيراً؛ ولكنه كافٍ لإحداث فرق في دقّة تطبيق خاص بتتبّع الحمية. تقول ميلانسن: «لا يمكنك الوثوق بأن هذه التطبيقات ستعطيك الجواب الصحيح دائماً». الفروق التي تبلغ نسبتها 10 إلى 20%، يمكن أن تتراكم لتقابل مئات السعرات الحرارية مع الوقت. مع ذلك -وفقاً لميلانسن-، فالأخطاء التي يرتكبها الأشخاص أنفسهم؛ أي التتبّع الخاطئ لكميات الطعام، أو عدم تتبّع بعض المكوّنات، هي بالتأكيد مصدر كبير لعدم الدقّة. البشر ليسوا ماهرين في تقدير كمية الطعام التي تناولوها أصلاً؛ وهذا بغض النظر حتى عن دقة نظام أتواتر.
هل حساب السعرات الحرارية أمرٌ يستحق العناء؟
نظراً لوجود العديد من مصادر الخطأ المحتملة؛ ووفقاً لـ «بروك تومبكينز نيزامي»؛ عالمة في التغذية السلوكية في جامعة كارولينا الشمالية في مدينة تشابل هيل، فإن حساب السعرات الحرارية ومراقبة مدخولك من الطعام يمكن أن يمثّل خطوةً هامةً في تطوير عادات أكل صحية، وحتى فقدان الوزن إذا كان هذا هدفك. وجدت دراسة أُجريت في 2013 ونُشرت في دورية «ذا إنترناشونال جورنال أوف بيهيفيورال نيوتريشن آند فيزيكال أكتيفيتي»، أن الأفراد الذين تتبعوا حمياتهم لمدة 8 أسابيع، تناولوا حصّتين إضافيتيّن من الخضار يومياً مقارنةً بالوقت الذي بدأت الدراسة فيه.
تفيد نيزامي بأن الاتّساق هو عامل تنبّؤ بالنجاح أفضل من الدقّة، بكلمات أخرى؛ الأشخاص الذين يستفيدون من هذه التطبيقات لا يلتزمون بكمية السعرات الحرارية اليومية بدقّة تامة؛ بل إنّهم يراقبون مدخولهم بحذر فقط.
وفقاً لنيزامي؛ إن تتبّع كمية السعرات الحرارية قد لا يكون أمراً مهمّاً، يستفيد الأشخاص من كتابة قائمة بالأطعمة التي تناولوها دون التطرّق للسعرات الحرارية، وبالنسبة للبعض؛ قد يكون هذا النظام مفيداً أكثر حتى. تقول نيزامي: «تتبّع السعرات الحرارية يستهلك الوقت، ويمكن أن يشكّل عبئاً بالنسبة للبعض؛ وهذا أحد الأسباب الذي دفعتنا لإيجاد طرق تعقّب بديلة من المحتمَل أن تكون أبسط». تتضمن إحدى هذه الطرق تصنيف الأطعمة في 3 فئات (الأطعمة الخضراء، الصفراء، والحمراء)؛ وذلك بناءً على كمية السعرات الموجودة فيها، ثم تتبع كمية الأطعمة «الحمراء» أو مرتفعة السعرات التي تتناولها.
وفقاً لفورتوبا، فالخلاصة هي: إذا كان تتبّع السعرات الحرارية مفيداً بالنسبة لك، فلا ضير في استخدامه؛ ولكن ليس هناك حاجة للقلق كثيراً حول ما إذا كنت تصل لأهدافك اليومية كل يوم أم لا. تقول فورتوبا: «إذا كان الأشخاص يرغبون في استخدام هذه التطبيقات، أعتقد أنه لا توجد مشكلة في ذلك، وقد يكون مفيداً؛ ولكن إذا أصبحت مهووساً بهذه التطبيقات، فلن يكون ذلك أمراً يستحق العناء، لأنها تعطيك أرقاماً قد لا تكون دقيقة».
هذا المقال محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً