لصيام شهر رمضان العديد من الفوائد الصحية عندما يُمارَس بأسلوب صحيح. ومع ذلك، يمكن عكس هذه التغيرات الإيجابية بعد الشهر الفضيل بالعودة للروتين الغذائي ما قبل رمضان ما لم تُتبع بعض النصائح والاستراتيجيات. فما الطريقة الأنسب للعودة إلى النظام الغذائي بعد رمضان دون التسبب بآثار صحية سلبية في الجسم؟
ماذا يحدث في الجسم خلال رمضان؟
مع نهاية شهر رمضان، يتباطأ التمثيل الغذائي في أثناء الراحة (RMR) في جسم الصائم بنسبة 20%، بحيث يصبح أكثر كفاءة في استخدام الطاقة وحرق السعرات الحرارية في أثناء الوظائف الأساسية، مثل ضخ الدم والتنفس. حيث يخضع على مدار 29 يوماً لسلسلة من التغيرات، بما في ذلك:
التحول في مصدر الطاقة
يمر الجسم ما بين الأول حتى السابع من رمضان، بعدة تحولات في مصادر الطاقة تسبب الصداع والدوار ورائحة الفم الكريهة:
- ينخفض مستوى سكر الغلوكوز في الدم.
- يتباطأ القلب وينخفض ضغط الدم.
- يتحول الجسم نحو مخازن الغليكوجين في العضلات ما يسبب شعوراً بالضعف.
- يبدأ الجسم بتكسير الدهون المخزنة بعد الانتهاء من مخازن الغليكوجين، لتحرير الغليسرين من جزيئات الغليسريد والحصول على غلوكوز.
يصبح الجلد في هذه المرحلة دهنياً بسبب إزالة الدهون الفاسدة من الجسم، وربما تظهر بعض البثور عدة أيام، كما يزداد نشاط خلايا الدم البيضاء والجهاز المناعي، وقد يشعر البعض بالألم في الرئتين.
علاوة على ذلك، يتكيف الجهاز الهضمي في هذه الأثناء مع الصيام، حيث يركّز طاقته على التطهير، والتخلص من الفضلات الملتصقة بجدار الأمعاء.
اقرأ أيضاً: 9 نصائح لتنقذ نفسك من الحلويات الغنية بالسعرات الحرارية في العيد
التغيرات في مستويات التمثيل الغذائي
يتكيف الجسم مع مصادر الطاقة المنخفضة في الجسم، بحيث يتباطأ التمثيل الغذائي بدءاً من اليوم الثامن من الصيام حتى الخامس عشر. تزداد خلال هذه الفترة القدرة على التركيز، إلّا أن الإصابات القديمة قد تصبح مؤلمة. على سبيل المثال، إن كنت كسرت ذراعك قبل 10 سنوات، فإن الجسم يرسل الخلايا الليمفاوية إلى الأنسجة التالفة لإذابتها، ما يهيج الأعصاب المحيطة بمنطقة الإصابة.
مرحلة إزالة السموم الأخيرة
تمتد من منتصف الشهر حتى نهايته، يصبح الفرد بنهايتها أكثر قدرة على التركيز وترتفع مستويات الطاقة لديه. وتستمر خلالها عملية التطهير وإزالة السموم وشفاء الأعضاء.
كيف تعود إلى روتينك الغذائي بعد رمضان؟
إذا أردت استعادة نشاط عملية التمثيل الغذائي بعد رمضان، واتباع روتين غذائي صحي، يمكنك اتباع النصائح التالية:
تقسيم الوجبات على مدار اليوم
بعد رمضان يرى البعض الطعام مكافأةً على صيام الشهر وتناول ما يرغبه، لكن ذلك يهدد بتطوير عادات أكل غير صحية، وإجهاد الجهاز الهضمي وتنشيطه على نحو مفاجئ بعد أن ركّز نشاطه على التطهير وإزالة السموم. لذا ينبغي زيادة تناول كميات الغذاء تدريجياً، بتناول ما بين 5-7 وجبات صغيرة ومتوازنة في اليوم، وبما يسمح للجسم بالتكيُّف مع روتين الغذاء الجديد.
موازنة العناصر الغذائية في النظام الغذائي
وفقاً لمختصة التغذية السريرية في مستشفى رأس الخيمة في الإمارات، ربا الحوراني، من أهم ما ينبغي التركيز عليه لدى الانتقال من نمط غذائي إلى آخر هو موازنة العناصر الغذائية؛ أي يجب تضمين العناصر الغذائية كافة؛ الكربوهيدرات والبروتينات والدهون الصحية، مع التركيز على الخضار والفواكه والحبوب والبروتين الخالي من الدهون مثل لحم الدجاج، وتجنّب الكربوهيدرات المكررة كما في الحلويات والخبز النشوي، التي تسبب ارتفاع السكر المفاجئ في الدم (صدمة للجسم) والشعور بالإرهاق والأرق. بالإضافة إلى أن الأطعمة المعالجة أو الغنية بالدهون غير الصحية مثل الأغذية المقلية، تسبب إبطاء عملية التمثيل الغذائي، ما يعوق الجسم عن العودة إلى النمط الغذائي ما قبل رمضان.
اقرأ أيضاً: كيف يتغير الوزن خلال رمضان وبعده؟
موازنة الإلكتروليتات
خلال الصيام، تحدث عدة تغيرات هرمونية في الجسم، بما في ذلك:
- تنظيم مستويات هرمون الإنسولين في الجسم خلال ساعات الصيام الطويلة التي قد تتجاوز 12 ساعة.
- زيادة إنتاج الغدة النخامية الهرمون المضاد لإدرار البول (ADH)، للتحكم في كمية الماء المفقود عبر الكليتين، وتنظيم ضغط الدم.
- زيادة إنتاج هرمون الألدوستيرون الذي تنتجه الغدة الكظرية، الذي ينظّم توازن الإلكتروليتات والسوائل في الجسم، بحيث يتكيف الجسم مع قلة الترطيب وانخفاض مستوى الإلكتروليتات وتحتفظ الكلى بالماء.
بعد رمضان، ينبغي استعادة توازن الإلكتروليتات تدريجياً عن طريق زيادة شرب السوائل تدريجياً.
تعديل وجبة الإفطار
اقتصر عدد الوجبات الغذائية على مدار شهر رمضان على وجبتي الإفطار عند غروب الشمس والسحور قبل الفجر، أي تكيف إنتاج المعدة لهرمون الغريلين والمعروف بهرمون الجوع في الفترة المسائية.
لذا، ولدى العودة إلى النظام المتعدد الوجبات، لا بُدّ من إعادة تكيُّف الجسم مع وجبة الفطور الصباحية، وذلك على نحو مماثل لوجبة الفطور في رمضان؛ أي ببدء الوجبة بتناول التمر مع اللبن أو العصير، وبحيث تكون كمية السعرات الحرارية في الوجبات الصباحية أكبر منها في المسائية بعد الساعة السابعة.
اقرأ أيضاً: كيف احافظ على وزني في رمضان؟
تناول مكملات أو أطعمة تحتوي على البروبيوتيك
يتسبب تناول كمية كبيرة من الحلويات والوجبات الغذائية المتنوعة في أيام عيد الفطر وبعد صيام شهر رمضان في رفع مستويات السكر في الدم، بالإضافة إلى اختلال توازن ميكروبيوم الأمعاء، لذا لا بُدّ من تناول مكملات البروبيوتيك لتجديد مستويات البكتيريا الجيدة وإعادة التوازن لها، كما أنه وفقاً للدراسة المنشورة في دورية "الجزيئات"(Molecules)، يساعد تناول الأطعمة التي تحتوي على البروبيوتيك على تخفيف اضطرابات الجهاز الهضمي وأمراض القلب، ولها قدرات مضادة للأكسدة والسرطان، والالتهابات والسمنة.
ضبط النوم
مع نهاية شهر رمضان يكون الجسم قد اعتاد على السهر ساعات متأخرة والاستيقاظ مبكراً لوجبة السحور، لكن ذلك يتسبب ليس فقط باضطراب النوم بل له أيضاً آثار سلبية على استهلاك الطاقة في اليوم التالي، حيث وجدت مراجعة نُشِرت في مجلة الكلية الأميركية لأمراض القلب (Journal of the American College of Cardiology)، أن الحرمان من النوم يؤدي إلى الإفراط في تناول الطعام، وزيادة استهلاك السعرات الحرارية في اليوم التالي، وتراكم الدهون الحشوية في البطن.
لتجنب الآثار السلبية على الجسم لاضطراب النوم لا بُدّ من إعادة ضبط إيقاع ساعتك البيولوجية من خلال:
- ضبط موعد نومك واستيقاظك قبل وبعد بنحو 15-30 دقيقة يومياً.
- تناول وجبة الإفطار الصباحية.
- عدم العودة إلى النوم.
- تجنّب القيلولة خلال فترة ما بعد الظهر.
- تجنّب الكافيين والسكر قبل النوم.
- الحد من استخدام الأجهزة الإلكترونية قبل النوم بنحو ساعة، لتقليل الضوء الأزرق المنبعث من الأجهزة الإلكترونية، الذي يتسبب بوقف إنتاج الميلاتونين، وهو هرمون يساعد على تنظيم دورات النوم والاستيقاظ.
اقرأ ايضاً: 6 نصائح لنظام غذائي صحي بعد صيام رمضان
ممارسة التمارين الرياضية
تقترح مختصة التغذية شيري رزق ممارسة التمارين الرياضية الصباحية يومياً نحو 30-45 دقيقة، مثل المشي أو ركوب الدراجة؛ وذلك لقدرتها على تنظيم ضربات القلب وإعادة النشاط والحيوية للجسم، وتجنب الإرهاق الناتج عن الارتفاع المفاجئ لنسبة السكر في الدم بعد رمضان.